العدالة لضحايا الأسلحة الكيميائية بعد ست سنوات من هجوم الغوطة
يصادف 21 آب/أغسطس، 2019 مرور ست سنوات على قيام الحكومة السورية بمهاجمة الغوطة الشرقية بغاز السارين، مما أسفر عن مقتل حوالي 1,429 شخصاً، من بينهم 426 طفلاً على الأقل. وحظي الهجوم باهتمام دولي، وأدى في نهاية المطاف إلى بذل جهد أمريكي روسي مشترك لتفكيك برنامج الأسلحة الكيميائية السوري. غير أن هذا الجهد أخفق في نهاية الأمر في وقف انتشار الأسلحة الكيميائية في النزاع. وبحلول عام 2018، وثّقت هيومن رايتس ووتش 85 هجوماً بأسلحة كيميائية في سوريا منذ هجوم 2013 في الغوطة، وتستمر الاتهامات بشن هجمات جديدة حتى يومنا هذا. وفي الوقت نفسه، لا يزال مرتكبو هجوم الغوطة وغيرهم بلا عقاب.
إرهاب الحرب الكيميائية
انتقد العديد من مراقبي النزاع السوري تركيز جماعات حقوق الإنسان والناشطين الحقوقيين على الأسلحة الكيميائية، بحجّة أن أنواع أخرى من الأسلحة تسببت في قدر أكبر من الموت والدمار. وفي حين أن هذا صحيح، فإن تضخيم الأهوال التي تتسبب فيها الأسلحة الكيميائية لا يقصد به التقليل من المعاناة التي تتسبب بها أنواع أخرى من العنف، بل يهدف إلى تسليط الضوء على أن الأسلحة الكيميائية يمكن أن تكون سلاح حرب مروعاً بشكل فريد. ويُعتبر هذا النوع من الأسلحة عشوائياً بطبيعته، وهدفه ليس فقط القتل بل نشر الذعر. وتتسبب الهجمات الكيميائية في صدمة نفسية للمجتمعات المحلية وللعاملين في مجال المساعدات الإنسانية والطبية. ونظراً لأن المواد الكيميائية المختلفة تسبب ردود فعل مختلفة، فلا يعرف الضحايا في كثير من الأحيان ماهية هذه المادة الكيميائية أو ما قد تفعله حتى تبدأ التأثيرات الفسيولوجية في الظهور، مما يجعلهم يشعرون بالعجز وأن الأمور خارج نطاق سيطرتهم. وإن الطبيعة الخفية وغير المتوقعة للأسلحة الكيميائية يمكن أن تسبب قلقاً عميقاً حتى لمن لم يتعرضوا لها. فبعد قصف في إسرائيل في عام 1991، حيث كان هناك خوف واسع النطاق من أن عوامل كيميائية قد استُخدمت، سعى مئات المرضى الأصحاء للحصول على رعاية طبية بسبب خشيتهم من حدوث تلوث وأعراض مثل صعوبة التنفس. وحتى الناجين الذين لا يعانون من تأثيرات جسدية دائمة، لن ينسوا الشعور بعدم القدرة على التنفس، والآثار الصادمة التي أحدثتها المواد الكيميائية على أجسامهم. وفي مقابلة مع شبكة “سي بي إس نيوز” في أعقاب الهجوم بغاز السارين عام 2017 في خان شيخون، وصف الطبيب مأمون مراد ما رآه بأنه “أكثر يأساً مما يمكنني وصفه. تعجز الكلمات عن الوصف. كان المشهد أشبه بيوم القيامة” وقال إنه تضرّر بعد الهجوم، حيث وجد صعوبة في التحدث بوضوح.
1 (Syrian American Medical Society) 2 (Syrian American Medical Society)
في دراسة للهجمات الكيميائية عام 1988 في حلبجة بالعراق، وُجد أن الناجين يعانون من اضطرابات ما بعد الصدمة والقلق والتفكير في الانتحار من بين أعراض أخرى. وتفيد تقارير بأن انخفاض الروح المعنوية لأولئك الذين نجوا من الهجوم، حتى بعد عقود، أثر على أخلاقيات العمل والسلوك الاجتماعي. ووجدت دراسة أخرى من الحرب العراقية الإيرانية أن الإيرانيين الذين تعرضوا للحرب الكيميائية والحرب التقليدية عانوا من معدلات أعلى من اضطراب ما بعد الصدمة والاكتئاب والقلق من أولئك الذين تعرضوا للحرب التقليدية وحدها. وعلى الرغم من أنه لم يتم إجراء دراسات طويلة المدى على الناجين من الغوطة بعد، فقد كتب قاسم عيد، الناشط السوري والناجي من هجوم الغوطة في 2013، حول ما شاهده عندما أسقطت الحكومة السورية السم على المدينة في منتصف الليل، قائلاً: “ما رأيته فاق كل رعب رأيته حتى الآن”.
السعي لتحقيق العدالة
اعترف المجتمع الدولي منذ فترة طويلة بالترويع الفريد من نوعه الذي تسببه الأسلحة الكيميائية، مما أدى إلى سلسلة من المعاهدات التي تحظر استخدامها، والتي توّجت في اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية لعام 1997. ويُعتَبر استخدام سوريا للحرب الكيميائية خلال النزاع أول استخدام للأسلحة الكيميائية من قبل دولة منذ إنشاء اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية. وبعد فترة وجيزة من الهجوم في الغوطة، كان هناك تفاؤل متردد. حيث وافقت إدارة أوباما، بعد أن تراجعت عن تهديد باتخاذ إجراء عسكري، على صفقة روسية تطلب من الحكومة السورية التوقيع على اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية وتدمير مخزونها البالغ 1200 طن من الأسلحة الكيميائية. غير أن الصفقة لم تكن كافية لوقف استخدام الأسلحة الكيميائية في النزاع. حيث استمرت الحكومة السورية في استخدام الكلور كسلاح (لم يتم تدمير مخزونات الكلور بموجب الاتفاقية، لأن هناك أغراض مدنية مشروعة للكلور) واستخدمت غاز السارين أيضاً، مما يشير إلى أنها إما فشلت في تدمير ترسانتها الكاملة في عام 2014، أو أنها استأنفت إنتاج تلك المادة. ووفقاً لتقرير صادر عن الجمعية الطبية السورية الأمريكية في عام 2016، عن الهجمات الكيميائية في سوريا، فقد وقع 77% منها بعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي 2118، الذي أنشأ إطاراً لتدمير مخزونات الأسلحة الكيميائية المعلن عنها في سوريا.
هيومن رايتس ووتش
ولم يخفق المجتمع الدولي في منع استخدام الأسلحة الكيميائية فحسب، ولكنه واجه مصاعب للتحقيق بشكل صحيح في الهجمات الكيميائية. حيث تم إنشاء بعثة تقصّي الحقائق التابعة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية في عام 2014 من أجل التحقيق في الهجمات المزعومة في سوريا، لكنها لم تملك صلاحية تحديد هوية الجناة، مما جعلها ذات فائدة محدودة في المساءلة المستقبلية. وفي العام التالي، أنشأت الأمم المتحدة آلية التحقيق المشتركة بين منظمة حظر الأسلحة الكيميائية والأمم المتحدة، التي كُلفت بالتحقيق وتحديد هوية مرتكبي هجمات الأسلحة الكيميائية. وفي حين أن هذه كانت خطوة مهمة إلى الأمام، فقد استخدمت روسيا حق النقض (الفيتو)، في عام 2017، ضد تجديد مهمة آلية التحقيق المشتركة بين منظمة حظر الأسلحة الكيميائية والأمم المتحدة. وكان هذا الفيتو جزءاً من نمط أوسع. حيث استخدمت روسيا الفيتو لمنع التحقيقات في استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا أربع مرات، وكذلك منع فرض العقوبات على استخدام الأسلحة الكيميائية. ولكن على الرغم من معارضة روسيا المستمرة، في حزيران/يونيو 2018، تم منح منظمة حظر الأسلحة الكيميائية القدرة على توجيه اللوم. وبموجب هذا النظام الجديد، ستنظر المجموعة في جميع الهجمات التي تم التحقيق فيها سابقاً في سوريا، بهدف تحديد هوية الجاني، وهي خطوة مهمة نحو المساءلة في المستقبل. غير أن عملها سيتعرض لإعاقة كبيرة بسبب رفض الحكومة السورية منح فريق التحقيق حق الوصول إلى سوريا.
وبالنسبة لأولئك الذين لقوا حتفهم وأولئك الذين نجوا من الهجمات الكيميائية في الغوطة في عام 2013، وفي خان شيخون في عام 2017، وفي دوما في عام 2018، والعديد من حوادث الهجمات الكيميائية الموثقة الأخرى؛ يجب أن تكون هناك مساءلة. ولا يمكننا الانتظار حتى الهجوم التالي لإعادة فتح هذه النقاشات. ويجب على المجتمع الدولي أن يصر على أن تدمّر الحكومة السورية مخزوناتها من الأسلحة الكيميائية، تمشياً مع اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، وأن يدعم إجراء تحقيقات مُحكمة في جميع اتهامات استخدام الأسلحة الكيميائية. وقد توفر هذه التحقيقات يوماً ما الأدلة اللازمة للدفع بآليات المساءلة.
للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر.