1 min read
سياسات حكومية جديدة تؤدي إلى تدهور أوضاع اللاجئين في لبنان

سياسات حكومية جديدة تؤدي إلى تدهور أوضاع اللاجئين في لبنان

يواجه اللاجئون في لبنان خياراً مستحيلاً: إما البقاء في بيئة تتّسم بالقمع والعداء بشكل متزايد في لبنان، أو مواجهة الاضطهاد والعنف إذا اختاروا العودة إلى سوريا. في أواخر حزيران/يونيو، صرّح الرئيس اللبناني ميشال عون لوفد أمريكي زائر أن “المناطق السورية، باستثناء محافظة إدلب وجوارها، باتت تنعم بالاستقرار، ما يسهّل عودة من نزح من أهلها إليها”. ويزعم بأنه “لم يتبلّغ أي معلومات عن تعرّض العائدين لمضايقات”.

ويعكس تصريح عون خطاباً متزايداً على لسان مسؤولين لبنانيين وهو تحريف خطير ومتعمّد للوضع بالنسبة للسوريين في كلٍ من لبنان وسوريا. وقد رافق هذا الخطاب صدور تشريع جديد، يجعل الظروف للاجئين في لبنان أسوأ من أي وقت مضى. حيث يرفض المركز السوري للعدالة والمساءلة مزاعم الحكومتين السورية واللبنانية بأن اللاجئين يعودون على أساس طوعي وآمن. وفي هذه المقالة، يسلّط المركز السوري الضوء على المخاطر المستمرة التي يواجهها العائدون، والوسائل المباشرة وغير المباشرة التي يُكرَهوا من خلالها على العودة.

لم يبقَ خيارات في لبنان

منذ بداية النزاع، تبنّى لبنان سياسة صارمة “لعدم الاندماج”، تهدف إلى عدم تشجيع اللاجئين على الإقامة طويلة الأجل. ولطالما كان من الصعب على السوريين الحصول على تصاريح/إجازات الإقامة والعمل، وبأمر من الحكومة اللبنانية، توقفت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين عن تسجيل اللاجئين في أيار/مايو 2015. ولكن في الأشهر الأخيرة، شدّدت السلطات اللبنانية الخناق أكثر من خلال الترويج لفكرة أن الحرب السورية الآن “تضع أوزارها”.

عمليات الترحيل القسري: حتى وقت قريب، كانت الحكومة اللبنانية تحترم عموماً مبدأ عدم الإعادة القسرية للسوريين. وتغيّر هذا في عام 2019، عندما سمح قراران جديدان صادران عن المجلس الأعلى للدفاع (في 15 نيسان/أبريل) والمدير العام للأمن العام (في 13 أيار/مايو) للسلطات اللبنانية بترحيل السوريين الذين يدخلون البلاد بشكل غير قانوني. ومنذ ذلك الحين، أفادت وسائل الإعلام اللبنانية الرسمية أن أكثر من 300 مواطن سوري قد تمّ ترحيلهم وإعادتهم إلى سوريا في أيار/مايو 2019. وبالإضافة إلى ذلك، تشير تقديرات إلى أن 30 سورياً تم ترحيلهم من مطار الحريري الدولي في عام 2019.

هدم المنازل: في منتصف نيسان/أبريل، أصدر المجلس الأعلى للدفاع مرسوماً بهدم جميع ملاجئ اللاجئين العشوائية المصنوعة من الاسمنت وجميع المواد الأخرى عدا تلك المصنوعة من الأخشاب والشوادر البلاستيكية. وفي الأسابيع التي سبقت الموعد النهائي وهو الأول من تموز/يوليو، وجد الآلاف من السوريين أنفسهم بلا مأوى بعد إجبار العائلات على هدم منازلها المؤقتة لتجنب تدميرها بالكامل على أيدي السلطات. ومباشرة بعد حلول الموعد النهائي في الأول من تموز/يوليو، قامت القوات المسلحة اللبنانية باستعراض قوتها من خلال هدم حوالي 20 منزلاً. وفي بلدة عرسال وحدها، تأثر ما يتراوح بين 3,500 إلى 3,600 عائلة لاجئة بهذا الأمر. وهناك، اضطر الصليب الأحمر اللبناني إلى التدخل واتخاذ إجراءات طارئة لإنشاء ملاجئ مؤقتة من الخيام لدعم أكثر من 500 عائلة تضررت بأمر الحكومة.

قيود العمل: في حزيران/يونيو، صرّح وزير العمل اللبناني كميل أبو سليمان أن أصحاب العمل لديهم حتى 9 تموز/يوليو لتصويب الوضع القانوني لموظفيهم أو مواجهة غرامة قدرها مليوني ليرة لبنانية (حوالي 1,327 دولار أمريكي). ووفقاً لسليمان، هناك 1,733 سورياً فقط يحملون إجازات عمل سارية، مقيدة بمجالات البناء والزراعة والتنظيف. غير أن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين تقدّر بأن 43% من السوريين في لبنان يشاركون في القوى العاملة، معظمهم في القطاع غير المنظم. وإذا تم تطبيق الأمر بشأن التوظيف القانوني على نطاق واسع، فقد يفقد عشرات الآلاف فرص عملهم.

التمييز على نطاق واسع:

بالإضافة إلى السياسات الرسمية، روّج سياسيون لبنانيون بارزون بلا خجل خطاباً عنصرياً ومحرّضاً زاد من الأعمال العدائية وأثار موجة من جرائم الكراهية ضد اللاجئين. وإن أحد أكثر الشخصيات الفظيعة هو صهر عون ووزير الخارجية الحالي جبران باسيل، الذي أطلق في الأسابيع القليلة الماضية عدداً كبيراً من التغريدات والتعليقات المعادية للأجانب التي فيها ذمّ للسوريين “لأنهم يأخذون الوظائف من اللبنانيين” مع الإشارة إلى “الجينات” اللبنانية. وبدافع من هذه التعليقات، قام قطاع الشباب في حزب باسيل، التيار الوطني الحر، مؤخراً بحملة إعلامية واسعة الانتشار، حيث تظاهرت مجموعات من الشباب أمام محال تجارية، وهم يردّدون النشيد الوطني ويدخلون المحال التجارية لاستجواب أصحابها بشأن توظيفهم لعمال سوريين. وقام المتطوعون بتوزيع منشورات تدعو المواطنين اللبنانيين للإبلاغ بواسطة الصور ومقاطع الفيديو للسوريين الذين يعملون في شركات محلية، حتى يمكن تبليغ السلطات عنهم.

العودة إلى الاضطهاد

في حين أن هذه الضغوط الاقتصادية والسياسية والاجتماعية تؤثر سلباً على اللاجئين السوريين، فقد أنشأت السلطات اللبنانية قنوات لتيسير ما يظهر بأنه عودة “آمنة”. وبموجب الاتفاقات المبرمة مع دمشق، أنشأت مديرية الأمن العام في لبنان مراكز لإعادة اللاجئين حيث يمكن للسوريين تسجيل نيتهم ​​في العودة. ويتم نقل أسماء هؤلاء الأفراد إلى الحكومة السورية، التي تقوم بإجراء “فحص وتدقيق أمني” للمتقدمين وتعطي الضوء الأخضر لعودتهم.

ويتم تضليل العائدين بالاعتقاد بأن عملية الفحص والتدقيق الأمني تشير إلى ضمان سلامتهم. وفي المقابل، هناك الآن تقارير واسعة الانتشار تفيد بأن العائدين يتعرضون للمضايقة والاعتقال والاحتجاز التعسفي. ووجد استطلاع أجرته الرابطة السورية لكرامة المواطن، أن 75% من السوريين الذين عادوا إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة تعرّضوا لواحد أو أكثر من هذه الانتهاكات. وقدّر باحث سوري آخر، أمضى أشهر في جمع البيانات عن العائدين إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، أن أكثر من 1,000 سوري فُقدوا بعد عودتهم إلى ديارهم.

المانحون يجب أن يطالبوا بالتغيير

في خضم ردود الفعل المتزايدة ضد هذه السياسات الأخيرة ، أعلنت الحكومة اللبنانية هذا الأسبوع أنه يجوز للسوريين في لبنان التقدم بطلب للحصول على “تصريح إقامة مؤقتة” بكفالة موظف أو مواطن لبناني . ومع ذلك ، يبدو أن هذه السياسة لا تنطبق إلا على “المخالفين” السوريين الذين تجاوزوا مدة تصريح الإقامة أو أولئك الذين مُنحوا الإذن بالعودة إلى سوريا (لكن لم يفعلوا) ، ولا تنطبق على السوريين الذين دخلوا لبنان “بشكل غير قانوني” في المقام الأول والتي تشكل غالبية اللاجئين السوريين في لبنان. علاوة على ذلك ، فهو لا يعالج العديد من العوائق التي حالت دون قيام معظم السوريين بتجديد تصاريحهم(نسبة قليلة جدا لديها تصاريح على أية حال) كالصعوبات في العثور على كفلاء، الرسوم المرتفعة للغاية ، والتطبيق التعسفي للوائح

يمثّل تدفق اللاجئين السوريين في لبنان تحديات هائلة. وعلى الرغم من عودة أعداد قليلة من السوريين إلى ديارهم في الأسابيع الأخيرة، لا يزال لبنان يستضيف أكثر من مليون لاجئ — وهو البلد الذي يستضيف أكبر عدد من اللاجئين في العالم من حيث نصيب الفرد. ومن أجل تأمين دعم كافٍ للاجئين، يحتاج لبنان إلى قدر أكبر بكثير من التمويل والدعم من المجتمع الدولي. ومن المواقف الإيجابية، زاد المجتمع الدولي من تعهداته من المساعدات الإنسانية لسوريا هذا العام إلى 7 مليارات دولار، بما في ذلك أموال للدول المضيفة للاجئين. وتهدف هذه الأموال إلى دعم، ليس فقط اللاجئين السوريين، ولكن أيضاً المجتمعات المضيفة المتضررة في لبنان والدول المجاورة.

ومع ذلك، من الأهمية بمكان ألا يتم تقديم التمويل الدولي للبنان بصورة عمياء. حيث أن السياسات الأخيرة التي نفذتها السلطات اللبنانية تنتهك المبدأ الأساسي لعدم الإعادة القسرية. وبينما يقدّمون المساعدات للبنان، يجب على الجهات المانحة والمنظمات الدولية بذل المزيد من الجهد للضغط على الحكومة اللبنانية لإنهاء هذه الانتهاكات. وتتمثل إحدى طرق القيام بذلك في اشتراط صرف الأموال أو الخدمات للحكومات المحلية على احترامها لمبدأ عدم الإعادة القسرية وغيره من المؤشرات القائمة على حقوق الإنسان.

ويجب أن يرفض المجتمع الدولي أيضاً الرواية الكاذبة عن العودة الآمنة والطوعية إلى سوريا. وإلى أن يكون هناك إصلاح سياسي حقيقي في سوريا وإنهاء للسياسات القمعية التي كانت السبب في نشوب النزاع، ينبغي عدم إجبار أي لاجئ سوري على العودة إلى سوريا. وإن هذا أحد المبادئ الأساسية للقانون الدولي، وينبغي على ميشال عون أن يعرفه جيداً. ففي نهاية المطاف، كان هو نفسه لاجئاً في يوم ما. فبعد أن طرده الجيش السوري من قصره عام 1990، فرّ عون مع عائلته إلى فرنسا، حيث مُنِح لجوءاً سياسياً. وبالتالي يجب احترام نفس المبادئ التي حفظت حقّه في الفرار قبل عقود من الزمن بالنسبة للسوريين الذين يلتمسون اللجوء في لبنان اليوم.

للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر.