محنة المعتقلين في سوريا تشكل عقبات كبيرة للمرحلة الإنتقالية
مع إقتراب الأزمة السورية دخول عامها الخامس، يقبع مئات الآلاف ممن تم إعتقالهم على خلفية مجموعة متنوعة من التهم الشكلية داخل سجون النظام، لا يحصلون على أي إجراءات قانونية، ويحرمون من حقوق الإنسان الأساسية. توثّق مجموعة كبيرة من الأدلة، بما في ذلك آلاف الصور التي تم الحصول عليها ونشرها من قبل مصور عسكري تابع للنظام (قيصر)، حملة إنتهاكات وتعذيب ممنهج، إضافة إلى الإعدامات التي قام بها النظام ضد المعتقلين.
الإعتقال التعسفي، إضافة إلى أساليب الخطف مقابل تبادل المعتقلين أو الأسرى التي تستخدمها جماعات المعارضة، تثير مخاوف كبيرة حول الأوضاع الراهنة للسجون وحول كيفية دمج آليات المساءلة عن التعذيب والخطف، والحرمان من حقوق السجين في مبادرات العدالة الانتقالية المقبلة. ويظهر الإضراب عن الطعام لمدة أسبوع والتظاهر السلمي الذي نظم مؤخرا من قبل السجناء في سجن حمص المركزي، والذي شهد بعضاً من أسوأ الإنتهاكات وأعمال العنف التي ارتكبتها الحكومة السورية، حجم المأساة التي يعاني منها المعتقلون السوريين، سواء أكانو معتقلين سياسيين أو جنائيين، في مرافق الاحتجاز المنتشرة في جميع أنحاء البلاد. بينما يتفق المراقبون الدوليون أنه يجب على نظام الأسد احترام التزاماته بموجب القانون الدولي لمعاملة السجناء بطريقة عادلة وإنسانية، ينبغي أيضاً أن تلزم جماعات المعارضة بمعايير مماثلة لمعاملة المحتجزين.
(سجناء مضربون عن الطعام في سجن حمص المركزي، كانون الأول 2014)
وفقا لناشطين على الأرض، كانت الغالبية العظمى من المشاركين في الإضراب عن الطعام في سجن حمص المركزي، شأنهم شأن آلاف المعتقلين في أماكن أخرى في سوريا، معتقلون “بشكل تعسفي” أو لمجرد المشاركة في أول احتجاجات سلمية ضد حكم الأسد في أوائل عام 2011. مطالبين بحقهم في العدالة بطريقة علنية، دعا السجناء المضربون عن الطعام في حمص الحكومة السورية إلى وقف استخدامها للتعذيب وغيره من أساليب الاستجواب القاسية؛ تحسين الغذاء والنظافة والخدمات الطبية؛ البت بقضايا السجناء خلال وقت مناسب؛ إضافة إلى وضع مسألة تبادل الأسرى على جدول أي مفاوضات مستقبلية بين النظام والمعارضة، بدءاً من المحادثات المقبلة في موسكو. أساليب “الخطف لتبادل السجناء” التي تستخدمها جماعات المعارضة ضارة بالمثل أيضاً بآليات العدالة الانتقالية، لكنها تستجلب غضباً شعبياً أقل من انتهاكات النظام واسعة النطاق لحقوق السجناء.
في الآونة الأخيرة، سعت جماعات المعارضة المسلحة لتكرار عمليات تبادل أسرى ناجحة سابقة (مثل نجاح لواء البراء، الذي اتخذ 48 رهينة من الإيرانيين وبادل هؤلاء مقابل أكثر من ألفي سجين سوري مدني عام 2013، وأيضاً جبهة النصرة التي نجحت في مبادلة راهبات سوريات من مدينة معلولا كانت قد اختطفتهم مقابل أكثر من 150 معتقلة سورية من خلال قنوات خلفية لبنانية في آذار/مارس 2014)، من خلال عرض مقاطع فيديو للمعتقلين يطالبون بالتبادل، وأيضاً عبر تصوير عمليات إعدام سجناء للضعط على الحكومة السورية وعائلات السجناء لإتمام هذا التبادل.
في حين أن هذا النوع من تبادل الأسرى قد يسمح بإطلاق سراح بعض السجناء من كلا الجانبين، إلا أنه يقتصر على عدد قليل من السجناء، ويشجع عمليات الخطف بهدف التبادل، ولكن، أكثر أهمية، أنه لا يعمل على خدمة مصالح العدالة في المستقبل، الأمر الذي يتطلب حلاً وطنياً لمشكلة السجناء وإصلاح مؤسسي خالٍ من مظاهر الانتقام. مع مئات الآلاف من الاعتقالات التي قام بها النظام منذ بداية الأزمة السورية، يجب تضمين حقوق السجناء في أي مفاوضات محلية أو وطنية، وكذلك في إطار عمليات العدالة الانتقالية المقبلة. ومع ذلك، فإن تحسين الظروف الغير إنسانية للسجناء، وإنهاء الخطف بغرض تبادل الأسرى لا يمكن أن تنتظر لما بعد التوصل إلى تسوية. يجب إيقاف المعاملة اللاإنسانية للسجناء من كلا الجانبين على الفور، وينبغي تحقيق مطالب السجناء، كتلك التي رفعها سجناء سجن حمص المركزي، قبل الوصول إلى حل للنزاع.