لوحة كفرنبل تثير مخاوفاً بشأن مستقبل تخليد الذكرى
جدارية كفرنبل- الصورة لـ رائد فارس
قام الناشط السوري البارز رائد فارس بمشاركة صور من جدارية فسيفساء تم إكمال العمل بها مؤخراً وتصوّر التسلسل الزمني للثورة السورية. وتقع جدارية الفسيفساء في كفرنبل، وهي بلدة في محافظة إدلب السورية تشتهر باللافتات واليافطات التي يرفعها سكان البلدة إظهاراً لسخريتهم من نظام الأسد وتعبيراً عن سخطهم من خذلان العالم لهم حيث لم يتم اتخاذ إجراءات إضافية لوقف القتال في سوريا. وتمثّل هذه اللوحة، التي تمتد على طول 24 متراً وتتألف من أكثر من مليون قطعة حجرية، تتبّعاً للوضع السوري بدءاً من المظاهرات السلمية في عام 2011 وحتى يومنا هذا، وتضم صوراً لقادة بارزين في المعارضة والمجتمع المدني. وضع صانعو اللوحة كذلك صورة لمموّل المشروع، غسان عبود، وهو رجل أعمال سوري ومالك تلفزيون أورينت ومؤسسة أورينت، والذي كان قد كتب عدة مقالات تهاجم الأقليات في سوريا واستخدم مؤسسته الإعلامية كمنبر لتشجيع وجهات نظر مشابهة، بالإضافة إلى صورة فيصل القاسم، السوري ومقدّم برنامج حواري مثير للجدل على قناة الجزيرة والذي اتُهم بإثارة النزعة الطائفية.
صورة كل من غسان عبود (يمين) وفيصل القاسم على جدارية كفرنبل
وعقب نشر هذه الصور، خرج العديد من السوريين على وسائل الإعلام الاجتماعي للتعبير عن اعتراضهم على شمول صور السيدان عبود والقاسم في الجدارية. وزعم كثيرون على وجه الخصوص أنه قد تم شمول صورة السيد عبود فقط لأنه مموّل المشروع. وبالفعل، يبدو أن الناشط رائد فارس أقرّ بذلك في إجابته على واحد من التعليقات العديدة على صفحة الفيسبوك الخاصة به.
تعليق رائد فارس على سبب إدراج صورة السيد عبود في الجدارية
في حين أن المركز السوري للعدالة والمساءلة ليس في موقع يخوّله بالتعليق على من ينبغي أو لا ينبغي أن توضع صورته في اللوحة الجدارية، إلا أن هذه الواقعة تشير إلى أفق مثير للقلق: ألا وهو استخدام المال والسلطة للتأثير على عملية تخليد الذكرى. ولكونه أحد المبادئ الأساسية للعدالة الانتقالية، يرتبط تخليد الذكرى (من قبيل إنشاء المتاحف والنصب التذكارية وغيرها من المبادرات الرمزية) بفكرة إحياء ذكرى الضحايا وفي الوقت نفسه ضمان الاعتراف العلني بالجرائم السابقة. وتتمتّع مبادرات كهذه بالقدرة على المساهمة في إنشاء سجل تاريخي والحيلولة دون تكرار الانتهاكات. ويمكن لتخليد الذكرى أيضاً أن يتسبب في الانقسام ويؤدي إلى زيادة التوترات الطائفية، لاسيما حيث توجد روايات متناقضة.
في حالات كهذه، من الشائع أن تهيمن النخب السياسية على عملية تخليد الذكرى للترويج لروايتها التاريخية. وبالفعل، تقول المقررة الخاصة للأمم المتحدة في مجال الحقوق الثقافية فريدة شهيد “وفي إطار عمليات تخليد الذكرى، قد تستخدم بعض الجهات الفاعلة ساحة معترك الذاكرة لتعزيز مخططاتها السياسية، فتفرض تعاريف للجناة والأبطال، وتنشئ فئات للضحايا”.
ولكون هذا العمل هو أول جهود تخليد الذكرى منذ انطلاقة التظاهرات، يشعر المركز السوري للعدالة والمساءلة بالقلق من أن ذلك قد يشكّل سابقة في هذا الإطار. يتطلب الأمر وقتاً لصياغة رمز دقيق للنزاع، ومن شأن الرموز التمثيلية العشوائية التي لا يشارك فيها المجتمع بعمومه أن تشوّه الذاكرة على المدى الطويل.
تؤكد هذه الخطورة على أهمية جهود التوثيق التي يقوم بها المركز السوري. فمن خلال جمع وثائق انتهاكات حقوق الإنسان والحفاظ عليها، سيعمل المركز السوري على تسهيل رواية قصص الضحايا في عمليات المساءلة وتخليد الذكرى، وأيضاً ليتم تذكرها من قبل جميع السوريين والمؤرخين، مما يمكّن السوريين من مقاومة أي محاولات للتأثير في التاريخ أو إعادة كتابته.
لمزيد من المعلومات ولتقديم الآراء وردود الأفعال، يرجى إرسال بريد إلكتروني إلى المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]