كسر دائرة الاختفاء القسري
في يوم الجمعة الموافق 30 آب/أغسطس، تحيي الأمم المتحدة اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري. وبالنسبة للسوريين، يُعدّ هذا اليوم بمثابة تذكير صارخ بعشرات الآلاف الذين ما زالوا مفقودين بعد سنوات من النزاع. وفي حين أن حالات الاختفاء على نطاق واسع هي إحدى السمات المميزة للنزاع الحالي، فإن الحكومة السورية مسؤولة عن حالات اختفاء الآلاف من الأشخاص منذ سبعينيات القرن الماضي. وعلى الرغم من أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة استضاف إحاطة حول هذا الموضوع في وقت سابق من هذا الشهر، إلا أنه لم يتم اتخاذ إجراءات ملموسة بعد. ويجب أن يكون إطلاق سراح المحتجزين في سوريا وإصلاح القطاع الأمني لإنهاء هذا النمط من الانتهاكات أولوية قصوى للأمم المتحدة، وخاصة مجلس الأمن.
تاريخ مظلم من الاحتجاز والاختفاء القسري
في أواخر السبعينيات من القرن الماضي، بدأ الرئيس السوري آنذاك حافظ الأسد عمليات اعتقال واخفاء واسعة النطاق لخصومه السياسيين، وعندما تولى ابنه بشار الأسد السلطة في عام 2000، بقي الآلاف في عداد المفقودين. وبعد تولي الأسد الأبن السلطة، أطلق سراح حوالي 600 سجين سياسي، وفي عام 2001، أعلن عن إغلاق سجن تدمر سيئ السمعة. وبدت الحكومة الجديدة أكثر تسامحاً مع الحِراك السياسي، وأملت الأسر في أن يتم العفو عن أحبائهم المسجونين. وكان البعض يأمل أن يحذو الأسد حذو الملك محمد السادس ملك المغرب، الذي أعلن عن إنشاء لجنة حقيقة للنظر في انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتُكبت خلال سنوات والده في السلطة.
غير أن هذه الآمال كانت في غير موضعها. ففي أعقاب إغلاق سجن تدمر، تُركت أسر السجناء الذين لم يخرجوا من الأسر لتفترض أن أقاربهم قد ماتوا، دون وثائق رسمية أو اعتراف من الحكومة. وأصبح الصمت بشأن مصير السجناء سياسة حكومية وهو مستمر حتى يومنا هذا.
ومنذ عام 2011، نفّذ بشار الأسد حالات اختفاء قسري بمعدل لم يسبق له مثيل، متجاوزاً بذلك نطاق الإرث المروّع الذي خلّفه والده. وفي حين أن عدد المفقودين في سوريا اليوم غير معروف، فإن وثائق المركز السوري للعدالة والمساءلة، بما في ذلك وثائق المخابرات الحكومية، تُظهر الاستخدام الواسع للاحتجاز بتهم باطلة، بما في ذلك احتجاز النساء والأطفال.
وإن الصعوبة في تقدير العدد الذي لا يزال مفقوداً هي نتيجة مباشرة لجهود الحكومة السورية لإخفاء القضية. حيث تستخدم الحكومة مرافق احتجاز غير مسجلة وترفض إتاحة سجلات السجناء للجمهور أو للمجتمع الدولي. كما أنها تحجب الأمور في العديد من السجون، من خلال تبني سياسة “الباب الدوار” الخاصة باعتقال نفس السجناء وإطلاق سراحهم وإعادة اعتقالهم مراراً وتكراراً، مما يجعل من الصعب على مجموعات التوثيق المستقلة التحقق من موقع المحتجزين في أي وقت معين.
إجراءات الأمم المتحدة
في وقت سابق من هذا الصيف، تبنى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار 2474، وهو أول قرار لمجلس الأمن يتناول تحديداً المفقودين في النزاع. حيث دعا مجلس الأمن الدولي أطراف النزاعات المسلحة إلى البحث بنشاط عن الأشخاص الذين تم الإبلاغ عن اختفائهم وتيسير إعادة رفاتهم. وكان القرار بمثابة إشارة قوية على أهمية المفقودين في النزاعات في جميع أنحاء العالم، غير أن التزام الدول بضمان عدم اختفاء الأشخاص والإبلاغ عن المفقودين موجود بالفعل بموجب القانون الدولي. وبناءً على الزخم الذي أوجده القرار 2474، عقد مجلس الأمن الدولي أول إحاطة عن المحتجزين والمفقودين في سوريا في 7 آب/أغسطس. حيث قدمت آمنة الخولاني والدكتورة هالة الغاوي من جمعية عائلات من أجل الحرية، التي اختفى فلذات أكبادها على يدي الحكومة السورية روايات مفجعة. وعلى الرغم من عمل هؤلاء النشطاء، ما زال المحتجزون ينتظرون قيام مجلس الأمن الدولي والمبعوث الخاص باتخاذ إجراءات حاسمة.
وسيكون التحرك بشأن هذه القضية شرطاً مسبقاً لأي مفاوضات سلام جادة أو عودة اللاجئين على نطاق واسع. وفي حين ينبغي أن تكون هذه القضية أولوية في الدورة القادمة للجمعية العامة للأمم المتحدة، يجب على أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أن يحرصوا أيضاً ألا يذهب الزخم الذي تم بناؤه في إحاطة هذا الشهر أدراج الرياح. ويجب على الأعضاء استخدام سلطتهم للضغط من أجل صدور قرار من مجلس الأمن بشأن المفقودين في سوريا، والدعوة إلى إطلاق سراح جميع المعتقلين تعسفياً، ووصول منظمات المراقبة الدولية والمختصين الطبيين إلى جميع مرافق الاحتجاز، وللإفصاح عن أسماء ومواقع جميع المحتجزين الباقين. وبالإضافة إلى القرار، يجب سحب نقاش ملف المعتقلين من أستانا، التي ركزت على تبادل أسرى الحرب المقاتلين على نطاق ضيق، وإعادة هذا الملف إلى جنيف، حيث ينبغي للمبعوث الخاص إعادة تركيز النقاش على المحتجزين المدنيين. وفي حين أشار المبعوث الخاص، غير بيدرسن، علانية إلى قضية المعتقلين، إلا أنه لم يبذل جهداً يُذكر لتقديم تحديثات حول عمله، سواء علناً أو مباشرة إلى منظمات المجتمع المدني والدول الأعضاء. ومن شأن التحديثات المنتظمة من المبعوث، وكذلك مستشاره الخاص بشأن المحتجزين، أن تسمح لمنظمات المجتمع المدني بالمشاركة بفعالية أكبر في العملية والمناصرة من أجل المفقودين.
ويجب أن ينتهي شعور المجتمعات السورية بأن فلذات أكبادهم قد لا يعودون إلى البيت من العمل أو قد يختفون لسنوات في السجون الحكومية. ويجب على سوريا الالتزام بموجب القانون الدولي بالإبلاغ عن المفقودين. ويجب كسر هذه الدائرة.
للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر.