1 min read
مواجهة التحديات شمال شرق سوريا

مواجهة التحديات شمال شرق سوريا

في الأشهر الأخيرة، تركّزت المناقشات حول شمال شرق سوريا على سؤال واحد: من سيُسيطر على المنطقة بعد الانسحاب العسكري المرتقب للولايات المتحدة؟ سيصوغ الجواب مستقبل المنطقة دون شك. ولكن مع استمرار هذه المناقشات، تواجه المجتمعات المحلية عدداً من التحديات العاجلة التي، إن تم تجاهلها، ستعيق آفاق العدالة والمصالحة والاستقرار على المدى الطويل.

وفيما يلي ثلاثة من أهم التحديات في شمال شرق سوريا التي تتطلب اهتمام التحالف الدولي والمجتمع الدولي:

المفقودون والمقابر الجماعية

عندما تقهقرت الدولة الإسلامية من المدن والبلدات في جميع أنحاء سوريا، بدأ السكان المهمة الحزينة المتمثلة في نبش المقابر الجماعية التي تُركت في أعقابها. حيث اكتشف “فريق الاستجابة الأولية” التابع للمجلس المدني للرقة أكثر من 12 مقبرة جماعية في جميع أنحاء المدينة وذلك في حدائق عامة وملاعب وأراضي زراعية مهجورة. وتم العثور على أكبر مقبرة جماعية في الفخيخة، إحدى الضواحي الواقعة خارج الرقة، حيث تم اكتشاف حوالي 3,500 رفات في مقبرة جماعية بعمق قدمين فقط. وكانت بعض المقابر تحمل أدلة واضحة على عمليات إعدام جماعية على أيدي داعش، إذ كان الضحايا معصوبي العينين ومكبّلي اليدين. وفي حالات أخرى، تم دفن مقاتلي داعش وضحاياهم والمدنيين الذين لقوا حتفهم في غارات جوية شنتها قوات التحالف معاً على عجل.

ويوجد في هذه القبور أدلة هامة يمكن أن تؤدي إلى محاكمة جرائم داعش واكتشاف مصير المفقودين. وبالنسبة لعشرات الآلاف من السوريين الذين ما زال أحباؤهم مفقودين، لم يساعد اكتشاف هذه المقابر سوى بقدر قليل من وضع خاتمة للأحزان والتصالح مع الذات. وبينما تمكنت بعض العائلات من التعرف على أحبائها من عناصر أساسية لتحديد الهوية مثل الملابس، ظلت غالبية الجثث مجهولة الهوية، وتم إعادة دفنها في مقابر قريبة، مع جمع قدر محدود من التوثيق.

ويقوم المجلس المدني في الرقة بأعماله بموارد محدودة للغاية. ويتلقّى العمال حداً أدنى من التدريب ولا يوجد دعم نفسي اجتماعي. ولا يملك العمال كاميرات، ناهيك عن معدات فحص الحمض النووي. ويتم جمع المعلومات حول المقابر المحتملة أو هوية الضحايا من خلال الاستعانة بمصادر خارجية من خلال الفيسبوك والواتساب. ولا توجد قاعدة بيانات مركزية لتوثيق المعلومات، ولا توجد منظمة دولية تسهل العملية أو تنسقها، ولا يوجد تحقيق في الجرائم المرتكبة، ولا توجد جهود موسّعة للتواصل مع عائلات الضحايا.

وتستحق عائلات الضحايا معرفة مصير أحبائها والسعي لتحقيق العدالة لمقتلهم. وبينما يتم استخراج الرفات الآن، تتعرض المعلومات الجنائية من هذه المقابر الجماعية إلى التلف والضياع. وهناك حاجة ماسة إلى أن يقوم المجتمع الدولي بتوفير التدريب والدعم المادي للحفاظ على هذه المقابر واستخراج الرفات في نهاية المطاف كجزء من تحقيق شامل فيما يتعلق بالأشخاص المفقودين.

العلاقات الكردية-العربية

في شمال شرق سوريا، وصل التوتر بين المجتمعات الكردية والعربية إلى مستوى غير مسبوق. حيث لا يزال الأكراد، الذين عانوا لفترة طويلة من القمع المنهجي في ظل الحكومة السورية، لا يثقون بالمجتمعات العربية التي يرون أنها متعاطفة مع داعش أو غيره من جماعات الثوار العربية. وتشعر المجتمعات العربية، بدورها، بالغضب مما ترى أنه احتكار للسلطة بواسطة وحدات حماية الشعب (YPG). وإذا تُركت دون معالجة، فإن التوترات بين هذين المجتمعين ستهدّد استقرار أي تسوية سياسية يتم التوصل إليها في المنطقة.

وللحفاظ على السلام، يجب على الولايات المتحدة وشركائها في التحالف الاستفادة من نفوذها على قوات سوريا الديمقراطية لدعم مشاركة أكثر مغزى ومزيد من الأدوار القيادية للمجتمعات العربية. وعلى الرغم من تقديمها كقوة عربية كردية مختلطة، إلا أن القيادة الكلية لقوات سوريا الديمقراطية لا تزال تحت سيطرة وحدات حماية الشعب. كما تعتمد المجموعة أيضاً بشكل كبير على التجنيد الإجباري لتعبئة صفوفها – وهو مصدر رئيسي للاستياء في المجتمعات العربية. وعلى غرار ذلك، قوبلت الإدارة المدنية لقوات سوريا الديمقراطية بالسخط من جانب السكان العرب. وكنقطة انطلاق، يمكن لقوات التحالف تسهيل الحوار من خلال تنظيم اجتماعات محلية وعالية المستوى بين القادة العرب والأكراد.

وفي الوقت نفسه، يجب على المجتمع الدولي أيضاً ضمان حماية الحقوق الكردية في أي قرار سياسي يتم اتخاذه في المستقبل. ففي عفرين ذات الأغلبية الكردية، انتشرت أخبار النزوح القسري ومصادرة الممتلكات والقمع الثقافي منذ أن سيطر الجيش التركي، بدعم من جماعات المعارضة التي يهيمن عليها العرب، على الحكم في عام 2018. ومنذ ذلك الحين، تواصل تركيا تدريب وتوحيد مجموعات المعارضة من أجل الحفاظ على احتلالها ودعم عملية محتملة بقيادة تركية لشرق الفرات. وفي ظل هذه الخلفية التي تفتقر إلى اليقين، يمكن لإطار عمل للإشراف على حماية وعودة السكان الأكراد والعرب النازحين إلى ديارهم في كل من المناطق الخاضعة للسيطرة التركية وسيطرة قوات سوريا الديمقراطية أن يساعد في تخفيف التوترات. ويجب على المجتمع الدولي أيضاً أن يعارض بشدة التهجير القسري للسكان من جانب جميع الأطراف في أي اشتباكات مستقبلية.

محاكمة مقاتلي الدولة الإسلامية وإعادة دمج عائلاتهم

وفقاً لأحدث تقرير لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، يوجد حالياً أكثر من 73,000 شخص في مخيم الهول، وهو أكبر منشأة يتم فيها احتجاز عائلات داعش في شمال شرق سوريا – أكثر من 70% منهم من الأطفال دون سن 18 عاماً. وعلى المدى البعيد، فإن الاحتفاظ بمخيمات اعتقال للمدنيين ليس حلاً قابلاً للتطبيق – ولا إنسانياً، ومن المرجح أن يؤدي إلى مزيد من التشدد في أوساط سكان تلك المخيمات. ويتم احتجاز هؤلاء المدنيين بالإضافة إلى آلاف المقاتلين المعتقلين في مرافق تابعة لقوات سوريا الديمقراطية. وسيكون إعادة دمج مدنيي داعش ومحاكمة المقاتلين أحد أصعب التحديات التي تواجه إدارة قوات سوريا الديمقراطية والمجتمع الدولي.

ويكمن التحدي الأول في التمييز بين الجناة وأنصار داعش المتشددين وأولئك الذين وجدوا أنفسهم في خضم النزاع. وفي حين تزعم بعض النساء في المخيمات أنهن أرغمن على دعم داعش بالقوة أو بحكم الضرورة، تبقى أخريات مناصرات بعناد للتنظيم وأيديولوجياته المتطرفة. وفي العراق، فإن النزعة الحالية للمحاكم العراقية لمحاكمة الأفراد على أساس عضوية داعش يعني أن زوجات مقاتلي داعش والإداريين وحتى العاملين الصحيين لدى التنظيم قد صدرت بحقهم أحكاماً قاسية – بما في ذلك عقوبة الإعدام.

وإن كل ما ستفضي إليه هذه العدالة الانتقامية القاسية هو تسهيل إعادة التشدد وإذكاء التوترات الطائفية. وبينما اتخذت قوات سوريا الديمقراطية حتى الآن نهجا توفيقياً أكثر تجاه أعضاء داعش، لا يوجد لدى أنظمتها القانونية المثقلة بالأعباء بالفعل أي وسيلة لمعالجة الزيادة الهائلة في أعداد مدنيي داعش ومقاتليه المحتجزين لديها. ويجب على المجتمع الدولي مساعدة السلطات المحلية على إنشاء إطار واضح للتعامل مع عشرات الآلاف من هؤلاء الأفراد. ولن يشمل هذا مجرد الملاحقة القضائية في الحالات التي ينطبق عليها ذلك، ولكن يشمل أيضاً البرامج الرامية إلى معالجة تشدّد أنصار داعش، وتشجيع المجتمعات المحلية على إعادة إدماج جناة سابقين.

الخاتمة

لا يمكن للجهات الفاعلة السورية والمجتمع الدولي انتظار اتفاق سلام بعيد المنال قبل البدء في مواجهة التحديات التي تواجه شمال شرق سوريا. حيث أن المظالم والانقسامات وحالات الغضب التي تنامت خلال ثماني سنوات من الحرب لن تتلاشى ببساطة. وتُعتبر القضايا التي تتناولها هذه المقالة بعضاً من أكثر المجالات أهمية حيث يمكن للمجتمع الدولي أن يساعد السوريين في السعي لتحقيق العدالة والمصالحة.

للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر.