فهم دور العقوبات في النزاع السوري
منذ بداية النزاع في سوريا، فرضت الدول الأجنبية عقوبات اقتصادية على الحكومة السورية، حيث نفّذت ما أطلق عليه “بعض أنظمة العقوبات الأكثر تعقيداً على الإطلاق والتي يطال تأثيرها عدد كبير من الأشخاص“. وبينما تدّعي الدول المعنية أن هذه العقوبات تفرض ضغطاً يستهدف حكومة الأسد وحلفائها للمضي قدماً نحو حل سياسي وتقليل انتهاكات حقوق الإنسان، تدّعي الحكومة السورية أن هذه العقوبات قد دمرت الاقتصاد وأدّت إلى معاناة إنسانية هائلة. ومع وجود الكثير من المعلومات المتضاربة المتاحة، قام المركز السوري للعدالة والمساءلة بتجميع إجابات لبعض الأسئلة الشائعة المتعلقة بالعقوبات الحالية المفروضة على الحكومة السورية، وإلى أي مدى يمكن استخدامها كأداة لإصلاح حقوق الإنسان، وما إذا كانت هي السبب في الوضع الإنساني المأساوي داخل البلد.
ما هي العقوبات؟
العقوبات الاقتصادية هي تدابير قسرية تفرض من خلالها دولة ما قيوداً على وصول دولة أخرى أو مواطنيها إلى الخدمات المالية أو التجارة في محاولة للتأثير على السياسات. ويمكن فرض العقوبات من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، أو أحادياً من جانب كل دولة على حدة.
ما هي الدول التي تفرض حالياً عقوبات على سوريا؟
فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وتركيا وجامعة الدول العربية، من بين دول أخرى، عقوبات أحادية الجانب على سوريا منذ بداية النزاع. وواجهت محاولات تنسيق العقوبات من خلال الأمم المتحدة حقّ النقض (الفيتو) من قبل روسيا والصين.
لماذا تفرض هذه الدول عقوبات على سوريا؟
تشير الدول التي تفرض عقوبات على سوريا إلى وجود انتهاكات واسعة النطاق للقانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان ترتكبها الحكومة. وتُستخدم هذه العقوبات كأداة قسرية لتغيير سلوك الحكومة، وتستهدف أفراداً محدّدين أو كيانات محددة يُعتبرون متواطئين في جرائم الحكومة. على سبيل المثال، فرضت الولايات المتحدة وفرنسا في الصيف الماضي عقوبات على قائمة الأفراد والكيانات الذين يعتبرون متواطئين في برنامج الأسلحة الكيميائية السوري.
كيف أثرت هذه العقوبات على المدنيين السوريين؟
في العقدين الأخيرين، تحوّل المجتمع الدولي من العقوبات الواسعة، مثل الحظر التجاري، إلى العقوبات الموجهة، التي تُفرض على فرد معين أو كيان معين. وكان الهدف من هذا التحول هو ضمان عدم تضرّر المدنيين، ولاسيما وصولهم إلى الضروريات الأساسية. وعلى الرغم من هدف هذا البرنامج، يصعب فهم آثار العقوبات، وخاصة المعقدة منها مثل تلك المفروضة على سوريا.
على سبيل المثال، تفرض العقوبات الحالية ضد سوريا استثناءات واضحة للمساعدات الإنسانية، بما في ذلك الغذاء والمعدات الطبية. غير أن هذه الاستثناءات تتطلب من المنظمات الحصول على تراخيص لإثبات أنها ممتثلة مع قوانين العقوبات. ويمكن أن تكون عملية الحصول على هذا الترخيص معقّدة، خاصة إذا كانت هناك حاجة إلى تصريحات متعددة من بلدان مختلفة، وقد يتجاوز ذلك قدرة المؤسسات الأصغر. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يكون لهذه العقوبات “تأثير رادع”، الأمر الذي يدفع الشركات إلى الانسحاب من بلد ما تماماً لأنها تخشى من أن تقع ضحية العقوبات، حتى وإن لم يتجاوز عملها تعليمات العقوبات فعلياً. ويمكن لهذا الانسحاب أن يؤثر فعلياً من وصول المدنيين إلى سلع مهمة، حتى أولئك غير المستهدفين بالعقوبات. ولكن في حالة سوريا، يقع عبء تقديم المساعدات الإنسانية على عاتق منظمات دولية كبيرة، لديها خبرة في التغلّب على العقوبات، وقد تمكنت من فعل ذلك بفعالية. وكان أكبر عائق أمام قدرة هذه المنظمات على إيصال المساعدات هو إجراءات الحكومة لتحويل مسار شحنات المساعدات أو عرقلتها.
هل العقوبات هي السبب في أزمة الغاز الأخيرة في الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة؟
يعاني السوريون الذين يعيشون في مناطق تسيطر عليها الحكومة من نقص حاد في الوقود هذا الشتاء، مما يحدّ من وصولهم إلى الغاز المستخدم للتدفئة أو الطهي. وألقت الحكومة باللوم في هذا النقص على العقوبات الغربية، وعلى وجه التحديد على المذكرة الاستشارية التي أصدرتها وزارة الخزانة الأمريكية في تشرين الثاني/نوفمبر لتؤكد من جديد سلطتها على توسيع العقوبات ضد الكيانات المتواطئة في استيراد النفط إلى سوريا. ونفت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول أخرى مسؤولة عن فرض العقوبات في سوريا هذه الادعاءات، بدعوى أن الفساد وسوء إدارة الحكومة السورية نفسها، إلى جانب الآثار المدمرة للنزاع، هي التي أدت إلى الحرمان في البلد.
ولعل الحقيقة هي في مكان ما بين هذا وذاك. قبل النزاع كانت سوريا تنتج الغالبية العظمى من نفطها، ولكنها تعتمد الآن بشكل شبه كامل على استيراد النفط. وكان انهيار صناعة النفط نتيجة مباشرة للنزاع. وبالإضافة إلى ذلك، كان فصل الشتاء بارداً بشكل خاص، مما زاد من الطلب على الغاز، وعندما يقترن ذلك بالآثار الاقتصادية واسعة الانتشار لثماني سنوات من الحرب، فليس من المستغرب أن يواجه المدنيون نقصاً في الغاز. وقد تفاقمت هذه الظروف بسبب الفساد الحكومي المستشري. على سبيل المثال، وثّق المركز السوري للعدالة والمساءلة حوادث شهدت قيام مجموعات عسكرية بتخطّي المدنيين الذين ينتظرون في طابور الغاز، وقيام أفراد تلك المجموعات بشراء الغالبية العظمى من إمدادات الغاز ثم يعيدون بيعها بأسعار باهظة، وغالباً يتم ذلك في نفس موقع البيع الأصلي. لذلك، بينما من المحتمل أن يكون نظام العقوبات، ضد كل من الحكومة السورية وإيران المنتجة للنفط، عاملاً آخر في أزمة الغاز في سوريا، إلا أن الحكومة فشلت في مساعدة المدنيين السوريين خلال أزمة نقص الغاز، وبدلاً من ذلك سمحت للفساد بالانتشار.
هل العقوبات أداة فعالة لحقوق الإنسان؟
يمكن أن تكون العقوبات أداة قوية لإجبار البلدان على تغيير سياساتها. ويمكنها أن تعرقل بشكل مباشر قدرة الحكومة على شن حرب أو ارتكاب جرائم، وقد تكون بمثابة حافز قوي للمفاوضين من خلال الاستفادة من إمكانية رفع العقوبات وربطها بمعايير حقوق الإنسان. ومع بدء جهود إعادة الإعمار، يمكن للعقوبات المفروضة على شركات الإنشاءات التي ترغب في العمل مع الحكومة السورية، مثل تلك المفروضة على الكيانات العاملة في تطوير ماروتا سيتي، أن تمنع بعض مشاريع البناء وتوفر الحماية للممتلكات الخاصة بشكل فعال. ويدعم المركز السوري للعدالة والمساءلة العقوبات المستهدفة، وخاصة العقوبات على جهود إعادة الإعمار، ويعتقد أنها جزء لا يتجزأ من استجابة المجتمع الدولي لمحاولات الحكومة لفرض تغيير ديموغرافي ومصادرة الممتلكات.
غير أن نطاق العقوبات محدود في نهاية المطاف. وحتى تاريخه، لم يكن للعقوبات القوية المفروضة على الحكومة السورية منذ بداية النزاع (وفي حالة الولايات المتحدة، منذ ما قبل النزاع) تأثير يُذكَر على الإجراءات الحكومية. وعلاوة على ذلك، في بعض الحالات، تمكّن حلفاء الحكومة الأثرياء في سوريا من تفادي الآثار الأكثر سلبية للعقوبات، مثل تمكّن أحد حلفاء الحكومة المقربين وابن عم الرئيس، رامي مخلوف، من الحفاظ على حسابه البنكي السويسري وعلاقته مع مكتب محاماة بنمي حتى بعد سريان مفعول عقوبات الاتحاد الأوروبي. وفي حين قد يكون للعقوبات تأثير قوي، يجب أن تُفهم في نهاية المطاف على أنها جانب واحد فقط من استراتيجية أكبر للدبلوماسية والمساءلة.
للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر.