إجراءات اعتقال موحدة ينتهجها تنظيم داعش: وحشية منظمة، قدرة على التكيف مع ساحة المع
المعتقلون من قبل الدولة الإسلامية
على مدى الأشهر القليلة الماضية، عمل فريق التوثيق التابع للمركز السوري للعدالة والمساءلة في تركيا على توثيق مراكز الاعتقال التي يديرها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش). حيث قام الفريق بإجراء مقابلات مع أربعة معتقلين سابقين لدى تنظيم داعش وجمع معلومات حول ظروف الاعتقال وإجراءاته لدى التنظيم. وعلى الرغم من أن أسس الاعتقال لدى التنظيم تبدو للوهلة الأولى غير موحدة، يبدو أن ممارسات الاعتقال التي ينتهجها التنظيم قد تطورت لتصبح إجراءات موحدة ومعيارية. وقد قام المركز السوري للعدالة والمساءلة بتلخيص وتحليل العديد من الاتجاهات التي يمكن جمعها من تجارب الأشخاص الذين جرت مقابلتهم ومن الأوصاف التي قدّموها لما كابدوه أو أبلغ عنه معتقلون آخرون.
طريقة الاعتقال
وفقاً للأشخاص الذين جرت مقابلتهم، عادة يقوم تنظيم داعش باحتجاز السجناء بشكل جماعي. حيث يقوم قرابة 50 من مقاتلي التنظيم في وقت واحد بتجميع المعتقلين في أعداد كبيرة وهم معصوبي الأعين وأيديهم مقيدة خلف ظهورهم. وقال الأشخاص الذين تمت مقابلتهم إنه قد جرى نقلهم من قبل مقاتلي التنظيم في موكب مؤلف من 11 إلى 15 شاحنة نقل تحمل شعار التنظيم. ومن بين المعتقلين السابقين الذين قابلهم المركز، تعرّف ثلاثة منهم على آسريهم على أنهم رجال وجوههم مألوفة من نفس مسقط رأسهم، حتى أن بعضهم كانوا جيراناً مجاورين لهم تماماً. وبعد الاعتقالات الجماعية، يأخذ مقاتلو التنظيم المعتقلين إلى مدارس محلية حوّلها التنظيم إلى معتقلات مؤقتة. وبمجرّد أن تقوم جميع فِرَق الاعتقال بتجميع المعتقلين في المدرسة، يعملوا بعد ذلك على نقل المعتقلين إلى أماكن معزولة، كأن تكون بيوت المزارع في مناطق ريفية، وهي عملية يمكن أن تستغرق عدة أيام. وإذا كانت المواقع التي يقع عليها الاختيار مأهولة بالسكان، يقوم رجال التنظيم بإخلاء السكان بالقوة لإفساح المجال لإيواء معتقلي التنظيم. وخلال هذا الوقت، لا يحصل المعتقلون على أي بيان حول أسباب اعتقالهم.
لدى الوصول إلى مراكز الاعتقال
إن بيوت المزارع التي جرى تحويلها تُستخدم بمثابة مواقع استجواب. لدى وصول المعتقلين، يتم استقبالهم كمجموعة من قبل رجلين، سوري وعراقي. حيث يقوم السوري بجمع مقتنيات السجناء ومصادرة أية أسلحة. أما العراقي فهو مسؤول عن جلسات الاستجواب الأولية التي يتم إجراؤها بينما لا يزال المعتقلون في مجموعة لتحديد تهمة ومصير كل معتقل. وروى أحد الأشخاص الذين جرت مقابلتهم وقوع صراع على السلطة تضمن محاولة السوري استجواب المعتقلين ولكن العراقي قام بصدّ تجاوزه للسلطة.
بعد الاستجواب، يقوم الحراس بفصل المعتقلين إلى مجموعتين صغيرتين. تتكون المجموعة الأولى من معتقلين متهمين بارتكاب جرائم بسيطة، مثل العمل مع منظمات إغاثية غير حكومية أو التدخين، وفي بعض الحالات لا تكون هناك أي تهمة على الإطلاق. ويبقى هؤلاء المعتقلين في سوريا وعادة ما يتم إطلاق سراحهم في غضون فترة قصيرة من الزمن. وتتكون المجموعة الثانية من المعتقلين المتهمين بارتكاب جرائم كبرى، كأن يكونوا أعضاء في الجيش السوري الحر أو على علاقة مع مجموعات إعلامية غير تابعة لتنظيم داعش. ويتم نقل المتهمين بارتكاب جرائم كبرى بحذر (من أجل تجنّب اكتشافهم وتجنب ضربات التحالف الجوية) إلى العراق ليتم احتجازهم لفترات طويلة.
ظروف الاعتقال
لكل معتقل متهم بجريمة بسيطة، يقوم تنظيم داعش بفتح ملف يتضمن الاسم الأول للمعتقل واللقب والمهنة وتاريخ الميلاد وصورة شخصية للاحتفاظ بسجل في حال تم إلقاء القبض على المعتقل مرة أخرى في المستقبل. وفي هذه الأثناء، يقوم حراس التنظيم بنقل المعتقلين المتهمين بارتكاب جرائم كبرى في قافلة من السيارات إلى العراق، ويبدلون سائقي السيارات بالتناوب على طول الطريق. وفي نهاية الرحلة، يودع المعتقلون في سجون في بلدة القائم التي تخضع لسيطرة التنظيم حيث يحتفظ التنظيم بعدد كبير من المخابئ لتجنّب الضربات الجوية للتحالف. ووصف أحد الأشخاص الذين جرت مقابلتهم السجون العراقية بأنها عربات متنقلة “كرافانات” يتم نقلها بانتظام للحيلولة دون اكتشافها. ويتكون كل “كرافان” من ثلاثة زنازين تبلغ مساحتها ثمانية أمتار مربعة ويوجد في كل زنزانة من 10 إلى 20 سجيناً. وخلال الضربات الجوية، يتم نقل المعتقلين إلى مرافق أخرى لم يتم اكتشافها بعد من قبل قوات التحالف حيث يتم احتجاز مزيد من السجناء في كل زنزانة.
وأخبر المعتقلون السابقون المتهمون بجرائم بسيطة المركز السوري للعدالة والمساءلة بأنهم كانوا يحصلون على وجبتي طعام كل يوم. ولكن الماء كان شحيحاً ولم يُسمح لهم بالاستحمام. حتى أن تنظيم داعش قيّد الوضوء للصلاة بمرتين في اليوم فقط. وكان لدى السجناء المتهمين بارتكاب جرائم كبرى وصولاً محدوداً أكثر للغذاء والماء، حيث لم يحصلوا سوى على حصة واحدة فقط من الطعام كل يوم. وأخبر شخص متهم بجريمة كبرى المركز بأن حرّاس التنظيم رفضوا تقديم الماء له عند موعد الإفطار خلال شهر رمضان , بل وكان الحراس يشربون الماء أمامه. وقال الأشخاص الذين جرت مقابلتهم إنه في بعض الحالات كان شح مياه الشرب يُستخدم كآلية للتعذيب.
التعذيب والعقاب
بعد الاستجواب الأولي للمجموعة، يخضع المعتقلون لجلسات استجواب فردية، غالباً ما تشمل التعذيب. وذكر كل شخص جرت مقابلته اسم أبو أنس، وهو شخصية مهمة في التنظيم يقوم بزيارة السجناء قبل إطلاق سراحهم. وأبو أنس هو مواطن عراقي وأمير “ولاية الخير” التي تقع بين دير الزور في سوريا وأجزاء من العراق. ووفقاً للأشخاص الذين جرت مقابلتهم، فإن أبو أنس عريض البنية ومتجهم الوقفة وغليظ الهيئة. ويسأل المعتقلين عن الجرائم التي يُزعم أنهم ارتكبوها ويشرف على تعذيبهم، ويقوم أحياناً بنفسه بضرب أي معتقل متهم بارتكاب جريمة “لا تعجبه”. ويُوقِع أسوأ أشكال العقاب بالصحفيين وأعضاء الجيش السوري الحر وجبهة النصرة. وذكر الأشخاص الذين جرت مقابلتهم بأنهم سمعوا أبو أنس يأمر رجاله بقتل أو اعتقال أي عضو في الجيش السوري الحر يصادفونه. وفي المعتقل، ولا يُسمح بعلاج أعضاء الجيش الحر من المرضى أو المصابين حتى يغادر أبو أنس المكان.
يأخذ التعذيب تحت سلطة داعش أشكالاً عديدة. وفقاً للأشخاص الذين جرت مقابلتهم، يُدعى تكتيك التعذيب الرئيسي للتنظيم “عقدة العقرب” حيث يتم لوي الذراعين حتى تُخلعان من عند الكتف، مما يسمح للحراس بتقييد الذراعين معاً خلف الظهر بسلسلة معدنية. وجرت العادة في أغلب الأوقات أن تُستخدم “عقدة العقرب” مع تكتيك إضافي. وإن التكتيك الأكثر شيوعاً، بعد تقييد ذراعي السجين، هو أن يعلّقه الحراس حتى لا تكاد رؤوس أصابعه تلمس الأرض. ثم يبدأ الحارس بضرب المعتقل حتى يبدأ في الاعتراف بجرائمه المزعومة. وبعد أن يطابق اعتراف المعتقل الاتهامات الموجهة إليه من قبل التنظيم، تُفكّ قيوده ويُعاد إلى الأرض ويكمل حارس التنظيم استجوابه. ويفقد الأشخاص الذين جرت مقابلتهم أي إحساس بأذرعهم حتى بعد الإفراج عنهم بسبب الآلام المبرحة التي تسبب فيها التعذيب.
نادراً ما يتم تعذيب السجناء المتهمين بجرائم بسيطة، مثل التدخين، ولكن يمكن أن يتعرضوا للإساءة اللفظية.
عملية إطلاق سراح المعتقلين
لم يذكر الأشخاص الذين قابلهم المركز السوري للعدالة والمساءلة وجود إجراء موحد للإفراج عن المعتقلين. غير أن معظم الذين جرت مقابلتهم ذكروا أنه قبل الإفراج عن السجناء يجب الحصول على موافقة من أمير التنظيم المسؤول عن تلك المنطقة. وأشار أحد الذين جرت مقابلتهم من المتهمين بجريمة كبرى بأنه قد تم إنزاله على قارعة الطريق في العراق دون أي مال واضطر لمعرفة طريق العودة إلى دياره في سوريا من تلقاء نفسه. وقال معتقل سابق إنه قد ألقي به من على ظهر شاحنة وهو مقيد ومعصوب العينين واضطر للانتظار إلى حين مرور شخص لفك قيوده.
في وسط حالة من الفوضى، يبدو أن تنظيم داعش ينفّذ عمليات اعتقال واحتجاز فعالة. وتعتبر حالات الاعتقال تعسفية من حيث الجوهر لأن المعتقلين يمكن أن يُحتجزوا دون سبب ويُعتبرون مذنبين بالتهم الموجهة إليهم. ولكن الأوصاف التي ذكرها الأشخاص الذين جرت مقابلتهم لتجارب الاعتقال تشير إلى أن التنظيم قد طور إجراءات منهجية أدت نسبياً إلى إضفاء صبغة موحدة على عملية الاعتقال نفسها. وأشار هؤلاء الأشخاص بشكل موحد إلى اعتقالات جماعية من قبل حشد كبير من عناصر التنظيم. وبالإضافة إلى ذلك فإن أوصاف عملية الاستجواب ومواقع مراكز الاعتقال وتقسيم الأدوار بين أعضاء التنظيم يشير إلى وجود نسق موحد في التخطيط والتنظيم. وعلى الرغم من تعرّض التنظيم للهجوم من عدة جبهات، فإن قدرته على التكيف تؤكدها إجراءات الاعتقال التي تستجيب للظروف المتغيرة في ساحة المعركة في حين تبقى تلك الإجراءات متّسقة داخلياً.
لمزيد من المعلومات ولتقديم الآراء وردود الأفعال، يرجى إرسال بريد إلكتروني إلى المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected].