نجل الأسد، مسابقة الرياضيات وحل معادلة المحسوبية في سوريا
إحدى التغريدات الكثيرة من قبل صحفيين ومعلّقين حول ترتيب حافظ الأسد في أولمبياد الرياضيات في البرازيل\ الصورة لـ: @AASchapiro
في 17 يوليو/تموز، شارك حافظ الأسد، نجل بشار الأسد، في مسابقة أولمبياد الرياضيات الدولية في البرازيل كأحد أفراد المنتخب الوطني السوري. وأحرز حافظ المرتبة الأخيرة في الفريق وحصل على أحد أدنى التصنيفات في مسابقة الأولمبياد بأسرها. وسرعان ما سخر المعلقون السوريون من نتائجه، ولكن تعليقاتهم أغفلت كيف تم قبول حافظ في الفريق أساساً؟ لا توجد تفاصيل متاحة حول عملية التأهل، ولكن توجد إجابة واحدة بسيطة هي أنه، بصفته ابن الرئيس، حظي حافظ بالأولوية للمشاركة في المنافسة المرموقة– وهذه إحدى ممارسات المحسوبية الشائعة جداً في سوريا والتي تجاهلها كثيرون. لسوريا تاريخ طويل من المحسوبية داخل مؤسساتها الحكومية والاقتصادية. وكأحد أشكال الفساد المؤسسي، يجب معالجة المحسوبية خلال المرحلة الانتقالية في سوريا لضمان أن تتمتع الحكومة القادمة بالحياد والنزاهة وأن تكون ممثلة لجميع السوريين.
يُقصَد بمصطلح المحسوبية (أو محاباة الأقارب) استخدام السلطة لتوفير فرص عمل أو فرص أخرى لغير المؤهلين أو لمن لا يستحق من أفراد العائلة أو الأصدقاء– وهي أحد أشكال الفساد لأن المسؤولين يستخدمون المناصب العامة لتحقيق مكاسب خاصة. وفي حين لا يوجد معيار دولي لمكافحة المحسوبية، هناك بعض الصكوك الدولية التي توفر توجيهات ومبادئ. فعلى سبيل المثال، تنص المادة 25(ج) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أن للمواطن “الحق والفرصة” في تقلّد الوظائف العامة “على قدم المساواة عموماً مع سواه”. وعلاوة على ذلك، فإن المواد من 7 إلى 9 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد (UNCAC) تشجع البلدان على إنشاء نُظُم لمنع تضارب المصالح، ووضع مدونات لقواعد السلوك للموظفين العموميين، ووضع معايير موضوعية لإصدار العقود الحكومية.
وقد اعتمدت عدة دول هذه المبادئ في أطرها الوطنية بطرق مختلفة. حيث تشمل بعض الدول أحكاماً لمكافحة المحسوبية وتضارب المصالح في دساتيرها. وهذا هو الحال في المادة 26 من دستور كولومبيا (المعدل عام 2015). وتحتفظ دول أخرى بمعايير أخلاقية ومدونات سلوك لوضع مبادئ توجيهية واضحة للموظفين العموميين. وفي حين تُعتبر المدونات مهمة لتحديد المعايير، فإن الصعوبة غالباً ما تكون في احترام تلك المعايير عند التطبيق العملي. فعلى سبيل المثال، اعتمد الأردن مدونة سلوك لموظفي القطاع العام وكانت خطوة إيجابية نحو تنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، ولكن الحكومة الأردنية بذلت جهداً من أجل تفعيلها بكامل طاقتها بين جميع الهيئات البيروقراطية.
في سوريا، باتت المحسوبية ممارسة طويلة الأمد تستخدمها الحكومة للحفاظ على السلطة والولاء. وقد استفادت عائلتي مخلوف وطلاس بشكل خاص من قربها من دائرة الأسد الداخلية. ففي عام 2001، حصل رامي مخلوف، ابن خال بشار الأسد من الدرجة الأولى، وشركة الاتصالات السلكية واللاسلكية (سيرياتل) التي يملكها، على إحدى عقدين لمشغلي الهاتف المحمول في سوريا. واستفاد مناف طلاس، وهو ابن وزير الدفاع السوري السابق مصطفى طلاس، من صداقته مع الأسد بأن أصبح قائداً للحرس الجمهوري، وهو فوج عسكري من قوات النخبة. وعلى غرار ذلك، حقّق شقيقه، فراس طلاس مكاسباً من مبيعات الملابس والغذاء والدواء للجيش السوري. ويمكن أيضاً أن يؤدي الزواج من أحد أفراد أسرة بارزة في سوريا إلى فوائد برعاية الحكومة. حيث حظي آصف شوكت الذي كان مسؤولاً عسكرياً برتبة متدنية، بمكانة مرموقة بعد زواجه من بشرى، ابنة حافظ الأسد. ولم يمض وقت طويل قبل أن يصبح نائباً لرئيس الاستخبارات العسكرية، ورئيساً لها وفي وقت لاحق.
لا تقتصر المحسوبية في سوريا على حشد النفوذ من الأسر الثلاث الأكثر قوة. إذ وفقاً لمصادر داخل سوريا، تمكّن أفراد عائلات سورية مؤثرة أخرى من تجنّب التجنيد العسكري الإجباري من خلال الحصول على إعفاءات لأبنائهم. وفي الوقت نفسه، تحتجز الحكومة أبناء العائلات التي لا تتمتع بنفوذ عند نقاط التفتيش للخدمة في الجيش، حتى لو كانوا قد شاركوا فعلياً في الخدمة سابقاً مرة واحدة أو أكثر (الاحتياط). وعلى الرغم من التقارير التي تفيد بأن روسيا قد ضغطت على الحكومة السورية لتشديد الخناق على إصدار الإعفاءات، إلا أن الجيش السوري لا يزال مؤسسة التمييز بين الأثرياء والفقراء.
وبعد النزاع، ستحتاج سوريا إلى التصدي للمحسوبية كجزء أساسي من أي جهود إصلاح لمكافحة الفساد. حيث أن معالجة المسألة ستتطلب إصلاح المؤسسات، بما في ذلك إعادة صياغة الأعراف والقيم وتغيير العمليات والقواعد والنظم البيروقراطية. ويُعتبر الإصلاح المؤسسي عنصراً أساسياً من عناصر العدالة الانتقالية، وأمراً حاسماً بالنسبة لحكومات ما بعد الصراع التي تتبنى مبادئ الحياد والشفافية والمساءلة.
وفي سياق المحسوبية، ستحتاج الحكومة السورية المستقبلية إلى تكريس صنع القرار على أساس الجدارة والحاجة، وليس على أساس الولاء للسلطة أو مدى القرب منها. وينبغي أن ينطوي التوظيف الأولي لموظفي الخدمة المدنية على عملية توظيف قائمة على الجدارة تُكافئ المهنية والاحتراف وتُخفّف من المعاملة التفضيلية. وبمجرد الانضمام إلى الخدمة العامة، ينبغي أن يلتزم الأفراد بسياسات تضارب المصالح التي تُخفّف من تأثير المصالح الخاصة في الأعمال الحكومية، مع وجود إمكانية الإفصاح عن وجود تضارب شخصي حال حصوله.
ولكن لا يكفي وجود سياسات وإجراءات مكتوبة. إذ تسمح الشفافية للمواطنين برصد ما إذا كان يتم الالتزام بالمعايير والسياسات المكتوبة. بعد الربيع العربي، أقرّت الحكومة التونسية قانون الوصول إلى المعلومات. وكانت منظمات المجتمع المدني مثل البوصلة جزءاً لا يتجزأ من رصد تنفيذ القانون من خلال إنشاء قاعدة بيانات للموارد للمواطنين للاطّلاع على العمليات البيروقراطية البلدية. ويمكن لحكومة سورية مستقبلية أن تتعلم من تونس في سن قانون مماثل، ويمكن لمنظمات المجتمع المدني السورية أن تمارس ضغوطاً على المسؤولين العموميين وأن تستجوب ممارسات المحسوبية.
وعلاوة على ذلك، يجب أن يكون للمواطنين السوريين القدرة على تقديم شكاوى بشأن المحسوبية. وينبغي للقوانين أن تحمي المبلِّغين عن الموظفين العموميين من الأعمال الانتقامية. وبمجرد تقديم الشكاوى، ينبغي أن يكون هناك أمين مظالم مستقل قادراً على التحقيق في تلك الشكاوى، وفضح المشاكل في الممارسات الحكومية. وعند الاقتضاء، ينبغي أن يكون أمين المظالم قادراً أيضاً على فرض غرامات على الموظفين العموميين أو اتخاذ إجراءات قانونية بحقّهم.
ولن يكون من السهل حل مشكلة المحسوبية في سوريا. وإلى جانب وضع سياسات لمكافحة المحسوبية، يتطلب تنفيذ هذه السياسات والالتزام بها وقتاً وإرادة سياسية. وإذا ما أرادت حكومة سورية المستقبلية أن تستعيد ثقة شعبها، يجب أن تُظهر أنها تمثّل جميع السوريين وليس فقط القلة الذين لديهم علاقات بأشخاص نافذين.
لمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected].