دور المجتمع المدني في مراقبة وقف إطلاق النار
المبعوث الخاص لسوريا ستيفان دي ميستورا، اجتماع فريق عمل وقف إطلاق النار، 3 مارس 2016. الصور للأمم المتحدة / Anne-Laure Lecha
منذ أن أقر مجلس الأمن الدولي البيان المشترك للولايات المتحدة وروسيا بشأن وقف الأعمال العدائية في سوريا يوم 26 شباط/فبراير، يبدو أن عدد القتلى المدنيين والعنف قد انخفض بشكل كبير. وعلى الرغم من ورود تقارير عن حالات عنف، فقد كان من الصعب تقدير كم كان عدد التقارير التي كانت بمثابة انتهاكات حقيقية لوقف إطلاق النار نظراً لعدم الوضوح بشان آليات رصد الاتفاق.
وينبغي أن تتضمّن اتفاقات وقف إطلاق النار عموماً أحكاماً قوية بشأن كيفية مراقبة الامتثال. ولكن في سياق حرب أهلية، ليس هناك ممارسة فُضلى موحدة للمراقبة والرصد، وهناك تباين كبير في آليات المراقبة من بلدٍ إلى آخر. وتشير الدروس المستفادة من سياقات أخرى إلى أنه عندما يتم التخطيط جيداً للمراقبة ويتم دمج المجتمع المدني في تصميم آلية المراقبة والرصد، من المرجّح أن يصمد وقف إطلاق النار. ويُعتبر اتفاق وقف اطلاق النار في سوريا مهلهلاً جداً حول هذه النقطة ولا يَذكر سوى النذر اليسير حول المراقبة، حيث يشير إلى قيام الأطراف بتطوير آلية تتضمن خطاً ساخناً للاتصالات وإذا كان مناسباً “مجموعة عمل لتبادل المعلومات ذات الصلة” ولكنّه لا يصف طريقة لمساهمات المجتمع المدني أو عملية التحقيق في ادعاءات الانتهاكات والتحقق منها.
ونتيجة لذلك، قام أفراد وجماعات بإنشاء آليات مرتجلة للمراقبة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية من أجل جمع المعلومات عن الحوادث التي قد ترقى إلى مستوى انتهاكات لوقف إطلاق النار. وقامت وزارة الخارجية الأمريكية أيضاً بإنشاء خط ساخن يستطيع السوريون الاتصال به للإبلاغ عن الانتهاكات. ولم تكن نتيجة عملية جمع المعلومات هذه واضحة، إذ لم تقم روسيا ولا الولايات المتحدة بتأكيد أو نفي حدوث انتهاكات، مما يؤدي إلى إحباط متزايد بأن المخالفين يمكن أن يفعلوا فعلتهم دون عواقب. ويمكن لآلية مراقبة دولية أو روسية- أمريكية مشتركة تحقّق وتتحقّق من الادعاءات أن تمنح السوريين شعوراً بأن الجهات الدولية الداعمة تأخذ اتفاق وقف الأعمال العدائية على محمل الجد.
وحتى مع وجود آلية رسمية، سيكون التحقق من الادعاءات صعباً بسبب عدم اتفاق الطرفين على خارطة للسيطرة الإقليمية. وتم استثناء تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) وجبهة النصرة من الاتفاق، ولذلك فإن الهجمات التي تستهدف هاتين المجموعتين أو التي ترتكبها هاتان المجموعتان لا تُعتبر انتهاكات لوقف إطلاق النار. وهكذا، يمكن لكل جانب أن يبرّر بسهولة أي انتهاك، مدّعياً أنه كان مجرّد استهداف لتنظيم داعش أو جبهة النصرة. ومن دون وجود اتفاق على أي الجماعات تسيطر على أي أراضي، قد يكون من الصعب التشكيك في صحة المبررات.
وبما أنه ليس هناك أي وجود لمراقبة دولية في سوريا، يغدو عمل المراقبة الذي يقوم به المجتمع المدني أكثر أهمية. ولتقديم مساعدة فعالة لمراقبة وقف إطلاق النار، يمكن للمجتمع المدني أن يعتمد على مبادئ توثيق حقوق الإنسان. وتشمل أهم هذه المبادئ الدقة والنزاهة. وإذا قامت منظمة بنشر معلومات ثبُت أنها كاذبة أو متحيزة، فسيتم التشكيك في مصداقية التقارير الخاصة بها ويمكن أن تتضرر مصداقية المجتمع المدني أيضاً. وينبغي أيضاً أن يعمل المراقبون بشفافية بطريقة تعود بالفائدة على مجتمعاتهم في ذات الوقت الذي تحسّن فيه أمن الطراف المعارض. وتُعتبر هذه مهمة صعبة بسبب الكراهية العميقة التي تراكمت منذ عام 2011، ولكنها ستكون ضرورية لتحقيق سلام دائم. ويمكن أيضاً استخدام أساليب توثيق حقوق الإنسان لمراقبة وقف إطلاق النار، بما في ذلك استخدام الصور وأفلام الفيديو والمقابلات لتوثيق الانتهاكات والتحقق منها. ومن شأن شمول البيانات الوصفية أن يساعد في التحقق من الأوقات والأماكن الظاهرة في الصور وأفلام الفيديو الأمر الذي سوف يُضفي مصداقية على الادعاءات.
ولكن خلافاً لتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان، لا تُعتبر انتهاكات وقف إطلاق النار بالضرورة انتهاكات للقانون الإنساني الدولي أو قانون حقوق الإنسان الدولي، وإنما انتهاكات لاتفاق وقف إطلاق النار نفسه. وإن الحادث الذي لا يشكّل انتهاكاً للقانون الدولي قد يشكّل انتهاكاً للاتفاق، وهذا يتوقف على أحكام الاتفاق. في الفلبين، على سبيل المثال، وضع مراقبو وقف إطلاق النار المدنية شروطاً مرجعية تركّز على حوادث معينة تتعلق بوقف إطلاق النار وتأثيراتها على سلامة وأمن المدنيين للاسترشاد بها في عملية المراقبة والرصد.
وبالإضافة إلى مراقبة وقف إطلاق النار، بإمكان مجموعات المجتمع المدني أن تراقب الوضع الإنساني لضمان أن المساعدات تصل إلى المجتمعات المتضررة من الصراع وأن الاحتياجات الأساسية يتم تلبيتها. ويُعتبر ربط المساعدات الإنسانية باتفاقات وقف إطلاق النار أمراً ضرورياً لنجاح وقف إطلاق النار لأنه كلما تم الوفاء بمزيد من الاحتياجات، زاد احتمال التزام السوريين بالسلام بدلاً من تجدّد القتال. ويمكن للمجتمع المدني أيضاً الاستفادة من الهدوء النسبي لتوعية المجتمعات المحلية المتضررة من الصراع حول عملية السلام والبدء في المهمة الصعبة المتمثلة في بناء الثقة بين المجتمعات لضمان عملية شاملة/دامجة تعزّز السلام بدءاً من القاعدة الشعبية إلى الأعلى.
وما زال ينبغي الانتظار ورؤية ما إذا كان الاتفاق الحالي بشأن وقف القتال في سوريا سيكون له تأثير دائم على الصراع. ولكن ما يمكن ضمانه هو أن تأثيره ونجاحه على المدى الطويل سيزداد إلى حدٍ كبير بوضع خطة مراقبة رصينة تضم المجتمع المدني.
لمزيد من المعلومات وتقديم ردود الأفعال والآراء، يُرجى التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected].