إستعادة الممتلكات كأحد مكونات العدالة الانتقالية في سوريا
عضو من “تحالف الجبهة الجنوبية” يعلن عن إعادة الممتلكات للمدنيين الذين تم سلب بضائعهم ومركباتهم خلال الاستيلاء على مركز نصيب الحدودي بين سوريا والأردن (يوتيوب: 6 نيسان/ أبريل 2015)
في مطلع شهر نيسان/أبريل، سيطر تحالف الجبهة الجنوبية على مركز نصيب الحدودي وطرد منه القوات الحكومية في ما اعتُبر نصراً كبيراً للثوار. وبعد السيطرة على المركز الحدودي، قام الثوار وأنصارهم بنهب نقطة التفتيش ومتاجر السوق الحرة والشاحنات التي هجرها أصحابها أثناء عبورها نقطة الجمرك. وقام المتواجدون في المكان بتصوير ما حصل بالصور الفوتوغرافية والفيديو وهم يغادرن نقطة التفتيش ويحملون معهم كل شيء، من زيت الطهي إلى الثلاجات، وسرعان ما انتشرت أخبار السلب والنهب من خلال مواقع التواصل الاجتماعي. وأعقب ذلك حالة من الغضب في أوساط المجتمع المحلي في درعا المجاورة. غير أن السلب لم يكن حِكراً على الثوار. حيث تم توثيق عمليات نهب وتدمير لمنازل المدنيين في الأحياء السنية من قبل مجموعات الشبيحة (أحد الميليشيات الحكومية)، حيث كانت تُنقل السلع والبضائع المسروقة إلى المناطق ذي الغالبية العلوية وتُباع بثمن بخس في ما يسمى “سوق السنة”.
ويعتقد كل من الثوار والقوات التابعة للحكومة بأن أفعالهم مبررة لأن هذه السلع والبضائع التي يأخذونها هي غنائم حرب. وتعود جذور مبررات الثوار إلى تركة الفساد الحكومي، حيث استولت النخبة الحاكمة على أصول وموجودات الدولة السورية بصورة غير قانونية؛ وأما بالنسبة للقوات الحكومية العادية، فلولا القدرة على الإثراء من خلال النّهب والسّلب، لما كان هناك سوى حوافز قليلة للقتال في حرب معقّدة.
يعد سلب الممتلكات أمر شائع في النزاعات المسلحة، حيث يشعر كل جانب كما لو أنه يستحق تعويضاً لقاء المصاعب التي كابدها أنصاره. وحيث تتعطّل أنظمة العدالة وفي غياب المساءلة عن السلوك السيء، تستغل جماعات معينة مظالم المجتمع لتحقيق مكاسب مالية خاصة بها. ونادراً ما تقوم المجتمعات المحلية بمساءلة الجناة ونادراً ما يتغير السلوك. وفي حالة مركز نصيب الحدودي، على سبيل المثال، أدى توثيق عمليات النهب والسلب التي ارتكبها الثوار إلى خلق شعور بالمساءلة، ونتيجة لذلك، أصدر تحالف الجبهة الجنوبية بياناً يعد فيه بأنه سيعيد السلع والبضائع المسروقة لكل من يستطيع أن يثبت ملكيته لها. وبناء على ذلك، تم إعادة العديد من الشاحنات المسروقة. وفي المقابل، وعلى الرغم من عمليات التوثيق الكبيرة لـ “سوق السنة”، فلم يتّخذ النظام أو أنصاره أي خطوات محددة لإعادة الممتلكات أو وضع حد لهذه الممارسات المروّعة.
وبخلاف الأضرار الجسدية للتعذيب والقتل، لا يمكن معالجة الأضرار المادية التي لحقت بالممتلكات، كلياً أو جزئياً، بمساءلة الجناة من عبر الملاحقة القضائية. وكي يمضي المجتمع قدماً، يجب أن يتمكّن الناس من استرجاع منازلهم وممتلكاتهم أو أن يحصلوا على الأقل على موارد بديلة لبدء حياة جديدة.
وفي سوريا، حيث أدى القتال إلى دمار واسع النطاق للمنازل والمركبات والممتلكات المنزلية، لا يمكن أن تتم إعادة البناء الاجتماعي دون معالجة مسألة الملكية كجزء من عملية العدالة الانتقالية. غير أن تحقيق ذلك يمكن أن يشكّل تحدياً، وكلّما انقضى وقت أكثر بين الخسارة وبرامج التعويض، كلما زادت صعوبة التعرف على هوية الضحايا أو ورثتهم وحساب قيمة الأضرار.
وفي هذا المقام، يستطيع موثّقو حقوق الإنسان أن يلعبوا دوراً محورياً. حيث يستطيع الناشطون من خلال توثيقهم لسلب الممتلكات أن ينشئوا سجلاً للخسائر المادية ويساعدوا في تنفيذ البرامج التي تمكّن الضحايا من العودة إلى حياة كريمة. وستقتضي برامج استعادة الممتلكات وجبر الضرر الناشئة براعة وموارد كبيرة.
ففي البوسنة، حيث أدى الصراع إلى نزوح جماعي هائل لنصف السكان، عمل البوسنيون بشكل وثيق مع المجتمع الدولي لإنشاء مؤسسات متعددة أشرفت على عودة أكثر من مليون نازح إلى بيوتهم بحلول عام 2003. ويُعتبر الاختيار كذلك مكوناً مهماً للعملية، ولهذا يجب على آليات استعادة الملكية أن تقدّم الخيار للضحايا، إما العودة إلى ممتلكاتهم ما قبل النزاع أو البدء من جديد في مكان آخر. فمن شأن القدرة على الاختيار أن تعزز الإحساس بالكرامة الذي غالباً ما يُفقد عندما يضطر الضحايا إلى الفرار من منازلهم مع قليل من ممتلكاتهم.
ومع وجود أكثر من 12 مليون نازح في سوريا، تُعتبر التحديات هائلة. وعلى الرغم من ذلك، يجب تضمين استعادة الممتلكات وجبر الضرر في برنامج شامل للعدالة الانتقالية. لا شيء أقل من ذلك سيؤدي إلى التعافي من وقائع الصراع السوري.
لمزيد من المعلومات أو لتقديم الملاحظات والآراء، يرجى الاتصال مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected].