إصلاح المؤسسات بحاجة إلى التوثيق
تسلط نشرة اليوم الضوء على الدفعة الأولى من “سلسلة مذكرات” المركز السوري للعدالة والمساءلة. للمزيد من المعلومات حول التوثيق وإصلاح المؤسسات، يرجى تحميل وقراءة المذكرة الكاملة “سوريا: البيانات والتوثيق والأدلة لدعم إصلاح المؤسسات“، التي أعدها الدكتور دانيال سيروار لصالح المركز السوري للعدالة والمساءلة.
يقع التوثيق في صميم عمل المركز السوري للعدالة والمساءلة، وتركز نشرة هذا الأسبوع على الدور الهام الذي يلعبه التوثيق في إصلاح المؤسسات، إذ يعد التوثيق جوهر عملية التدقيق والغربلة. غير أن “التوثيق” مصطلح ضخم يضم مجموعة واسعة من السجلات والملفات التي تثبت مصداقية حقائق هامة. وبدون تضافر الجهود، قد تتعرض الكثير من هذه الوثائق التي لا تقدر بثمن الى التدمير أثناء النزاع وبعده، مما يؤكد الحاجة إلى تحديد مكان هذه الوثائق، وحمايتها والحفاظ عليها في أقرب وقت ممكن.
إصلاح المؤسسات هي العملية التي تقرر من خلالها دولة ما، غالباً في أعقاب نزاع، أيّ من الموظفين والمؤسسات والممارسات ينبغي الحفاظ عليها، أو إلغائها، أو تغييرها من أجل تسهيل الإنتقال السلمي وإنتاج بيروقراطية فعّالة وعادلة. وأساس هذه العملية هو “الغربلة”، وهي الآلية التي يتم من خلالها تدقيق الأفراد لتحديد أهليتهم للمشاركة في هيكليات الدولة التي خضعت للإصلاح، وإلى أي مدى. وتشمل الغربلة عادة موظفي الدولة، وكبار المسؤولين والجنود، إما بشكل فردي أو من خلال إجراءات جماعية. في سوريا، من المرجح أن تتضمن هذه العملية مقاتلي الثوار وأعضاء في المعارضة أيضاً. في الواقع، سيُنْظر الى حكومة ما بعد الصراع على أنها أكثر عدلاً من خلال معاملتها قوات الثوار بالمثل، الأمر الذي من شأنه أن يخفف من دوافع إرتكاب عمليات قتل إنتقامية. وتُظهر الأمثلة الموجودة في التاريخ من كوسوفو وصربيا والعراق أن العقبات المرتبطة بالإنتهاكات المرتكبة من قبل جماعات الثوار قد تضر بعملية إصلاح المؤسسات. وبإمكان الغربلة الفعالة للمعارضة أن تساعد في التخفيف من هذه العقبات، والمساهمة في عملية إصلاح مؤسساتي أكثر فعالية .
لا يمكن أن يتم التدقيق بدون وجود وثائق. سيعتمد تحديد الأطراف والشخصيات التي سيسمح لها بالمشاركة في المؤسسات التي تم إصلاحها إلى حد كبير على الأدلة المتوفرة عن أفعالهم أثناء الصراع. ويمكن إثبات هذه الأدلة بدرجة من المصداقية من خلال مجموعة متنوعة من السجلات التي يجب الحفاظ عليها. ومن المرجح أن تكون أفضل السجلات هي تلك التي تحتفظ بها الحكومة السورية، بما في ذلك، على سبيل المثال لا الذكر، سجلات العمليات والتوظيف والسجلات المالية للأجهزة الأمنية؛ وسجلات ووقائع المحاكم الأمنية؛ وسجلات العضوية وغيرها من سجلات حزب البعث؛ وسجلات الإتصالات التي يتم إعتراضها؛ وتقارير الأجهزة الأمنية عن الأفراد والمنظمات؛ والوثائق المتعلقة بقرارات النظام؛ والملفات التي يتم الإحتفاظ بها عن السجناء؛ وسجلات الأملاك والسجلات المالية للنظام وكبار المسؤولين بما في ذلك حسابات المصارف الأجنبية.
من المرجح أن هناك كنز من السجلات داخل المؤسسة الأمنية للنظام السوري، بما في ذلك جهاز مخابرات أمن الدولة، وشعبة الأمن السياسي في وزارة الداخلية، ومديرية المخابرات العسكرية في وزارة الدفاع، ومديرية المخابرات الجوية. كما يجب الحفاظ على سجلات المقاتلين الثوار ومجموعات المعارضة، على الرغم من أنه من غير المرجح أن تكون على نفس القدر من الشمول أو التنظيم كسجلات النظام. وعلى وجه خاص، من المرجح أن يكون المنشقون من الجيش والحكومة السورية الجهة الأكثر إلماماً بالسجلات الحكومية، مما قد يجعلهم (المنشقين) مورداً هاماً فيما يتعلق بإدارة تلك الوثائق .
ومع مرور الوقت، قد تختفي المزيد والمزيد من مثل هذه السجلات، إذ يتم فقدانها أو تخبئتها أو إتلافها إما عرضياً أو عن قصد. وتحديد مكان هذه الوثائق والحفاظ عليها يتطلب جهداً واعياً ومتضافراً. والجهود قائمة للحفاظ على الوثائق ويجب أن تستمر في أعقاب النزاع، على الرغم من أن أي قرار بشأن كيفية استخدام هذه السجلات سيكون رهن قرار السلطات السورية الشرعية في مرحلة ما بعد النزاع .
وبالنسبة للبعض، تبدأ فكرة التوثيق وتنتهي بفيديو على اليوتيوب يصور جريمة واضحة، ويتم إستخدامه لاحقاً كدليل إدانة في المحاكمات. في حين أن أشرطة الفيديو هذه قَيِّمة دون شك، غير أن هذا التبسيط يقلّل من حقيقة الطبيعة المعقدة لعملية التوثيق، ومن الأثر العميق الذي يمكن أن يلعبه التوثيق على عملية إصلاح مؤسسات شاملة. أبعد من الملاحقات القضائية، سيلعب التوثيق دوراً مركزياً في دعم تطوير المؤسسات التي تخدم المجتمع السوري بعدالة وفعالية، ولفترة مستقبلية طويلة الأمد.