1 min read
عندما لا تصب "دعوى المصلحة العامة" في مصلحة الجمهور:  الاختصاص القضائي العالمي والدعوى ضد الأسد
قصر العدل في باريس- الصورة لـ ويكيبيديا

عندما لا تصب "دعوى المصلحة العامة" في مصلحة الجمهور:  الاختصاص القضائي العالمي والدعوى ضد الأسد

تم في أواخر العام الماضي رفع قضيتين ضد الحكومة السورية في محاكم فرنسا وألمانيا بتهم ارتكاب انتهاكات خطيرة للقانون الدولي، بما في ذلك جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وحتى تاريخ نشر هذا المقال، فإنه لا يزال من غير الواضح ما إذا سيتم النظر في أي من القضيتين من قبل أي محكمة. في القضية الفرنسية، أقرّت المحامية التي تتولى تنسيق الدعوى القانونية، كليمونس بيكتارت، بأن فرص وصول القضية إلى المحاكمة كانت ضئيلة لكنّها أضافت، “يمكن للمحكمة أن تسلّط الضوء للأسرة على مصير أحبّائهم، وتقول إنه قد تم ارتكاب جريمة ضد الإنسانية، وتعترف بالمسؤوليات الفردية”. وفي حين حاولت القضية الفرنسية بناء ولايتها القضائية على أساس الجنسية المزدوجة الفرنسية-السورية للضحايا (في فرنسا، يمكن لوحدة جرائم الحرب التحقيق في الجرائم في أي مكان في العالم شريطة أن يتمتع الضحايا بالجنسية الفرنسية أو أن يكون المشتبه بهم موجودين على الأرض الفرنسية)، فقد تم رفع القضية الألمانية وفقاً لمبدأ الولاية القضائية العالمية (الإختصاص العالمي لحقوق الإنسان)، الذي يتيح للمحاكم الوطنية محاكمة المجرمين، حتى في حالة عدم وجود أي صلة بين الجريمة المرتكبة ودولة المحاكمة بناءً على فكرة أن بعض الجرائم خطيرة إلى درجة أنها تؤثر على المجتمع الدولي ككل.

وكما أشار تقرير المركز السوري للعدالة والمساءلة، خطوة نحو العدالة، تُعتبر المحاكمات الجنائية في المحاكم الوطنية الأجنبية الخيار الأكثر جدوى لتحقيق المساءلة في سوريا في الفترة التي تسبق المرحلة الانتقالية. ولكن لا بدّ من النظر إلى الآثار السلبية المحتملة لمثل هذه المقاضاة، وخاصة في القضايا التي تكون فيها الأسباب التي تم تأسيس الولاية القضائية على أساسها (أي ما إذا كان لدى المحكمة الصلاحية أساساً للنظر في قضية معينة) واهية في أحسن الأحوال. وفي مثل هذه الحالات، يخاطر المدّعون العامون برفع توقعات الضحايا ليتم بعد ذلك رفض القضية — مما يساهم في تزايد شعور خيبة الأمل بين السوريين ويشدّ من عزيمة حكومة الأسد أكثر.

ما هي دعوى المصلحة العامة؟

كما أشارت السيدة بيكتارت في إفادتها، فإن كسب القضية ليس الهدف الوحيد للسعي وراء جميع حالات التقاضي. حيث تعني دعوى المصلحة العامة (المعروفة أيضاً باسم التقاضي الاستراتيجي) تحديد وملاحقة القضايا القانونية كجزء من استراتيجية لتعزيز حقوق الإنسان. وهي تركّز على قضية فردية من أجل إحداث تغيير اجتماعي أوسع. ويمكن أن تشمل غايات دعوى المصلحة العامة: نشر الوعي، أو التعريف بالقضية التي تم بناء الاستراتيجية من أجلها، وتشجيع النقاش العام، وإنشاء سوابق قضائية هامة، وتحقيق تغيير للناس في حالات مماثلة، وإحداث تغييرات في السياسات المرتبطة بظروف الدعوى. وفي حين أن صدور “حكم إيجابي يمكن أن يسرّع في النهوض بالحقوق بطرق لا يتسنّى بها ذلك لأشكال المناصرة الأخرى”، إلا أن المقاربات القضائية الصرفة يمكن أيضاً أن تؤدّي إلى “تقسيم المجتمعات، وتكريس الفقه والسوابق الرجعية، بل وتثير رد فعل عنيف ضد الحركات الاجتماعية والمبادئ والحقوق التي تسعى للنهوض بها”. وبالنظر إلى المخاطر العالية المحتملة، فإنه من المهم تحقيق التوازن بين النتيجة المرجوة (على سبيل المثال، لفت الانتباه إلى قضية معينة) والقيمة الاستراتيجية للقرار المحتمل والآثار المترتبة عليه.

وعندما تُستخدم بشكل استراتيجي، يمكن أن تكون الولاية القضائية العالمية أداة قيّمة لتعزيز العدالة الجنائية الدولية من خلال لفت الانتباه إلى الإفلات من العقاب في المحافل الوطنية أو الدولية. وبحسب اتفاقيات جنيف لعام 1949 حول قوانين الحرب، فقد مكّن مفهوم الولاية القضائية العالمية الإسرائيليين من مقاضاة أدولف آيخمان المسؤول النازي الرفيع، لدوره في المحرقة ضد اليهود. لكن، وفقاً لكريستوفر كيث هول، المستشار القانوني الأول السابق في مجال العدالة الدولية لمنظمة العفو الدولية، بالنسبة للبعض، فإن الولاية القضائية العالمية ليست إستراتيجية ولكن بدلاً من ذلك استُخدِمت “كصرخة يأس عندما تكون جميع الوسائل الأخرى قد باءت بالفشل، حتى إذا كانت القضية من شأنها أن تشكّل خطورة كبيرة لتقويض الإطار القانوني الذي قد يمكّن الضحايا الآخرين وأسرهم من الحصول على قدر من العدالة وجبر الضرر”. ويمضي (هول) ليشرح أن عدم وجود رؤية استراتيجية يمكن أن يؤدّي إلى فشل الادّعاء العام، الأمر الذي يمكنه أن يُضعِف الفقه القانوني القائم بشأن الولاية القضائية العالمية و يجعل الشرطة والمدّعين العامّين مترددين في متابعة مثل هذه القضايا.

الضرر أكثر من النفع؟

في حين حظي رفع القضيتين الفرنسية والألمانية بدعاية كبيرة على الصعيد الدولي، إلا أنه من المرجّح أن تكون ثارهما الاستراتيجية على المدى الطويل محدودة للغاية. وفي الوقت نفسه، يتلهّف السوريون لمعرفة ما ستفضي إليه الشكاوى الجنائية، ولم يتم التخفيف من توقعاتهم العالية عبر تحديثات حول ما إذا كانت النيابة العامة سوف تمضي قدماً في الدعاوى، أو متى يجب أن يتوقع الجمهور سماع المزيد. وبدلاً من كسب اهتمام وسائل الإعلام، يفضّل المركز السوري للعدالة والمساءلة أن يرى المحامين يركّزون على قضايا صغيرة ذات فرص أكبر ليتم قبولها والنظر فيها من قبل المحكمة، مما يؤدي إلى إدانات يمكن أن تساعد بالبناء على بعضها البعض ومما يؤدي إلى سوابق قانونية في المحاكم الأوروبية قد يكون لها تأثير على الجناة رفيعي المستوى في المستقبل. ووفقاً للخبراء، فإن رفع دعاوى المصلحة العامة يكون أكثر فعالية غالباً عندما يتم التقاضي في العديد من الحالات على مر الزمن، الأمر الذي يتطلب التنسيق والتعاون بين مختلف جماعات التوثيق والمساءلة السورية والدولية.

وحتى تاريخه، ساهم المركز السوري للعدالة والمساءلة بالعديد من القضايا، ونحن نبقى ملتزمين بالمساعدة في التحقيق في ومحاكمة انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني في الولايات القضائية لأوروبا وأمريكا الشمالية. ولكن المركز السوري للعدالة والمساءلة لن يشارك إلا في القضايا التي يتم رفعها على أساس قوي من الولاية القضائية والموضوعية، وليس لأغراض المناصرة والضغط الإعلامي فحسب. وإن أي فعل بخلاف ذلك سيعطي أملاً كاذباً للضحايا الذين ائتمنوا المركز السوري على معلوماتهم وتجاربهم المؤلمة على أمل أنهم سيكونون قادرين على الوصول إلى العدالة في المستقبل. وعلى الرغم من الحاجة الملحة لتحقيق المساءلة فوراً، يُعتبر تأجيل العدالة أفضل من عملية معيبة بطبيعتها، حتى لو كان ذلك يعني انتظار السوريين لعدة سنوات لرؤية انتصاف للفظائع التي تعرّضوا لها. حيث أن عملية العدالة التي تفشل في تلبية احتياجات الضحايا وتخلق خيبة أمل إزاء الإجراءات القضائية الرسمية من المرجّح جداً أن تُلحق الضرر بالآفاق طويلة الأمد للعدالة الانتقالية في سوريا. وكما هو الحال مع دعوى المصلحة العامة، يجب أن يتم اختيار هذه القضايا بعناية حسب احتمالية نجاحها وتعزيزها للإطار القانوني لضحايا آخرين وأسرهم، بدلاً من إضعافه.

لمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إرسال بريد إلكتروني إلى المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]