سوريا وانهيار النظام الدولي
فلاديمير بوتين، حسن روحاني، رجب طيب أردوغان، في روسيا، 2017. الضامنون الثلاثة لـ “مناطق خفض التصعيد” في سوريا. الصورة من ويكيبيديا
شهدت الأسابيع القليلة الماضية ظهور خطاب جديد حول الصراع في سوريا. حيث أن الوضع لم يكن يقترب من النهاية، كما تم الإشارة إليه على نطاق واسع في أواخر عام 2017، ولكنه ينتقل إلى مرحلة جديدة. وبينما طغى تدخل قوى أجنبية في الحرب لسنوات، فقد شهدت الأشهر القليلة الماضية تحولاً عميقاً. لم تعد القوى الأجنبية ناشطة بصورة متزايدة على الأرض فحسب، بل وأصبحت تركّز أيضاً بصورة متزايدة على بعضها البعض. حيث شهد الأسبوعان الأخيران فقط صدور تعليقات شديدة اللهجة من تركيا بشأن الموقف الأمريكي في منبج، وضربات إسرائيلية ضد الدفاعات الجوية الإيرانية، وسقوط طائرات لثلاث دول أجنبية (إسرائيل وروسيا وتركيا) في سوريا. وتزداد احتمالات وقوع اشتباكات مباشرة. وفي هذه المرحلة من الصراع، مع استعادة الحكومة السورية الكثير من أراضيها، والدمار الكبير الذي لحق بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، يجب أن يكون الوقت قد حان لجميع الأطراف لإعادة التركيز على المفاوضات بدلاً من تصاعد حدّة التوتر على ساحة المعركة مما يُلحق أضراراً بالمدنيين.
وكان أحد الجوانب الحيوية لتدويل الصراع هو الانتهاك الصارخ للقانون الدولي. وإلى جانب إخفاقات مجلس الأمن الدولي وعملية السلام التي تتوسّط فيها الأمم المتحدة، فإن الحرب في سوريا تجري الآن خارج إطار النظام الدولي تماماً. وفيما يلي تحليل لإجراءات ثلاثة من الأطراف الفاعلة الدولية الرئيسية في الصراع، والأمم المتحدة التي فشلت في تجنب الأزمة.
- الولايات المتحدة: تدخلت الولايات المتحدة لأول مرة في سوريا في أيلول/سبتمبر 2014، حيث قامت بقيادة تحالف دولي يهدف إلى هزيمة داعش. وبررت إدارة أوباما هذا التدخل بموجب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، مدعية أن البلد كان يتخذ إجراءً للدفاع القومي والجماعي، أي أنها تحمي نفسها وحليفتها العراق ضد تهديد داعش. وكانت حجة الدفاع القومي مشكوكاً في صحتها، ففي حين قتل داعش مواطنين أمريكيين في سوريا، إلا أنه لم يهاجم أبداً الأراضي الأمريكية، ولكن حجة الدفاع الجماعي كانت أقوى. ومع ذلك، فإن توسيع إدارة ترامب مؤخرا للمهمة الأمريكية في سوريا لا يغطيها هذا الإطار القانوني. وفي خطاب ألقاه في معهد هوفر الشهر الماضي، أوضح الوزير تيلرسون أن الولايات المتحدة تخطط للحفاظ على تواجد غير محدد المدة في شرق سوريا بعد هزيمة داعش. وحتى في سياق القراءات الأكثر ليبرالية للمادة 51، لا يمكن تبرير هذا النوع من التواجد غير محدد المدة.
وبالإضافة إلى وجودها غير القانوني في البلد، نشأت مخاوف جدية بشأن معدل الوفيات بين المدنيين جرّاء الغارات الجوية الأمريكية، لاسيما أثناء القتال من أجل الرقة في الصيف الماضي. وقال المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، “. . . ربما لم تفلح القوات المهاجمة في الالتزام بمبادئ القانون الإنساني الدولي من حيث الاحتياطات والتمييز واستخدام قوة متناسبة”. وقد نفت القوات الأمريكية هذه الاتهامات.
- روسيا: في سبتمبر 2015، استجابت روسيا لطلب المساعدة العسكرية من قبل الأسد وبدأت بشنّ الغارات الجوية داخل البلد. وبسبب طلب الأسد الحصول على المساعدة، فإن تدخل روسيا في سوريا يعتبر “تدخلاً بناء على دعوة“، وبالتالي هو جائز بموجب القانون الدولي. وفي حين أن تواجد روسيا قد يكون قانونياً، إلا أن أفعالها ليست كذلك. حيث اتُهمت القوات الروسية باستمرار بانتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي، سواء عندما تعمل بشكل مستقل أو بالتنسيق مع الحكومة السورية. وشملت هذه الاتهامات، على سبيل المثال لا الحصر، الاستهداف المتعمّد للمدنيين والمستشفيات والمدارس، واستخدام الذخائر العنقودية، واستخدام الأسلحة الحارقة في مناطق مأهولة بالسكان. ويمكن رؤية أحدث مثال على هذه الانتهاكات المروعة في القصف العشوائي الذي تتعرض له مدينة الغوطة الشرقية المحاصرة.
- تركيا: رداً على وجود داعش على طول الحدود السورية التركية وتقدّم وحدات حماية الشعب الكردية، أطلقت تركيا عملية درع الفرات في آب/أغسطس 2016. وعلى غرار الولايات المتحدة، فقد بررت تركيا توغلها في شمال سوريا أنه يأتي بموجب المادة 51، مدعية بوجود تهديد وطني من داعش ووحدات حماية الشعب الكردية وحزب العمال الكردستاني. وفي حين أن توغلها المحدود ربما كان شرعياً بموجب المادة 51، إلا أن العملية قد أدّت إلى قيام تركيا باحتلال حوالي 859 ميلاً مربعاً من شمال سوريا ⸺ وهو إجراء يتجاوز بكثير القراءة المعقولة لتلك لمادة. وتنامى التواجد التركي منذ ذلك الحين، حيث قامت في البداية بتأسيس نقاط المراقبة في إدلب، وفي الآونة الأخيرة مع بدء عملية غصن الزيتون وتوغلها في عفرين، حيث تم الإبلاغ عن ارتفاع عدد القتلى المدنيين.
- الأمم المتحدة: تحدث خروقات هذه الجهات الدولية الفاعلة في السياق الأوسع لفشل النظام الدولي. حيث أن المحاولات الأوسع نطاقاً لإحلال السلام في سوريا لم تخفق فحسب، ولكن لم تُبذل محاولات جادة للسيطرة على الأدوار المتزايدة للدول الأجنبية في الصراع. وقد غدا مجلس الأمن الدولي عاجزاً بسبب وجود روسيا، التي تُعتبر أحد أسوأ منتهكي القانون الدولي في سوريا. فقد استخدمت روسيا حق النقض (الفيتو) إحدى عشرة مرة لمنع اتخاذ أي إجراء بشأن النزاع. وإن حق النقض للولايات المتحدة يعني على الأرجح أن مجلس الأمن الدولي لا يمكنه السيطرة على انتهاكات أي من الأطراف الفاعلة الدولية على جانبي النزاع.
ولم يخفق مجلس الأمن الدولي في معالجة الإجراءات غير القانونية للدول المتدخلة فحسب، ولكن عملية التفاوض في الأمم المتحدة ما فتئت تميل نحو القضايا التي لها قيمة بالنسبة لتلك الدول، مثل مكافحة الإرهاب والانتخابات المقبلة وصياغة الدستور بدلًا من الاحتياجات الإنسانية الفورية، وإنهاء انتهاكات حقوق الإنسان. وبدلاً من السيطرة على الإجراءات التي تتخذها الدول الأجنبية في سوريا، فقد اعتمدت المفاوضات على تلك الدول كوسطاء. وفي ضوء فشل عمليات الأمم المتحدة، بدأت روسيا سلسلة منفصلة من المفاوضات. وفي حين أن هذه المفاوضات مكملة ظاهرياً لمحادثات جنيف، إلا أنها في الواقع لم تتمحور حول الشعب السوري أو القرار 2254. وإن حقيقة أن المبعوث الخاص للأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا يشارك في هذه العملية التفاوضية- بدلاً من أن يقودها- يُظهر قلة احترام مقلقة لعمليات الأمم المتحدة.
وإن الحالة الراهنة للصراع في سوريا يجب أن تكون مقلقة للغاية لأي شخص مهتم في سيادة القانون ودور النظام الدولي في خلق السلام والحفاظ عليه. وهي تمثل فشل ذلك النظام على كل مستوى. فقد أصبحت سوريا ساحة لعب للقوى الدولية، حيث لا توجد أي جهة فاعلة قادرة على التوسط الفعال في إجراءات تلك القوى، مما يترك الشعب السوري يعاني في خضم صراع لا يخصّه. وستظل المفاوضات الناجحة بعيدة المنال إلى أن يقرّ المجتمع الدولي بمدى إخفاقاته في سوريا، ويتفكّر في أوجه الضعف التي سمحت بوقوع هذه الكارثة، ويعيد تكريس نفسه لاحترام القانون الدولي، بالقول والفعل معاً. وهذا ليس ضرورياً فقط لخلق مستقبل عادل لسوريا، ولكن لمنع هذا النوع من الحرب الفوضوية التي جرى تدويلها من أن تصبح هي الوضع الطبيعي الجديد.
لمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى المشاركة بتعليق أدناه أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة (SJAC)، على [email protected].