"خطيئتهم الوحيدة كانت الرغبة في العيش بكرامة:" الحاجة إلى اتخاذ إجراء عاجل في إدلب
في وقت سابق من شهر حزيران/يونيو، عَبَرت قائدة فريق التوثيق التابع للمركز السوري للعدالة والمساءلة الحدود من جنوب تركيا إلى شمال غرب سوريا لقضاء عطلة العيد مع أسرتها. وتدير هذه القائدة الفريق الميداني للمركز السوري للعدالة والمساءلة وشبكة شركاء التوثيق، وهي تدرك جيداً الكارثة الإنسانية المستمرة في إدلب، حيث تُعرّض الغارات الجوية العشوائية أكثر من ثلاثة ملايين مدني للخطر وتدمّر المرافق الطبية والأراضي الزراعية. غير أنها لم تزر سوريا منذ عام 2017، وكانت حريصة على رؤية الوضع بنفسها ومعرفة جوانب الحياة المفقودة في التغطية الإعلامية الدولية. لقد صُدمت من هول ما رأت في رحلتها، سواء من حيث الظروف التي يعيشها المدنيون واستمرار قدرتهم على الصمود في مواجهة مصاعب لا يمكن تصورها. يسلّط المركز السوري للعدالة والمساءلة هذا الأسبوع الضوء على خطورة الوضع في إدلب من خلال مشاركة بعض ما شاهدته هذه الموظفة من معاناة بكلمات وردت على لسانها.
على الطريق القصير بين المعبر الحدودي ومدينة إدلب، احتشدت مئات الأسر تحت أشجار الزيتون، دون الحصول على أي مساعدات إنسانية، على الرغم من أن قلة منها تمكنت من الحصول على بطانيات وأغذية من قرى بالقرب من مزارع الزيتون. حيث كان جلّ ما تمنته تلك الأسر هو الحصول على خيمة تؤويهم من أشعة شمس الصيف الحارقة. . . وتشعر النساء الحوامل بالرعب من الولادة تحت الأشجار، حيث لا توجد مرافق أو معدات صحية أو أدوية. ويشعرن بالقلق من أن الأطفال قد يموتون بسبب الظروف السيئة، بما في ذلك رائحة النفط الخام الخانقة المنبعثة من المولدات. وفي المخيم، لاحظتُ أن العديد من الفتيات يحككن رؤوسهن، حيث أصيبت كثير منهن بالقمل لأنهن لم يستحممن لمدة عشرة أيام على الأقل. وأصيب أطفال آخرون بالجَرَب، ولم تعد المرافق الصحية البعيدة قادرة على استقبالهم.
ولاحظت قائدة الفريق أيضاً كيف يتعامل الناس في المجتمعات مع المصاعب اليومية للنزاع، وغالباً ما يقومون بتكييف استراتيجيات تعلّموها من النازحين داخلياً الذين نجوا من ظروف مماثلة في أماكن أخرى من سوريا.
ومررتُ بمخيّمات عشوائية وأنا أحمل في ثنايا قلبي شعوراً بالعجز والذنب تُجاه هؤلاء الناس الذين كانت خطيئتهم الوحيدة هي الرغبة في العيش بكرامة، غير أن هذا الشعور بالعجز لم يتسرّب إليهم هم أنفسهم. كان الرجال يجمعون بقايا البراميل والصواريخ بعد حضور دورات حول إزالة الألغام والدمار الذي خلّفته الحرب التي عقدتها منظمات سورية محلية. وكانت النساء يجلبن الماء من الآبار المالحة، ويملأن الأوعية الفارغة، ثم يُضفن مادة “الهودرو” أو بيكربونات الصوديوم، التي تُستخدم لتنظيف “الجلابيات” البيضاء استعداداً للعيد، وهو أحد أكثر التقاليد انتشاراً في المدن والقرى السورية.
ويتّهم المزارعون الحكومة السورية بحرق أراضيهم بواسطة الغارات الجوية مما يؤدي إلى تدمير الأمن الغذائي في المحافظة. ويوجد لدى معظم الأسر مخزون صغير من القمح والشعير وقد بدأوا في استخدام الشعير وفول الصويا للخبز، وهي تجربة نقلتها إليهم الأسر المهجّرة قسراً من الغوطة الشرقية ومضايا والزبداني.
وعلى الرغم من هذه المحاولات للتكيّف، يمكن أن يتسرب الخوف ليطال كل جانب من جوانب الحياة في إدلب.
في إدلب، لم تتوقف ألعاب العيد مطلقاً، وكان السوق مليئاً بالأشخاص. في أحد الأكشاك التي تبيع الألعاب، توقفتُ لشراء سيوفاً بلاستيكية ودمى (باربي) لأبناء وبنات أخوتي. وشاهدت فتاة صغيرة تُلحّ على رجل كبير في السن، بدا أنه جدها، ليشتري لها دمية باربي. فسحب الرجل الدمية من يدها ومضى في طريقه، دون أن أسمع للطفلة بكاءً أو عويلاً. ثم عاد الرجل وقال للبائع، “أعطني تلك الدمية، أخشى أننا سنُقتل بالقصف أثناء عودتنا وسوف تموت الفتاة بحسرتها”. في ذلك المساء، قصفت الحكومة السورية ثلاثة أسواق في أريحا وإدلب وكفرنبل، مما أدى إلى مقتل عدد من الأطفال.
عند عودتها إلى تركيا، قالت قائدة الفريق، “عندما غادرت إدلب، حملت معي أصوات الأمهات والآباء والأطفال الذين يريدون فقط البقاء في منازلهم وأن يشعروا بالأمان”، وتساءلت عما إذا كانت هذه الأصوات ستلقى آذاناً صاغية من قبل المجتمع الدولي. وبعد الاستماع إلى قصتها، بالإضافة إلى القصص التي رواها موثّقون آخرون في المركز السوري للعدالة والمساءلة وقصص العديد من الناجين الذين قابلوهم، يدعو المركز السوري المجتمع الدولي مرة أخرى إلى التحرك بشكل عاجل لوقف الهجمات على إدلب وتلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة للسكان المدنيين. وكان الاتفاق السابق لحماية إدلب قد تم التوصل إليه خارج إطار مفاوضات الأمم المتحدة في أستانا. ومن الأهمية بمكان أن تستعيد الأمم المتحدة زمام القيادة في هذه القضية وتدين صراحة الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي التي ترتكبها روسيا والحكومة السورية. وفي الخطاب الذي ألقاه أمام مجلس الأمن الدولي في 27 حزيران/يونيو، أمضى المبعوث الخاص جير بيدرسن وقتاً أطول في التحدث عن خطط لجنة دستورية بدلاً من محاولة وقف العنف في إدلب، ولم يفلح في تسمية روسيا والحكومة السورية بوصفهما مرتكبي أعمال عنف. وإلى أن تتوقف الغارات الجوية ضد المدنيين في إدلب، ينبغي أن يكون وقف إطلاق النار في المنطقة هو محور التركيز الرئيسي لمكتب المبعوث الخاص والمجتمع الدولي. وفي هذه الأثناء، لا يمكن للحكومات الأجنبية أن تسمح للمخاوف المتعلقة بهيئة التحرير الشام بالتدخل في تقديم المساعدات الإنسانية، ويجب أن تعمل على زيادة تقديم المساعدات للمدنيين الذين يعيشون تحت القصف.
للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر.