1 min read

الطريق إلى العمل، رحلة إلى الموت!

شرح طريقة التعذيب بمسننات الدراجة الهوائية، صورة تخيلية
صورة من مركز توثيق الانتهاكات في سوريا

يعمل المركز السوري للعدالة والمساءلة على جمع بيانات وتوثيق حالات من مصادر مختلفة تخص عمليات اعتقال وخطف لمواطنين سوريين وكان الغرض النهائي منها هو الحصول على المال.

ضمن هذا السياق، يهتم المركز بتسليط الضوء على بعض هذه الحالات كنماذج وقعت في إطار عمل ممنهج (حكومي أو من قبل المجموعات المسلحة). وذلك في محاولة لتقديم صورة واضحة للقراء عن عمل المركز في هذا الإطار، كما لتشجيع الضحايا في المقام الأول على الإدلاء بشهاداتهم وعرض حالات أخرى، لما لذلك من أهمية في أي عملية مستقبلية للعدالة والمساءلة في سوريا.

الشهادة أدناه لمعتقل سابق في فروع المخابرات السورية. كان تم اختطافه من قبل أحد الحواجز التابعة للحكومة السورية عند مدينة القطيفة. يتحدث المعتقل عن طريقة اختطافه ثم تعذيبه بوسائل مختلفة. وعن مشاهداته خلال فترة الاعتقال. ثم عن طريقة الافراج عنه.

يبلغ أ.ت من العمر 26 عاماً. يحمل الجنسية السورية ويعمل في لبنان. كان متجهاً إلى دمشق في طريقه إلي بيروت عندما تم اعتراض الحافلة التي كان يستقلها وإخراجه منها واصطحابه من قبل عناصر حاجز أمني عند مدينة القطيفة في ريف دمشق. يقول أ.ت عن ذلك: “أوقفوا الحافلة وأخذوا هويات الركاب وبعد نصف ساعة طلبوا مني النزول من الحافلة. ثم أخذوا مني حاجياتي وأجبروني على وضع بصمتي على ورقة لا أعرف محتواها سوى أني قرأت في أعلى الصفحة كلمة (إرهابي)”.

تم نقل أ.ت إلى سجن حمص ثم تم تحويله إلى مطار المزة. يقول عن تلك الفترة:

“سألوني عن أخوتي وأبي والمسلحين وعلاقتي بهم. وكنت أجيب أن لا علاقة لي لأنني أعمل في لبنان ولا أعرف ماذا يجري في سوريا. وبعد أن تم تعذيبي بالجلد بالكبال كهربائية قلت لهم أن أخوتي وأبي مسلحون. ثم أدخلوني إلى غرفة قدرت أبعادها بحوالي 3×3 م وكان فيها أربع معتقلين. وكانوا يعيدون التحقيق معي مرتين أو ثلاث يومياً بنفس الزخم من التعذيب وفي كل مرة يعيدوني إلى غرفة مختلفة فيها معتقلين مختلفين بعد كل جلسة تحقيق. بقيت على هذه الحال 4 أيام. ثم نقلوني بعدها إلى فرع المنطقة في المزة”.

يعد فرع المنطقة في المزة في دمشق أحد أكثر الأماكن التي يتعرض فيها المعتقلون للتعذيب في سوريا. وقد اشتهر هذا المكان بكثرة الجثث التي تخرج منه يومياً. يقول أ.ت عن فترة اعتقاله هناك: “وضعوني في غرفة قدرت أبعادها بحوالي 4×5 م وقد تكدس فيها حوالي 100 معتقل كلهم عراة تماماً. كان عناصر الأمن يضربون المعتقلين هناك بالخراطيم والعصي متعمدين اصابة الرأس. وكان بين المعتقلين أطفال تتراوح أعمارهم بين 12-13 عاماً. وكثير من كبار السن تترواح أعمارهم بين 60-70 عاماً.”

عن تفشي الأمراض بين المعتقلين يقول أ.ت: “في فرع المنطقة في المزة أصابنا داء غريب كانت أعراضه عبارة عن بثور وحبوب تظهر في الجلد وتحفر حتى العظم ثم ينز القيح من تلك الحبوب. وبعد 10- 15 يوماً يموت المصاب” … ” كان هناك معتقلين مضى على وجودهم هناك أكثر من سنتين. وكان يحصل أن تتراكم بيننا عدة جثث لمعتقلين لعدة أيام دون أن يقوم العناصر بإخراجها من بيننا. بل كانوا ينتظرون حتى يصبح العدد 10 جثث أو أكثر ليخرجوهم دفعة واحدة”.

يقول أ.ت عن التعذيب في فرع المنطقة في المزة: “حققوا معي هناك وكانوا يملون علي تحت التعذيب ما يجب أن أعترف به. كانوا يصعقونني بالكهرباء ويضربوني بالعصي ويستخدمون أدوات تعذيب لا أعرف أسماءها. كانوا يربطون يدي إلى الخلف ثم يأتون بكرسي ويقلبوني ويضعوه بين يدي وجسدي ثم يقلبوني حتى يصبح رأسي إلى أسفل ويصبح ملاصقاً لأقدامي. ويضيق تنفسي عندها بشدة فيطلبون مني عندها الاعتراف بما يملونه علي. ثم كانوا يرشونني بالماء ويضربوني بعدها بعصي كهربائية. وعندما اعترفت بكل ما يريدون وضعوا بصمتي على ورقة وأنا معصوب العينين”.

بعد انتهاء التحقيق مع أ.ت تم تحويله إلى فرع الأمن العسكري. حيث بقي هناك حوالي 45 يوماً.  يقول عن تلك الفترة: “تعرضت في فرع الأمن العسكري لتعذيب أقل. قام العناصر هناك بضربي بالبداية فقط ثم وضعوني مع معتقلين آخرين في غرفة كنا نقضي فيها حاجتنا حيث ننام لأن لا إمكانية للخروج من هذه الغرفة إلى المرحاض”… “قضيت هناك حوالي 15 يوماً ثم وضعوني في المنفردة بعد أن أعادوا أخذ بصمتي على اعترافات جديدة مفادها أنني هارب من الخدمة الإلزامية. هناك جاءني شخص منهم يبلغ من العمر حوالي ثلاثين عاماً حسب تقديري، وقال لي أنهم لن يضربوني بعد الآن ولكن من غير الواضح متى ستتم محاكمتي. قال أيضاً أن إضبارتي بحاجة لمن يحركها وأنه يستطيع تحويلي إلى المحكمة مقابل 300 ألف ليرة سورية. وعندما وافقت سمح لي بالاتصال بأخي في لبنان وطلبت منه تحويل المبلغ عبر شركة الهرم للصرافة في دمشق. في النهار التالي اصطحبني إلى مكتب الشركة واستلمنا المبلغ ثم أعادني إلى غرفة جيدة ونظيفة. وعند الصباح التالي تم تحويلي إلى محكمة الإرهاب في القصر العدلي في دمشق حيث أفرج عني واستلمت كامل أغراضي التي كانت معي عند اعتقالي”.

يجرم قانون حقوق الإنسان الدولي عمليات الخطف والتعذيب في الأحوال العادية، كما يجرم القانون الإنساني الدولي هذه الأعمال في مناطق النزاع المسلح.

الملاحظة الاساسية الواجب تسجيلها هنا تتركز على علاقة المواطن بأجهزة القضاء، ومستوى الثقة التي يفترض توفرها في السلطة القضائية في عملية العدالة الانتقالية. وفي الحالة السورية هنا، تتضح أهمية العمل العميق على إصلاح مؤسسات القضاء السوري أولاً لإفساح المجال أمام أي مستوى لتطبيق العدالة الانتقالية.