أحياء سوّيت بالأرض
(الصورة:. الصور هيومن رايتس ووتش من مشاع الأربعين بالكامل، في حماة قبل وبعد التدمير)
أطلقت منظمة هيومن رايتس ووتش الأسبوع الماضي تقريرًا بعنوان “أحياء سوّيت بالأرض: الهدم غير القانوني للأحياء في سوريا“، مرفقًا بصور لأقمار صناعية توثق هدم أحياء بأكملها في دمشق وحماة. وعند مقارنة تلك الصور بأخرى التقطت منذ بضعة أشهر، نحصل على دليل صارخ بأن 145 هكتارًا على الأقل من الأحياء قد هدمت. كانت معظم هذه الأحياء تتضمن مبان متعددة الطوابق، الأمر الذي ضاعف درجة الخراب. وتثير صور الهدم الشامل بعض التساؤلات: كيف لهذه الأحياء أن تبنى من جديد؟ وهل يمكن ربط جهود إعادة الإعمار بعمليات العدالة الإنتقالية؟ وربما السؤال الأكثر إلحاحًا هو: إلى أين سيعود اللاجئون والنازحون السوريون في حالة تراجعت درجات العنف؟
يعرض تقرير المركز السوري للعدالة والمساءلة في المقابلات التي أجراها مركز تشارني للأبحاث حيرة السوريين بخصوص جهة عودتهم إلى سوريا. إذ قال اللاجئون والنازحون أن قراهم قد تهدمت، وأبدى بعضهم شكوكهم فيما إذا كانت العودة ممكنة أساسًا. وتساءل نازح ثلاثيني من حلب: “لماذا ينبغي على النازحين أن يعودوا؟ منازل محطمة، لا شوارع، لا مجارٍ، من دون ماء ولا كهرباء، لماذا ينبغي عليهم أن يعودوا؟ العودة مستحيلة بالنسبة لهم”.
وحسب منظمة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن عدد اللاجئين السوريين يقارب الـ 2.5 مليون، وعدد النازحين السوريين 4.25 مليون تقريبًا. وتعبّر هذه الأرقام عن الواقع التعيس للنزوح، وآثاره التي لا يمكن أن تكون عابرة. وبناء على ذلك، يتوجب على كلّ نقاش حول مستقبل سوريا أن ينظر في احتياجات الناس الذين مسحت بيوتهم.
لم تتطرق المحادثات الرسمية في جنيف لهذه القضايا. وعلى الرغم من أن المفاوضات لا تزال في بدايتها، إلا أنه من الحكمة أن يعي القادة خطورة النزوح السوري عند الشروع في صياغة الإتفاقيات. وقد يبدو إعادة التوطين أمرًا يخصّ فترة ما بعد الحرب، إلا أن واقع التشرد الجماعي- وحقد المتشردين –له آثاره المباشرة. وإن لم يتم معالجة احتياجات اللاجئين والنازحين، فقد تثيرتحديات النزوح القاسية المزيد من العنف، مما يجعل المصالحة أمرًا صعبًا للغاية. كما ينبغي للقادة أن يتمعنوا بإمكانيات الإعمار في مساندة عمليات العدالة الإنتقالية.
إن جهود إعادة الإعمار المدروسة قادرة على ترميم العلاقات والإعتراف بأخطاء الماضي أثناء بناء سوريا من جديد. وتركز مذكرة المركز السوري للعدالة والمساءلة “سوريا: التوثيق ودوره في تخليد الذكرى” على أهمية تخليد الذكرى الذي قد يكون عنصرًا رئيسًا في الشروع بإعادة الإعمار في مناطق خضعت لتدمير غير قانوني. إلى جانب الإعتراف بانتهاك حقوق الإنسان، فإن جهود إعادة الإعمار قادرة أيضًا على أن تكون بمثابة منبر لأشخاص بخلفيات متباينة من أجل التقارب والإعمار. وقد تتضمن هذه الجهود عمليات الإسترداد، التي تختلف عن التعويضات، حيث أنها تعني إعادة الملكية لأصحابها الذين أخذت منهم. ومع أن عملية الإسترداد قد تكون أداة مفيدة للعدالة الإنتقالية، إلا أن تحقيقها يشكل أكبر التحديات. ولا يريد المركز السوري للعدالة والمساءلة، بمطالبته بالإسترداد، أن يزرع الأمل و/أو أن يوحي بأن الأمر سهلًا. ولكن يبقى من المهم إدراك أن جهود إعادة الإعمار قد توفر فرصة معالجة قضايا النزاع العالقة بشكل عملي.
وتوصّلت هيومن رايتس ووتش إلى أن “التخريب كان نتيجة الصراع المسلح، وأنه لا يخدم أية ضرورة عسكرية، ويبدو أن هدفه كان معاقبة المدنيين، أو إيذائهم بشدة، ضاربًا بذلك قوانين الحرب بعرض الحائط.” وأيًا من هذه الدوافع لم يكن قانونيًا، إذ أن تخريب الأحياء في دمشق وحماة ينتهك قوانين الحرب التي لا تسمح باستهداف المدنيين وهدم بيوتهم. ونأمل حقًا أن يرفع الاهتمام بهذه الأحداث من مستوى الضغوطات على المرتكبين بغرض منعهم، والحثّ على النقاش حول إعادة الإعمار والعدالة الإنتقالية.