السياسات الخاصة باللاجئين في لبنان تُفاقِم ظروف طقس الشتاء
في مطلع كانون الثاني/يناير، دُمرت مخيمات اللاجئين في لبنان بعاصفة شتوية أطلق عليها اسم “نورما”. وعلى الرغم من أن اللاجئين السوريين في لبنان أجبِروا على التكيف مع ظروف الشتاء الصعبة في الماضي، إلا أن هذا الشتاء كان شديد الصعوبة. ففي السادس من كانون الثاني/يناير، غطّى ما يقرب من نصف متر من المياه العديد من مخيمات اللاجئين برمّتها في وادي البقاع. ومنذ ذلك الحين، اضطرت أكثر من 600 عائلة لاجئة إلى الإخلاء بسبب الفيضانات، وتشير تقديرات مفوضية شؤون اللاجئين إلى أن أكثر من 22,000 لاجئ سوري تأثروا بالعاصفة. ويبقى الوضع هشاً؛ حيث تقدّر الأمم المتحدة أن 70,000 لاجئ معرضون للخطر بسبب الطقس، 40,000 منهم من الأطفال. ومع استمرار عبء طقس الشتاء الذي يثقل كاهل مخيمات اللاجئين في لبنان، يتعرض السكان لخطر متزايد.
وقد أودت العاصفة بحياة فتاة جرفتها مياه الفيضانات إلى نهر. وكانت هذه الفتاة واحدة من خمسة عشر طفلاً من النازحين واللاجئين السوريين الذين لقوا حتفهم في الشهر الماضي بسبب نقص الرعاية الطبية والمأوى الملائم. حيث توفي 14 طفلاً في مخيمات النازحين مؤخراً، في مخيم الركبان بالقرب من الحدود الأردنية وفي مخيم بالقرب من حاجين في شمال شرق سوريا. وعلى غرار الوضع في لبنان، فقد أدى الطقس إلى تفاقم الظروف الصعبة أصلاً.
ويُعتبر لبنان موطناً لأكثر من مليون لاجئ سوري، يعيش معظمهم في تجمعات سكنية عشوائية. ولم يكن طقس الشتاء هو السبب الوحيد في حدوث الأزمة الإنسانية الأخيرة؛ وإنما كانت السياسات اللبنانية تجاه اللاجئين هي التي هيأت الظروف للوضع الحالي. وقد رفض لبنان طلب الأمم المتحدة بإنشاء مخيمات دائمة، وبدلاً من ذلك قام بتقييد المواد التي يستطيع اللاجئون السوريون استخدامها لبناء المأوى لمواد تُعتبر “مؤقتة”، تتضمن بشكل رئيسي خيام مشمّعة أو صفائح حديدية مموجة (الشينكو) مدعومة بإطارات خشبية. ومن خلال اتباع سياسة أخرى تهدف إلى منع اللاجئين السوريين من اتّخاذ لبنان موطناً دائماً، تحدّ الحكومة اللبنانية من قدرة السوريين على العمل إلا بموجب تراخيص الزراعة أو البناء. ويعيش ما يقرب من 70% من اللاجئين السوريين في لبنان في فقر، حيث يجني أكثر من نصفهم أقل من 3 دولارات في اليوم.
وبالإضافة إلى تقييد عمليات مفوضية شؤون اللاجئين، بما في ذلك منع المفوضية من تسجيل لاجئين جدد ابتداءً من عام 2015، حظر لبنان أيضاً على المنظمات غير الحكومية الدولية تجربة خيارات سكنية أفضل. على سبيل المثال، عندما قام المجلس الدنماركي للاجئين بتصميم أماكن إيواء على شكل صناديق ذات أرضيات خرسانية، تم حظر بنائها لأن لبنان اعتبر هذه الميزة “دائمة للغاية”. وعلى غرار ذلك، قامت شركة الأثاث السويدية (ايكيا) بتمويل تصميم أماكن إيواء للاجئين تم اختبارها في البداية في لبنان، لكن السكان المحليين احتجوا أيضاً على الديمومة المتصوَّرة لتلك الهياكل. ولا يمكن للحكومة اللبنانية أن تدّعي أنها ببساطة لا تملك الموارد اللازمة لدعم سكن مستقر للاجئين، بينما تحاول منظمات دولية معالجة هذه الأزمة. وبدلاً من ذلك، تمنع الحكومة على نحو نشط بناء مساكن أكثر أماناً للاجئين السوريين.
ويدعو المركز السوري للعدالة والمساءلة المجتمع الدولي للضغط على لبنان للتخفيف من معاناة اللاجئين السوريين من خلال السماح ببناء مساكن مستقرة ودعم جهود التنظيف من أجل تخفيف المزيد من الضرر من العواصف الأخيرة. ولقد أدركت الحكومة بالفعل أنه يجب عليها، على أقل تقدير، اتخاذ خطوات بسيطة لتظهر أنها تخفف من آثار العاصفة. وكان رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري قد أعلن الأسبوع الماضي أنه وجّه الحكومة إلى تنظيف أربعة مصارف مياه قرب بيروت وإصلاح الطرق التي لحقت بها أضرار جسيمة بالقرب من المدينة. غير أن هذه الإجراءات غير كافية للتخفيف من محنة اللاجئين السوريين. وقد يؤدي الضغط المتزايد من قبل المجتمع الدولي على لبنان إلى اتخاذ الحكومة خطوات أكثر جدية لتحسين ظروف المعيشة للاجئين السوريين، والسماح بشكل رئيسي باستخدام مواد بناء أكثر ديمومة لتحسين ظروف السكن وبذل جهود جادة لتسهيل عملية التنظيف بعد انحسار مياه الفيضانات.
على نطاق أوسع، يجب على لبنان احترام التزاماته بموجب القانون الدولي لحماية اللاجئين. على الرغم من أن لبنان ليس من الدول الموقعة على اتفاقية اللاجئين لعام 1951، إلا أن لبنان ملزم باحترام مبدأ عدم الإعادة القسرية، وهو مبدأ ينص على أنه لا يمكن إعادة اللاجئين إلى بلدانهم الأصلية ضد إرادتهم. ويُعتبر عدم الإعادة القسرية التزاماً دعت منظمات حقوق الإنسان، بما في ذلك المركز السوري، لبنان إلى احترامه في الماضي. وبالإضافة إلى ذلك، يجب على لبنان وقف محاولاته للضغط على اللاجئين السوريين للعودة؛ وفي غياب الظروف الآمنة والضمانات الموثوقة من الحكومة السورية، لا تُعدّ العودة في الوقت الحالي خياراً لمعظم اللاجئين السوريين. وستتطلب العودة الآمنة للاجئين التوصل إلى اتفاق سلام شامل، بما في ذلك آليات العدالة الانتقالية. وإلى أن يحين ذلك الوقت، يجب على لبنان والبلدان المضيفة الأخرى أن تحترم التزاماتها بحماية مجتمعات اللاجئين.
للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر.