1 min read

خطوات السويد الأولى نحو العدالة تثير جدلاً في أوساط السوريين

التلفزيون السويدي يبث لقطات من فيديو التعذيب الذي تم نشره على الفايس بوك

في أواخر شهر شباط/فبراير الماضي، أصدرت محكمة سويدية حكماً بالسجن لمدة خمس سنوات على مهند الدروبي بسبب ارتكابه اعتداء “يشبه التعذيب” بحق أحد جنود النظام الذي وقع في الأسر عام 2012، حيث كان الدروبي أحد أفراد الجيش السوري الحر في ذلك الوقت، ولكنه يعيش في السويد منذ حصوله على حق اللجوء في عام 2013. تمثل هذه الحالة، التي تصادف الحادثة الأولى من نوعها لشخص سوري يحاكَم في الخارج لقاء جرائم ارتُكبت أثناء النزاع، خطوة أولى مهمة في عملية العدالة الانتقالية والمساءلة. غير أن هذه الإدانة أثارت جدلاً في أوساط معارضي نظام الأسد.

تستطيع المحاكم السويدية بموجب القانون السويدي أن تقاضي جرائم الحرب حتى إذا كان المتّهم قد ارتكب الجريمة خارج السويد. وفي مقطع الفيديو الخاص بالاعتداء الذي تم نشره على الفايس بوك، يظهر الدروبي وهو يضرب الضحية المصاب والمقيّد بسوط وهراوة بينما كان يهدّده بقطع لسانه. وقد وجدت محكمة سويدية أفعال الدروبي تشكّل إنتهاكاً لاتفاقيات جنيف التي تحظر “المعاملة القاسية والتعذيب”. وردّت المحكمة حجّة الدروبي التي تفيد بأن رؤساءه أجبروه على ارتكاب الاعتداء لإثبات ولائه للجيش السوري الحر، في إشارة إلى أنه “لم يكن لدى المحكمة أي شك في أن الدروبي شارك في هذا العنف بمحض إرادته”.

ويستحقّ جميع ضحايا العنف في سوريا الحصول على العدالة، سواء عانوا من سوء المعاملة على أيدي قوات النظام أو المعارضة أو المتطرفين. وفي ظلّ غياب خيارات العدالة الدولية أو المحلية، قد تقدّم المحاكم الوطنية الأجنبية بديلاً مرغوباً فيه لتحقيق العدالة لضحايا الجرائم الشنيعة مثل التعذيب. وبالنظر إلى الأمر من هذه الزاوية، تجدُر الإشادة بقيام السويد بسابقة تطبيق الولاية (الإختصاص) القضائية خارج حدود الدولة على النزاع السوري، على أمل أن تكون هذه أولى العديد من الملاحقات القضائية، سواء في السويد أو في أي مكان آخر.

غير أن المحاكم الوطنية الأجنبية محدودة قانونياً في قدرتها على مقاضاة أي شخص في العالم عن أي جريمة. كما تواجه صعوبة في الحصول على الأدلة والشهود الذين يقعون خارج أراضيها. وبالتالي، من المرجّح أن تتمكن المحاكم غير السورية من تحقيق العدالة ضد أفراد متواجدين ضمن أراضيها على أساس الأدلة التي يتيسّر لها جمعها. وبما أن العديد من السوريين الفارين من النزاع للعيش في الغرب هم من المناهضين للنظام، فمن المرجّح أن يستهدِف تطبيق الولاية القضائية خارج حدود الدولة في المحاكم الوطنية الأجنبية مقاتلين معارضين للنظام مثل الدروبي.

ويجب على دول مثل السويد أيضاً أن تكون على بيّنة بالتصورات السلبية التي قد تنتجها هذه المحاكمات في أوساط السوريين، الذين قد لا يكونون على دراية بالتعقيدات القانونية للولاية القضائية خارج حدود الدولة. إذ قد يُنظر إلى المحاكمات التي تُعقد فقط لمنتهكين منحازين ضد الأسد على أنها دعم للفرضية القائلة بأن الغرب لم يعد يهتم بتحقيق العدالة ضد الفظائع التي يرتكبها نظام الأسد، لاسيما أنه من المعروف بأن هناك جناة موالين للأسد يقيمون بشكل قانوني في دول غربية. وبالفعل، فقد انتقد السوريون بقوة محاكمة الدروبي، على الرغم من وجود دليل واضح بأنه شارك في التعذيب. وفي حال تجاهلت المحاكم الوطنية الأجنبية هذه التصورات، فسيؤدي ذلك إلى تنامي مشاعر الغضب والإحباط في أوساط الأطراف المناهضة للنظام، مما يزيد من تكريس النتيجة التي أفضى إليها التقرير الصادر عن المركز السوري للعدالة والمساءلة والتي تفيد باتساع هوة الانقسام المجتمعي مع إمتداد أمد النزاع.

ومن أجل التخفيف من هذه الآثار الوخيمة المحتملة، لربما ترغب الدول الأجنبية التي تقوم بإجراء هذه المحاكمات بأن تؤكد علناً التزامها بالمساءلة من خلال الملاحقات القضائية الوطنية ومراقبة الهجرة لأشخاص من جميع الجوانب المتورطة في النزاع. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن للمحاكم الوطنية الأجنبية أن تتعامل مع السوريين مباشرة باللغة العربية فيما يتعلق بالمحاكمات الجارية. ويمكن لهذه البيانات المنتظمة أن تتضمن تحديثات باللغة العربية حول إجراءات المحاكمة وكذلك الغاية من المحاكمة والقصد من ملاحقة مشتبه به معيّن. وفي حين أن جهود التوعية والتواصل قد لا ترضي الجميع، إلا أنها ستساعد السوريين في التواصل مع عملية العدالة وفهم السبب وراء اتخاذ قرارات معينة.

وعلى نفس الصعيد، يجب أن يكون لدى السوريين توقّعات واقعية لما هو ممكن قبل نهاية النزاع، وأن يقبلوا بأن أي مرتكب لجرائم الحرب- سواء كان موالياً أو مناهضاً للنظام- ينبغي أن يخضع لعقوبة جنائية. وبدلاً من تحدّي الملاحقة القضائية خارج الحدود كما في حالة السويد، يستطيع السوريون أن يناصروا علانية من أجل مزيد من المحاكمات ضد الجناة من الموالين للأسد. وبالإضافة إلى هذا، يستطيع السوريون أن يتعرّفوا على طرق يتمكنون من خلالها بالمساهمة في جعل هذه المحاكمات ممكنة، مثل توثيق الانتهاكات وتبليغها إلى المنظمات والسلطات المعنية.

ومن خلال المحاكمات الإضافية ومشاركة الجمهور المنتظمة، تستطيع المحاكم الوطنية الأجنبية أن تحاسب أولئك المسؤولين عن ارتكاب جرائم خطيرة وتساهم في عملية العدالة الانتقالية الوليدة في سوريا.

يستكشف التقرير القادم الصادر عن المركز السوري للعدالة والمساءلة الذي يعدّه المركز بالتعاون مع “مجموعة حقوق الأقليات” الخيارات المحتملة لتحقيق العدالة للسوريين قبل نهاية النزاع بالإضافة إلى الجدوى من كل خيار والآثار المترتبة عليه. وبالإضافة إلى الحاجة إلى توعية الجمهور، يقدّم التقرير اقتراحات أخرى للمجتمع الدولي ستكون ذات صلة للسويد والولايات القضائية الوطنية الأجنبية الأخرى التي تسعى لمحاكمة جرائم الحرب في سوريا.

نرجو أن تترقّبوا التقرير الذي سيصدر بعنوان “خطوة نحو العدالة: خيارات المساءلة الحالية بموجب القانون الدولي للجرائم المرتكبة في سوريا”.

لمزيد من المعلومات أو لتقديم الملاحظات والآراء، يرجى الاتصال مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected].