نشر صور ضحايا التعذيب على الإنترنت يهدّد سير العدالة وسلامة الشهود
المصور العسكري الذي انشق عن نظام الأسد والمعروف باسم “قيصر” (سترة زرقاء) يدلي بشهادته أمام الكونغرس الأميركي حول صور ضحايا التعذيب في سجون النظام والتي هربها قيصر إلى خارج سوريا (تموز/يوليو عام 2014).
بدأت “الجمعية السورية للمفقودين ومعتقلي الرأي” مؤخراً بنشر صور آلاف الضحايا السوريين الذين قُتلوا تحت التعذيب في مراكز الاعتقال التي يديرها النظام. وتُعتبر هذه الصور مجموعة فرعية من مجموعة صور “قيصر” التي حظيت بتغطية إعلامية واسعة والتي قام بتهريبها خارج سوريا في عام 2014 بعد انشقاقه عن نظام الأسد. ويتضمّن الموقع الإلكتروني للجمعية السورية للمفقودين ومعتقلي الرأي آلاف النسخ بجودة منخفضة لصور أصلية لأشخاص عُذّبوا حتى الموت. ويطلب الموقع الإلكتروني من زواره التعرّف على صور أصدقائهم وأفراد أسرهم. وعلى الرغم من أن الجمعية تهدف إلى التصدّي لمشكلة الأشخاص المفقودين وحالات الاختفاء القسري المتفشية في سوريا، إلّا أن الإجراءات التي تتّخذها الجمعية لها عواقب خطيرة للأفراد على جانبي النزاع.
يبقى التعرفُ على هوية الضحايا عنصراً مهماً في عملية العدالة الانتقالية والمساءلة، ولكن ينبغي أن يتم على نحو لا يشجع الإنتقام خارج نطاق القانون أو يلحق ضرراً باحتمال عقد محاكمات جنائية في المستقبل. على سبيل المثال، بُعيد ساعات من قيام موقع “زمان الوصل” السوري بنشر صور كاملة لقيام جنود النظام (تحذير: محتوى يتضمن مشاهد مروّعة) بالتخلّص من جثث ضحايا التعذيب، جاء الرد من قبل المستخدمين السوريين لوسائل الإعلام الاجتماعية الذين قاموا بإجراء بحث ونشر أسماء الجنود ورتبهم ومسقط رأسهم وعناوين سكنهم على الإنترنت. ومن خلال هذه الإجراءات المتّخذة، فإن كلاً من الجمعية السورية للمفقودين ومعتقلي الرأي وموقع زمان الوصل قد عرّضا الجنود، كمتهمين أو شهود أساسيين، لخطر مباشر، إما من معارضي النظام الذين قد يسعون للانتقام، أو من النظام نفسه. على سبيل المثال، يوجد لدى مسؤولي النظام اليوم حافز واضح لتهديد أو إعدام الجنود الذين تم الإعلان عن هويتهم بهدف القضاء على أي شهود محتملين لجرائمهم، مما يلحق ضرراً بالملاحقة القضائية وسير العدالة في المستقبل.
وتثير الإجراءات التي اتّخذتها الجمعية أيضاً مخاوف كبيرة متعلّقة بحقوق الضحايا. فقد لا ترغب الأسر في الكشف عن وفاة أقاربهم بهذه الطريقة، ومن خلال نشر الصور على الإنترنت، تكون الجمعية قد خرقت حق تلك الأسر في الخصوصية وعرّضت أمنهم للخطر. إذ قد يتعرض أقارب الضحايا للتهديد أو الاعتقال، أو ربما يُجبَرون على توقيع اعترافات كاذبة تفيد بأن أبنائهم كانوا “إرهابيين” وكان قتلهم مبرراً لقيامهم بأعمال متطرفة.
يقرّ المركز السوري للعدالة والمساءلة بأن التعرّف الدقيق على هوية الضحايا يمكن أن يساعد أقارب أولئك الذين قتلهم النظام بأن يحصلوا على إجابة قطعية للأسئلة التي كانت تدور في أذهانهم حول سلامة ذويهم، وفي الوقت نفسه سيكون بمثابة خطوة أولى لتحميل أولئك الذين ارتكبوا جرائم التعذيب وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان المسؤولية عن جرائمهم. ولكن ينبغي تنفيذ العديد من الإصلاحات الهامة في عملية التعرّف على الهوية من أجل التمكّن من تحقيق نتائج إيجابية وأخلاقية للعدالة الانتقالية.
وبناءً على ما سبق، فإن المركز السوري للعدالة والمساءلة يدعو الجمعية السورية للمفقودين ومعتقلي الرأي وجميع المواقع الإلكترونية التابعة لها إلى القيام فوراً بإزالة صور الضحايا والتوقّف عن تحريض مستخدمي الموقع على المشاركة في عملية التعرّف على هوية أولئك الضحايا. وبدلاً من ذلك، يجب على إحدى منظمات حقوق الإنسان أن تقوم بإنشاء آلية تتيح لأصدقاء وأسر الضحايا بأن يتعرّفوا سراً على هوية أحبائهم الذين قضوا تحت التعذيب دون استثارة انتقام من جانب الحكومة. ويمكن لهذه المنظمة كذلك أن تقدم النصح والمشورة لأسر الضحايا حول الخيارات المتاحة لهم في متابعة الطرق القانونية ضد منتهكي حقوق الإنسان من طرف النظام، بما في ذلك رفع دعاوى قضائية تطبق الولاية القضائية خارج حدود الدولة أو على المستوى العالمي في حال كان الأقارب يقيمون حالياً في أوروبا.
هذا الجانب من القضايا سيتم استكشافه بشكل مفصل في التقرير القادم للمركز السوري للعدالة والمساءلة الذي سيصدر بالتعاون مع المجموعة الدولية لحقوق الأقليات. مع وجود إجراءات السرية المناسبة وخدمات دعم أسر الضحايا، يمكن أن يكون التعرف على هوية الضحايا من خلال صور قيصر التي لا تقدّر بثمن آلية مهمة في عملية العدالة في سوريا.
لمزيد من المعلومات أو لتقديم الملاحظات والآراء، يرجى الاتصال مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected].