على الرغم من الوعود، يستمر تجنيد الأطفال في سوريا
الجنود الأطفال يخضعون لعملية تسريح في سوريا. المصدر: جنيفا كال
في الوقت الذي تروّج فيه روسيا والحكومة السورية الخطاب القائل بأن النزاع السوري ينحسر، يظل المقاتلون نشطين على الأرض، مما يعرّض المدنيين، بمن فيهم النساء والأطفال، لخطر مستمر بأن يلحق بهم أذى. كما يعني القتال أن مسألة تجنيد الأطفال لا تزال مصدر قلق مستمر في سوريا. ووجد تقرير سنوي للأمم المتحدة أن 961 حالة موثّقة من تجنيد الأطفال وقعت في سوريا في عام 2017، بزيادة قدرها 13 بالمائة عن العام السابق. وقد أدّى 90 بالمائة من هؤلاء الأطفال أدواراً قتالية، وكان أكثر من ربعهم دون سن الخامسة عشرة. ووقعت معظم الحالات في حلب وحماة وإدلب. كما وجد التقرير أن جماعات مسلحة قامت باعتقال وتعذيب أطفال كانوا ينتمون إلى فصائل مقاتلة أخرى. ويلفت المركز السوري للعدالة والمساءلة الانتباه إلى الممارسات المستمرة لتجنيد القُصّر ويدعو روسيا والولايات المتحدة وتركيا، كمؤيدين لأطراف النزاع، إلى الضغط على شركائهم من أجل الالتزام بالمعايير القانونية الدولية المتعلقة بحماية الأطفال.
ويُعتبر تجنيد الأطفال واحداً من ستة انتهاكات خطيرة ضد الأطفال حدّدتها الأمم المتحدة. حيث تم في البداية تقنين حظر تجنيد الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 15 سنة في البروتوكول الإضافي الأول والبروتوكول الإضافي الثاني. وتتضمن اتفاقية حقوق الطفل أيضاً أحكاماً تحظر تجنيد الأطفال دون سن الخامسة عشرة، واشترطت أيضاً ما يلي: “يجب على الدول الأطراف أن تسعى لإعطاء الأولوية لمن هم أكبر سناً” فيما يتعلق بالأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و18 عاماً. ويحظر البروتوكول الاختياري للاتفاقية على الجماعات المسلحة من غير الدول تجنيد أو استخدام الأطفال دون سن 18 عاماً في الأعمال العدائية المباشرة. وعلاوة على ذلك، يَعتبر نظام روما الأساسي تجنيد الأطفال دون سن الخامسة عشرة جريمة حرب.
ومؤخراً، جذبت وحدات حماية الشعب، وهي أحد مكونات قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة، انتباه مجموعات المراقبة الدولية عندما أعلنت في أيلول/سبتمبر 2018 أنها أمرت بإجراء تحقيق في وجود أطفال في صفوفها لمنع أي تجنيد إضافي للأطفال. وعلى الرغم من تطمينات وحدات حماية الشعب، فقد وقعت ثلاث حالات منفصلة لتجنيد الأطفال منذ صدور الأمر العسكري. وعلى الرغم من أن الوحدات لم تخطف الأطفال الثلاثة، إلا أنها قامت بتجنيدهم من خلال خطابات موالية لوحدات حماية الشعب، غالباً من خلال وسائل التواصل الاجتماعي لتفادي إخطار عائلات الأطفال. وتتوافق هذه القصص في وسائل الإعلام مع التوثيق الذي يقوم به المركز السوري للعدالة والمساءلة، الذي وجد أنه على الرغم من المخاوف من اختطاف الأطفال وإجبارهم على المشاركة في نزاع مسلح، فإن غالبية القُصّر الذين هم أعضاء في الوحدات انضموا “طواعية”. وتشجّع الوحدات على الالتحاق بقواتها المسلحة من خلال مساواة ذلك بالكرامة الوطنية والبطولة غير العادية والشجاعة وفرصة للحصول على ملابس وأسلحة يُحسَد المرء عليها. وغالباً ما تحدث عملية التلقين العقائدي هذه بشكل سري حتى يتمكن مسؤول التجنيد لدى وحدات حماية الشعب بإقناع القاصر بترك عائلته والانضمام إلى صفوف الوحدات.
ولكن الوحدات ليست المجموعة الوحيدة المذنبة بتجنيد الأطفال في سوريا. إذ بحسب الحالات المؤكدة لدى الأمم المتحدة في عام 2017، تم تجنيد 244 طفلاً من قبل الجيش السوري الحر، و73 من قبل القوات الحكومية والميليشيات الموالية للحكومة. كما قامت الولايات المتحدة مؤخراً بفرض عقوبات على إيران لاستخدامها الأطفال الأفغان في قوات الحرس الثوري الإسلامي التي تقاتل في سوريا. وبالنسبة لجميع هذه المجموعات، يستمر التجنيد مع الإفلات من العقاب.
وكان المركز السوري قد كتب سابقاً عن الحاجة إلى دمج الأطفال في عمليات العدالة الانتقالية بطريقة مناسبة تأخذ في الاعتبار تجاربهم الفريدة في الصراع. وعلى غرار ذلك، دعا المركز السوري إلى تقديم خدمات الدعم النفسي الاجتماعي وبرامج إعادة التأهيل كخطوات أساسية لضمان حصول الأطفال الذين نشأوا خلال النزاع على الدعم، ويُعتبر هذا الدعم مهماً بشكل خاص بالنسبة للأطفال الذين كانوا أعضاء في الجماعات المسلحة. ويجب على الولايات المتحدة وتركيا أن تستغلا موقفهما كمؤيدين لقوات سوريا الديمقراطية وبعض مجموعات الجيش السوري الحر، على التوالي، لضمان أن تتخذ القوات الشريكة تدابير فعالة لمنع تجنيد الأطفال، ويجب على روسيا أن تمارس ضغطاً مماثلاً على الحكومة السورية. وفي الوقت نفسه، ينبغي أن تواصل مجموعات التوثيق جمع المعلومات والمقابلات من الأسر التي تم تجنيد أطفالها ومن أطفال تم تجنيدهم في السابق، مع مراعاة نقاط الهشاشة الفريدة للأطفال وضمان عدم تسبب التوثيق في إلحاق ضرر إضافي بالطفل. ويمكن أن يشمل ذلك ضمان أن يقدّم كل من الطفل وأحد الوالدين موافقة مستنيرة، وأن يوضع الطفل موضع الضحية وليس الجاني، وتوفير الوصول إلى خدمات الدعم النفسي الاجتماعي للأطفال المتضررين. ويهدف المركز السوري ومجموعات التوثيق الأخرى إلى الحصول على فهم أفضل لطرق التجنيد وآثار التجنيد في سوريا على عمليات العدالة الانتقالية المستقبلية، مع إعطاء الأولوية لحماية الأطفال وإعادة تأهيلهم.
للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر.