الموت سراً: محنة المعتقلين السوريين
سوريات يتظاهرن تضامناً مع المعتقلين السوريين. الصورة لـ: فريدوم هاوس
أصدر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة مؤخراً تقريراً عن انتهاكات ممنهجة وحالات وفاة للمعتقلين في سوريا. وقد استخدم التقرير 621 مقابلة ومواد توثيق كثيرة لفضح عدد هائل من انتهاكات القانون الدولي فيما يتعلق بمعاملة المعتقلين من قبل جميع أطراف النزاع السوري. وقام المركز السوري للعدالة والمساءلة بتلخيص نتائج التقرير على شكل الاستنتاجات الأربعة التالية:
- ارتكبت جميع أطراف النزاع انتهاكات بحق المعتقلين، لكن الانتهاكات التي ارتكبتها الحكومة السورية كانت ممنهجة أكثر وعلى نطاق أوسع من المجموعات الأخرى:
على الرغم من أن الحكومة السورية حظرت على الدوام على مجلس حقوق الإنسان وغيرها من منظمات مراقبة حقوق الإنسان الدولية الوصول غير المقيد إلى أراضيها، إلا أن روايات شهود العيان والأدلة الوثائقية تشير بقوة إلى وجود عشرات الآلاف من الناس المحتجزين لدى الحكومة في أي وقت. ويشير تقرير مجلس حقوق الإنسان أنه منذ شهر آذار/مارس 2011، ظهر نمط على مستوى البلد بأكمله يتم فيه اعتقال مدنيين، أغلبهم من الذكور فوق سن 15 عاماً، واحتجازهم بشكل تعسفي من قبل الحكومة. ووفقاً لمعتقلين سابقين، غالباً ما يتعرّض السجناء في مرافق الاعتقال التي تديرها الحكومة للضرب والتعذيب والظروف المعيشية غير الإنسانية ويحرمون بانتظام من الحصول على الغذاء والماء النظيفين أو العناية الطبية. وكان أكثر من 200 من أصل 621 من المعتقلين السابقين الذين تمت مقابلتهم لهذا التقرير قد شهدوا حالة وفاة واحدة أو أكثر في الحجز نتيجة لسوء المعاملة.
ووجد التقرير أيضاً أن الجماعات المناهضة للحكومة، جبهة النصرة وتنظيم داعش، قد ارتكبت انتهاكات خطيرة في حق المحتجزين، بما في ذلك عمليات التعذيب والإعدام خارج القضاء أو بإجراءات موجزة. ولكن يُعتَقد بأن عدد المحتجزين من قبل هذه المجموعات هو أقلّ بكثير من عدد الذين تحتجزهم الحكومة السورية. وبالإضافة إلى ذلك، خلافاً للحكومة السورية، لم يجد التقرير أي ممارسة مؤسسية أو متسقة من الاعتقالات الجماعية والاحتجاز التعسفي والتعذيب وقتل المدنيين المحتجزين لدى الجماعات المناهضة للحكومة. ويوجد حجم أقلّ من التوثيق المتاح لجبهة النصرة وتنظيم داعش؛ ومع ذلك، في مقال نُشِر مؤخراً، حاجج المركز السوري للعدالة والمساءلة بأن تنظيم داعش يتّبع ممارسات اعتقال وحشية يبدو أنها قد تطورت لتصبح بمثابة إجراءات موحدة.
- أخفقت مؤسسات الدولة السورية في احترام التزاماتها بموجب القانون الدولي والوطني:
يحظر القانون الدولي العرفي، الذي ينطبق على جميع الدول، الاختفاء القسري والحرمان التعسفي من الحرية والقتل والتعذيب والاغتصاب وإدانة أو الحكم على شخص دون محاكمة عادلة. كما يُحظَر أيضاً الإعدام بإجراءات موجزة والإعدام والقتل خارج نطاق القضاء، بغضّ النّظر عن حالة المعتقلين أو الجرائم المزعومة.
ووفقا لتقرير مجلس حقوق الإنسان:”من خلال سلوكها واسع النطاق في الاعتقالات الجماعية والاعتقالات التعسفية وحالات الاختفاء القسري التي استهدفت السكان المدنيين عامة الذين يعيشون في المناطق المضطربة والأشخاص الذين يُنظَر إليهم على أنهم في المعارضة، وما ينتج عن ذلك من سوء معاملة المعتقلين وقتلهم، فقد شاركت القوات الحكومية في ارتكاب متعدد للجرائم، التي ترقى إلى هجوم ممنهج وواسع النطاق ضد السكان المدنيين”.
وتُعتبر معاملة الحكومة السورية للمحتجزين أيضاً بمثابة مخالفة للدستور السوري، الذي يحظر التعذيب ويوفّر ضمانات المحاكمة العادلة ويحرّم الاعتقال التعسفي. وقد تكرّر إخفاق مؤسسات الدولة في التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في المعتقلات التي تديرها الدولة. وعلى نفس المنوال، فقد فشل نظام العدالة الجنائية السوري بشكل منهجي في حماية معايير حقوق الإنسان — بدءاً من الحرمان المستمر من المثول أمام القضاء إلى إصدار أحكام الإعدام دون محاكمة عادلة إلى التفسير الفضفاض للأحكام الجنائية لحرمان المواطنين من حقوقهم وحرياتهم.
- على الرغم من حدوث الانتهاكات سراً، إلا أن هناك أعداداً كبيرة من الضحايا:
خلافاً للبراميل المتفجرة وعمليات قطع الرؤوس علانيةً على رؤوس الأشهاد التي يتم تصويرها ونشرها على الإنترنت، فإن الوفيات في الحجز تحدث سراً. وعلى الرغم من أن هذه الانتهاكات ليست مرئية مثل أنواع أخرى من الانتهاكات، فقد كان لها تأثير مدمّر على المجتمع السوري، حيث فقد كثير من الناس أحباءهم ولا يتوفّر سوى نذر يسير من المعلومات أو لا تتوفر معلومات على الإطلاق بشأن مصيرهم الأمر الذي قد يساعد على حسم القضية بشأن مصيرهم. وفي معظم الحالات، لا تبيّن الحكومة سبب الوفاة ولا توفّر وثائق أو إمكانية الوصول إلى الرفات أو معلومات إلى أقارب الضحايا. وفي الحالات التي يتم فيها تزويد أقارب المتوفى بشهادة وفاة، يتم ذكر سبب الوفاة عادة على أنه “نوبة قلبية”. وبسبب السرية التي تكتنف العديد من هذه الوفيات، لم يكن هناك سوى القدر القليل من الإشارة الدولية أو السياسية أو انعدامها بشأن هذه المسألة.
- هناك حاجة لتحرك دولي ومساءلة:
أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2191 لعام 2014 الذي طالب بوضع حد لجميع ممارسات عمليات الإعدام والقتل خارج نطاق القضاء والتعذيب والاختفاء القسري، وغيرها من انتهاكات القانون الدولي من جانب جميع الأطراف المشاركة في النزاع السوري. وحتى الآن، لم يتّخذ أيّ طرف تدابير كافية لاحترام هذا القرار أو تنفيذه. وعلاوة على ذلك، عمدت الحكومة السورية باستمرار إلى حرمان المنظمات واللجان الدولية من إمكانية الوصول غير المقيد إلى أراضيها. وهناك حاجة إلى الوصول الفوري إلى جميع مرافق الاحتجاز والاعتقال ليتمكّن المراقبون الدوليون من رصد وتسجيل انتهاكات حقوق الإنسان. وقد ساعد المركز السوري للعدالة والمساءلة مؤخراً في صياغة بيان يناصر من أجل هذه الآلية وغيرها من آليات العدالة الانتقالية الأخرى في سوريا.
ويؤكد تقرير مجلس حقوق الإنسان أيضاً أن “المساءلة عن هذه الجرائم وغيرها يجب أن تشكّل جزءاً من أي حل سياسي”. وتتطلّب المساءلة توثيقاً عالي الجودة يمكن أن يؤكّد صحّة المعلومات التي سبق وأن جمعتها الأمم المتحدة. ويمكن أيضاً أن يضيف إلى عدد المعتقلين السابقين الذين تمت مقابلتهم. وبالإضافة إلى تحديد الجهة االمسؤولة، يمكن استخدام التوثيق الصحيح للإقرار وتوفير سبل الانتصاف للأفراد الذين اعتُقلوا بشكلٍ تعسفي وتعرضوا للتعذيب.
ومن خلال جهود التوثيق التي يبذلها في سوريا والدول المجاورة، يلتزم المركز السوري للعدالة والمساءلة بإجراء مقابلات مع ضحايا التعذيب ومعتقلين سابقين وفقاً لمبدأ ’لا ضرر ولا ضرار‘، ولكن العدد الكبير من حالات الانتهاكات يتطلب جهود العديد من الأفراد والمجموعات الذين يعملون معاً لفضح هذه الفظائع. وسوف يستمر المركز السوري للعدالة والمساءلة في المساعدة في تزويد المدافعين عن حقوق الإنسان بالموارد والمشورة بشأن الممارسات الفُضلى في التوثيق لضمان أن انتهاكات حقوق الإنسان موثّقة بشكل شامل والحفاظ على هذا التوثيق بحيث يمكن استخدامه في الجهود المبذولة لتحقيق العدالة الانتقالية وبناء السلام.
لمزيد من المعلومات وتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إرسال بريد إلكتروني إلى المركز السوري للعدالة والمساءلة على العنوان التالي [email protected]