1 min read

العدالة للضحايا والحرب على الإرهاب

معسكر دلتا، معتقل غوانتانامو. الصورة لـ ويكيبيديا

منذ 11 أيلول/سبتمبر 2001، تصدّر الإرهاب وما تمخّض من حرب على الإرهاب عناوين الصحف وشغل ذلك جهودَ الأمن القومي العالمي. وما من مكان شعر بآثار الإرهاب بشكل أكثر حدة من الشرق الأوسط، وكانت الاستجابة من الحكومات في المنطقة في كثير من الأحيان متذبذبة وصارمة. ويُعتبر العراق خير مثال على ذلك. ففي 21 أغسطس/آب، أعدمت الحكومة العراقية 36 رجلاً بعد إدانتهم العام الماضي من قبل المحكمة الجنائية العراقية المركزية في بغداد. حيث أعدم الرجال شنقاً لمشاركتهم في جريمة قتل جماعي في عام 2014 لنحو 1700 شخص قتلهم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش).

وانتقدت العديد من جماعات حقوق الانسان المحاكمة وما ترتّب عليها من أحكام بالإعدام شنقاً لأن المتهمين لم يتمكنوا من الوصول إلى محاميهم، واعتمدت الأدلة ضدهم في المقام الأول على اعترافات منتزعة تحت الإكراه والتهديد وعلى اتهامات من مخبرين سريين. ولأن الإعدامات جرت في أعقاب انتقادات دولية بأن العراق كان ليّناً لدرجة مفرطة مع تنظيم داعش، فإن قِصَر فترة المحاكمة وعدم مراعاة الأصول القانونية للمحاكمة جعل أحكام الإعدام تبدو أقرب إلى القتل الانتقامي منه إلى العدالة. كما كانت تلك فرصة ضائعة للتعبير بشكل مستفيض عن مظالم الضحايا العراقيين الذين عانوا كثيراً نتيجة للفظائع التي ارتكبها تنظيم داعش.

وحتى في الديمقراطيات الغربية، يتم احتجاز الأشخاص الذين يُشتبه في علاقاتهم مع الإرهاب ومحاكمتهم سرّاً بموجب قوانين أمن قومي غامضة. ومع الذكرى السنوية الخامسة عشرة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، ما يزال خالد شيخ محمد، العقل المدبر وراء الهجمات، والمتهمين الآخرين معه ينتظرون المحاكمة أمام هيئة محلّفين عسكرية في غوانتانامو. ولا يقتصر هذا التأخير على تقويض حق المتهمين في محاكمة سريعة، ولكن ضحايا هجمات 11 سبتمبر/أيلول أيضاً باتوا محبطين لعدم صدور قرار قضائي طول هذا الوقت. وبذل كل من الكونجرس الأمريكي ووزارة الدفاع الأمريكية قصارى جهدهما لإبقاء هذه المحاكمات خارج إطار المحاكم المدنية بدعوى المخاوف الأمنية، ولكن في تلك المحاكم المدنية، كان سيتم احترام المعايير الأساسية لحقوق الإنسان، ولَكَان المدّعى عليهم أدينوا منذ سنوات، ولَتَمكّن الضحايا من تضميد الجراح وطي صفحة الماضي الأمر الذي هم في أمَسّ الحاجة إليه.

واستخدمت حكومات أخرى وجهة نظر الولايات المتحدة الفضفاضة في مكافحة الإرهاب لاستهداف معارضين سياسيين. فلطالما برّر الرئيس السوري بشار الأسد استجابته الوحشية ضد انتفاضة عام 2011 وما تبعها من حرب أهلية على أنها حرب ضد الإرهاب. وفي خطاب ألقاه في عام 2013، وعد الأسد “بالقضاء على” الإرهاب “بقبضة من حديد”، غير أن حملة الحكومة ضد الإرهاب استهدفت بشكل عشوائي مناطق مدنية، مما أسفر عن مقتل العديد من النساء والأطفال الأبرياء. وكان رئيس أوزبكستان الراحل إسلام كريموف استخدم تكتيك مماثل واصفاً كل من قاوم أو كان لديه مظالم ضد نظامه بالإرهابي. وباعتباره حليفاً هاماً في الحرب ضد الإرهاب، فقد تغاضت الولايات المتحدة إلى حدٍ كبير عن تجاوزات كريموف ضد شعبه، مما مهّد الطريق أمامه لاستخدام الحرب الشاملة على الإرهاب لمزيد من تقويض حقوق الإنسان وتوطيد السلطة. ومن المفارقات، في سعيه للدفع بقيادة المعارضة إلى العمل سراً، خلق كريموف أرضية خصبة ليقوم تنظيم داعش بتجنيد عناصر في صفوفه. ولم تكن سوريا وأوزبكستان حالتين منفردتين — ففي جميع أنحاء العالم، فرّطت الحرب على الإرهاب في إطار حقوق الإنسان وتحقيق العدالة للضحايا.

حتى عندما تتناول بلدان هذه المسألة من منظور حقوق الإنسان، فإن النتائج لا تركّز دائماً على الضحية. ففي أول محاكمة من نوعها، سلّمت النيجر أحمد الفقيه المهدي إلى المحكمة الجنائية الدولية حيث يُحاكَم لجريمة حرب لاستهداف معالم تاريخية على نحو مقصود. وكان المهدي محتجزاً من قبل النيجر لعلاقته مع جماعة أنصار الدين، إحدى الجماعات المسلحة في مالي ويُزعم بأن لها علاقة بتنظيم القاعدة. وفي حين أن تدمير التراث الثقافي هو جريمة خطيرة بموجب القانون الدولي، فقد شكّك البعض في دوافع المحكمة الجنائية الدولية في التركيز فقط على هذه الجريمة بينما توجد هناك مزاعم ذات مصداقية بشأن حالات تعذيب واعتقالات تعسفية وزواج قسري واغتصاب واستعباد جنسي وغيرها من أشكال العنف الجنسي التي وقعت خلال الوقت نفسه الذي استولت فيه جماعة أنصار الدين ومقاتلون على صلة بتنظيم القاعدة على المنطقة. ودعت منظمات حقوق الإنسان المحكمة الجنائية الدولية لتوسيع نطاق هذه الاتهامات، مشيرة إلى أن التهم الحالية تُغفِل المعاناة الهائلة التي شعر بها ضحايا الإرهاب في مالي.

ومن أجل أن تكون هناك عدالة حقيقية للضحايا، يجب مساءلة الجناة عن جرائمهم. وإن القتل خارج إطار القضاء (على سبيل المثال، الغارات الموجّهة بطائرات بدون طيار) وإجراءات المحاكمة السرية لا تفي بسبل الحماية التي تضمنها إجراءات التقاضي السليمة الأساسية ولا تخدم على نحو كافٍ حاجة الضحايا لتضميد الجراح وطي صفحة الماضي. وعلى الرغم من أن القضية في المحكمة الجنائية الدولية هي خطوة في الاتجاه الصحيح، إلا أنها فشلت أيضاً في معالجة النطاق الكامل من الأضرار التي تم تكبّدها. وبالطبع هناك تحديات لتحقيق هذه الأهداف بشكل كامل. ففي بعض الحالات، يشكّل الإرهابيون تهديداً وشيكاً قد يتطلب عملاً عسكرياً فورياً، وقد يكون لأدلّة معيّنة مضامين على الأمن القومي إذا ما تم كشفها للعلن في المحاكمة. ولكن هذه المخاوف قد أثارت ردوداً واسعة وصارمة، الأمر الذي يتسبّب في ضرر أكبر بكثير على المدى الطويل ويقلّل الثقة في الحكومة وسيادة القانون ويحفّز التجنيد في المنظمات الإرهابية.

وإن محاربة الفظائع المروّعة التي يرتكبها إرهابيون بانتهاكات حقوق الإنسان التي ترعاها الدولة لن يُنهي الحرب على الإرهاب. بل، في كل من الشرق الأوسط وفي الغرب، هناك حاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى للمقاربة القائمة على الضحية التي تركّز على إعادة بناء إطار حقوق الإنسان والثقة في سيادة القانون.

لمزيد من المعلومات أو لتقديم الآراء وردود الأفعال، يرجى إرسال بريد إلكتروني إلى المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected].