نقل السكان: الطريق الخاطئ نحو السلام
مشروع جشوا لانديز لتقسيم سوريا كما عرضه على السي أن أن
في 12 آب/أغسطس، ساعدت إيران وتركيا في التوسط في اتفاق وقف إطلاق نار مؤقت بين حزب الله وحركة أحرار الشام مما أدى إلى وقف القتال في ثلاث بلدات في سوريا. وسمح اتفاق وقف إطلاق النار بوصول المساعدات الإنسانية إلى هذه المناطق المحاصرة وسمح للجرحى أو المرضى بالمغادرة والحصول على الرعاية. غير أن المفاوضات تعثّرت وانهار اتفاق وقف إطلاق النار بعد ثلاثة أيام من إبرامه. وألقى كل طرف باللوم على الطرف الآخر لتقديمه مطالب غير معقولة. وفي تقارير لم يتم التأكد من صحتها صدرت عن أحرار الشام، طالبت إيران وحزب الله بعمليات نقل السكان المدنيين يتم بموجبها إخراج السكان السُّنة من الزبداني وإخراج السكان الشيعة من بلدتي الفوعة وكفريا في محافظة إدلب. وقد أجّجت هذه المطالبات المخاوف القائمة أصلاً من أن القوى الإقليمية تسعى إلى تقسيم سوريا على أسس طائفية كبديل لتحقيق نصر عسكري صريح.
الجدير بالذكر أن إعادة رسم الحدود السورية ليس مقترحاً جديداً. فقد طرح خبراء في الشؤون السورية ووكالات أنباء هذه الفكرة على مدار السنة الماضية كحل للحد من توسّع تنظيم داعش. وبالنظر إلى الطبيعة الطائفية التي آليت إليها المعارك في سوريا، فإن الحلول المقترحة على الأغلب تقسّم البلد على غرار ما حدث في العراق بحيث يحصل كل من العلويين والشيعة والسنة والأكراد على المناطق الخاصة بهم. ولكن المشكلة هي أن هؤلاء السكان لا يعيشون في مناطق منفصلة في سوريا. حيث تتضمن العديد من المدن السورية مزيجاً من السنة والعلويين والشيعة والمسيحيين والدروز والأكراد وأقليات أخرى. وبالتالي، فإن تقسيم سوريا إلى دويلات طائفية وعرقية يستلزم ترحيلاً جماعياً للسكان من أجل أن تتناسب التركيبة السكانية للبلد مع هذا الحل الذي يقسّم البلد إلى أقسام متماثلة.
يمنع القانون الدولي منعاً باتاً أي نقل قسري للسكان، وعادة ما يُعتبر ذلك مساوياً للتطهير العرقي. ويعتبر نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية “النقل القسري للسكان” جريمة ضد الإنسانية، وقد أدانت المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة القادة العسكريين لاقترافهم عمليات إبعاد قسري وقعت خلال النزاع في يوغسلافيا السابقة. ولتجنّب مخالفة القانون الدولي، يجب على أي تسوية متفاوض عليها أن تمنح السكان المحليين خيار البقاء أو الانتقال إلى مناطق معينة جديدة أو الانتقال إلى موقع آخر من اختيارهم. ولكن في الواقع، غالباً ما يكون هذا “الخيار” خياراً وهمياً. وفقاً للجنة الفرعية للأمم المتحدة لمنع التمييز وحماية الأقليات، فإن الظروف المحيطة بالمعاهدات التي تدعو إلى نقل السكان عادة ما تخلق “ضغوطاً معنوية ونفسية واقتصادية قوية للانتقال”. وفي مناطق النزاع التي تغلب عليها الكراهية الطائفية أو العرقية على وجه الخصوص، قد يخشى السكان الذين يتم نقلهم البقاء واحتمالية مواجهة الاضطهاد بصفتهم أقلية عندما تستولي على منطقتهم المجموعة العرقية أو الطائفة الدينية التي قاتلت على الجانب الآخر من الحرب.
ونظراً للتوترات الحالية في سوريا، لا يوجد أي سيناريو يشير بتمتع السوريين بخيار بشأن مكان العيش إذا ما اتفق الأطراف على نقل السكان على أسس طائفية وعرقية كجزء من اتفاق وقف إطلاق النار. وستكون النتيجة مدمرة اقتصادياً وعلى الأغلب ستكون دموية لأولئك المعنيين. في يوغسلافيا السابقة، أدت أوامر نقل السكان إلى إشعال فتيل التوترات العرقية وشجّعت الصرب المحليين على القيام بالترحيل القسري لجيرانهم من الكروات والمسلمين من بيوتهم مما أدى إلى سفك الدماء والاغتصاب وتدمير المنازل والمساجد. ونظراً لاضطرارهم إلى الفرار، ترك كثير منهم كل ما كانوا يملكونه وراءهم، وحتى يومنا هذا ما زالت البوسنة تواجه مسألة التعويض عن الخسائر في الممتلكات.
لقد نزح أكثر من 6 ملايين ونصف سوري جرّاء الصراع. ومن شأن القرارات حول أين وكيف سيتم إعادة توطينهم بالإضافة إلى مؤشرات وقف إطلاق نار متفاوض عليه أن تؤدي إلى محاولة إعادة رسم الخريطة العرقية والطائفية لسوريا. وتبيّن التجارب من نزاعات سابقة أن نقل السكان على أسس عرقية ودينية قد يؤدي إلى زيادة مستويات العنف، وفي سوريا، من شأن خطة كهذه أن تخلق مصادر جديدة للتوتر. وينبغي على الأمم المتحدة والمجتمع الدولي أن يراقبوا هذه المسألة عن كثب، ويحرصوا على عدم موافقة مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا على نقل السكان من أجل تحقيق اتفاقات وقف إطلاق نار على المستوى المحلي أو تسويات على المستوى الوطني. وفي حين أن صفقة من هذا النوع قد تلقى رضا قادة إقليميين أو محليين، إلا أن السوريين سيعانون من عواقبها، وعلى الأرجح ستدفع الأقليات العرقية والدينية في كل دولة يتم تشكيلها حديثاً الثمن الأكبر.
لمزيد من المعلومات ولتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إرسال بريد إلكتروني إلى المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]