1 min read

التهجير القسري في سوريا والعدالة الدولية

مدنيون أجبروا على مغادرة منازلهم في الوعر- حمص
الصورة لـ عدسة شاب حمصي

غادر نحو 1,100 مدني منازلهم في حي الوعر بحمص الأسبوع الماضي، بموجب اتفاق توسّطت فيه روسيا بين القوات الموالية للحكومة وقوات المعارضة. ويمثّل هذا الاتفاق إحدى كبرى عمليات تهجير السكان في سوريا، حيث يتوقع أن ينسحب هذا على آلاف المدنيين الآخرين. وعلى الرغم من وصف عملية “الإجلاء” بأنه طوعي، فإن القوات الموالية للحكومة أجبرت الناس على الرحيل، وكان المدنيون يخشون العقاب إذا بقوا في منازلهم. وعلى الرغم من الحجم الكبير لعملية النقل الأخيرة، فإن نزوح حمص ما هو إلّا جزء من استراتيجية متسقة ينتهجها الأسد لتعزيز سيطرته على الأرض وطرد المدنيين الذين لا يؤيدون حكومته بشكل كامل.

يحظر القانون الدولي بوضوح التهجير القسري كإستراتيجية للحرب. وفي الواقع، يصف تقرير صدر مؤخراً عن لجنة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة على وجه التحديد اتفاق كانون الأول/ديسمبر 2016 بين الثوار والحكومة — الذي أدى إلى إجلاء بقية السكان في حلب الشرقية — على أنه جريمة تهجير قسري وهي من جرائم الحرب. وقد صدر التقرير نتيجة لقرار مجلس حقوق الإنسان الذي طالب لجنة الأمم المتحدة لتقصّي الحقائق بشأن سوريا بالتحقيق في القتال في حلب من تموز/يوليو إلى كانون الأول/ديسمبر 2016 عندما كان واضحاً أن الأطراف المتحاربة تهاجم المناطق المدنية بشكل متكرر وعشوائي دون التقيد بمبادئ القانون الإنساني الدولي. كما أن قرار مجلس حقوق الإنسان الذي طالب بإجراء تحقيق طلب أيضاً من لجنة الأمم المتحدة لتقصّي الحقائق بشأن سوريا تحديد المسؤولين، بالقدر الممكن، وهو أبعد مدى بَلَغته الأمم المتحدة علناً في ربط الانتهاكات بفاعلين محددين.

وجاءت استنتاجات لجنة الأمم المتحدة لتقصّي الحقائق بشأن سوريا حول التهجير القسري واضحة بشكل لا لبس فيه. ومع ذلك، في الوقت الذي أعلنت فيه الحكومتان الروسية والسورية خطة الإجلاء، فإن الطرف السياسي للأمم المتحدة لم تُدِنهما. بل، أيّد قرار مجلس الأمن 2328 الإجلاء بشكلٍ ضمني. وعلى الرغم من أن القرار طالب بأن يكون الإجلاء طوعياً وخاضعاً لرقابة شديدة وفقاً للمبادئ القانونية الدولية، إلا أن الوقائع على الأرض لم تدعم فكرة أن هذه الخطة تمّ تنفيذها أو يمكن تنفيذها بشكل طوعي. وهنّأ المبعوث الخاص للأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا مجلس الأمن على قراره المعيب أصلاً، في تناقض صارخ مع رأي الطرف الحقوقي والطرف الإنساني التابع للأمم المتحدة.

ودأب المركز السوري للعدالة والمساءلة على إدانة استراتيجية التهجير القسري التي تتبعها الحكومة السورية، ويُشيد المركز باستنتاجات لجنة الأمم المتحدة لتقصّي الحقائق الجريئة بشأن عمليات الإجلاء في حلب. وللأسف، بعد ست سنوات من المعارك، من الواضح أن الوثائق والتقارير والإدانات ليست كافية لردع مثل هذا العمل. بل وإن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو عدم اتخاذ إجراء من جانب مجلس الأمن الدولي رداً على النتائج التي توصلت إليها لجنة الأمم المتحدة لتقصّي الحقائق بشأن سوريا على مدى السنوات الخمس والنصف الماضية. وفي حين يُعتبر أمراً مستبعداً، إلا أنه يجب على مجلس الأمن الدولي أن يبذل المزيد من الجهود لتقديم مرتكبي هذه الانتهاكات إلى العدالة مع توفير حماية كافية للمدنيين. وكما هو واضح في الوعر، فإن الحكومة السورية لا تأخذ في الاعتبار استنتاجات حلب التي خلصت إليها لجنة الأمم المتحدة لتقصّي الحقائق بشأن سوريا، إذ تواصل إجبار المدنيين على مغادرة منازلهم والذهاب إلى مناطق لا تتوفر فيها ظروف معيشية ملائمة وهي عرضة للقتال وانعدام الأمن في المستقبل.

وكما خلص المركز السوري للعدالة والمساءلة في تقريره بعنوان خطوة نحو العدالة، فإن الملاحقات القضائية الوطنية في محاكم أوروبا وأمريكا الشمالية هي السُّبل الأكثر جدوى المتاحة حالياً للمساءلة، بالنظر إلى تصلّب الموقف الروسي في مجلس الأمن. ولكن من غير المرجح أن تحدث المحاكمات إذا لم يتمكن المدعون العامون الوطنيون من الحصول على الأدلة، بما في ذلك الصور ومقاطع الفيديو وشهادات الشهود. وكان ردّ المجتمع الدولي على المأزق الذي واجهه مجلس الأمن هو إنشاء آلية دولية مستقلة ومحايدة من خلال قرار للجمعية العامة للأمم المتحدة. ووفقاً للشروط المرجعية، ستقوم الآلية الدولية المستقلة والمحايدة بإعداد ملفات القضايا للتعجيل بإجراءات جنائية عادلة ومستقلة في محاكم وطنية أو إقليمية أو دولية قائمة أو سيتم إنشاؤها في المستقبل ذات سلطة قضائية مناسبة. ويتم الحصول على وثائق للملفات في المقام الأول من خلال التعاون مع لجنة الأمم المتحدة لتقصّي الحقائق بشأن سوريا وكذلك منظمات المجتمع المدني.

وإن التفعيل الأفضل لآليات المساءلة للأمم المتحدة يشكّل خطوة أولى هامة نحو تقديم الجناة إلى العدالة. ومن شأن التشاور الفعال مع المنظمات غير الحكومية السورية، وخاصة مع المنظمات الموثوقة التي تركّز على التوثيق، أن يكفل بأن انتهاكات القانون الدولي لن تمرّ دون أن يتم التصدّي لها. وسيكون التهجير القسري من القضايا التي سيصعب على الآلية الدولية المستقلة والمحايدة معالجتها بالنظر إلى أن العديد من الشهود والأدلة والمسؤولين الذين يصدرون أوامر التهجير لا يزالون في سوريا بعيداً عن متناول محقّقي “الآلية”. ولكن من خلال العمل مع لجنة الأمم المتحدة لتقصّي الحقائق بشأن سوريا ومنظمات سورية محلية، يمكن للآلية الدولية المستقلة والمحايدة أن تزيد كمية المعلومات المتاحة وتبدأ عملية محاسبة الجناة. ويمكن لتحقيقات الآلية الدولية المستقلة والمحايدة أن تضغط في وقت لاحق على الجناح السياسي للأمم المتحدة لإدراج العدالة في أي اتفاق سلام بين الطرفين، وعلى الأقل، الامتناع عن تقديم دعم ضمني للإجراءات التي ترقى في جوهرها إلى انتهاكات جسيمة للقانون الدولي.

لمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى الاتصال مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected].