العيون على إدلب: إعطاء الأولوية للملف السوري في الجمعية العامة للأمم المتحدة
قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة في مدينة نيويورك، حيث سيُعقد الأسبوع رفيع المستوى هذا الشهر. الصورة من ويكيبيديا
في الأسبوع القادم، سيجتمع رؤساء الدول ووزراء الخارجية في الأمم المتحدة في نيويورك في الأسبوع السنوي رفيع المستوى خلال الدورة الثالثة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة. وستكون الأزمة الإنسانية الوشيكة في إدلب حاضرة في خلفية هذه الاجتماعات. حيث لا يزال سكان إدلب البالغ عددهم ثلاثة ملايين تحت تهديد الهجوم الوشيك لاستعادة السيطرة على آخر منطقة تسيطر عليها المعارضة في سوريا. وتواصل الحكومة السورية حشد قواتها على مشارف المنطقة وإلقاء منشورات تحذّر من هجوم وشيك. ويبقى سكان إدلب في وضع هش للغاية بسبب الكثافة السكانية العالية للمنطقة والافتقار إلى البنية التحتية، وقد نزح أكثر من 30 ألف شخص بعد حملة قصف تمهيدية. وردّاً على التصعيد السريع للتهديدات من قبل الحكومة السورية، خرج سكان إدلب إلى الشوارع في جمعتين متتاليتين مطالبين، من بين جملة من الأمور، بالحماية الدولية من التهديد الذي تفرضه الحكومة السورية. وإن أكثر من نصف سكان إدلب الحاليين هم نازحون من مناطق أخرى، ويعبّرون عن استيائهم من التهديدات المتكررة لسلامتهم. حيث وضّح أحد سكان إدلب قائلاً، “لقد أمضيت سنواتي الأخيرة من مكان إلى آخر، هرباً من الاشتباكات والقصف العنيف”. وعبّر آخر عن شعوره بالإحباط من احتمال الاضطرار إلى الرحيل مرة أخرى، “عليّ أن أنقذ عائلتي. كل ما نريده هو أن نبقى في منازلنا ونعيش حياتنا”.
وفي الأسبوع الماضي، أكد المبعوث الخاص للأمم المتحدة ودول معنية أخرى على ضرورة ممارسة الضغط على أطراف النزاع للتوصل إلى تسوية سياسية للوضع في إدلب. وفي السابع من أيلول/سبتمبر، التقى رؤساء تركيا وروسيا وإيران في طهران، ولكن لم يتم التوصل إلى اتفاق. وفي الوقت نفسه، عقد مجلس الأمن الدولي جلسة طارئة، قدّم خلالها المبعوث الخاص للأمم المتحدة دي ميستورا إحاطة إلى مجلس الأمن من جنيف، وحثّت الدول الأعضاء، بما في ذلك الولايات المتحدة وفرنسا، سوريا وروسيا على الامتناع عن شنّ هجمات عشوائية على المناطق المدنية وحذّرت من استخدام الأسلحة الكيميائية. وتم التعبير عن تحذيرات مماثلة خلال الجلسة الثانية لمجلس الأمن الدولي بشأن إدلب يوم 11 أيلول/سبتمبر. وعلى الرغم من التركيز على إدلب، إلّا أن المبعوث الأممي الخاص دي ميستورا مضى قُدماً في الخطط لنقاشات مسار أستانا حول اللجنة الدستورية السورية يوم الثلاثاء في جنيف. وقد بدى أن النقاشات في الاجتماعات السابقة في أستانا تغفل عن واقع الوضع في سوريا. وينبغي أن ينصبّ تركيز المبعوث الخاص على وقف الأعمال العدائية كشرط أساسي للنقاشات المتعلقة بالدستور.
وخلال الأسبوع القادم في الأمم المتحدة، يجب أن يكون الوضع في إدلب موضوعاً محورياً للنقاش. حيث يواجه المجتمع الدولي عدداً هائلاً من القضايا الملحّة لنقاشها خلال الأسبوع رفيع المستوى، بما في ذلك اليمن وميانمار. وإن ازدياد الشعور بالسّأم فيما يتعلق بالنزاع السوري وما ينتج عنه من أزمة لاجئين قد يدفع الدول إلى قبول الخطاب السوري والروسي الذي يزعم بأن النزاع يشرف على الانتهاء. ولا تزال الدول الأوروبية تواجه ضغوطاً لإعادة اللاجئين، مع تأثير كبير من مختلف الأحزاب اليمينية في أوروبا. وبالإضافة إلى ذلك، فقد أبرز المركز السوري للعدالة والمساءلة السبل المختلفة التي حاولت بها الحكومة السورية في الأشهر الأخيرة “حلّ” القضايا المتعلقة بالنزاع على أساس شروطها التعسفية وغير العادلة، بما في ذلك إصدار شهادات الوفاة بالجملة لأشخاص ماتوا في السجون السورية والتعامل مع مسألة استرداد الممتلكات من خلال القانون رقم 10. ولكن ينبغي للمجتمع الدولي ألا ينقاد وراء الوهم القائل بأن الصراع يقترب من نهايته، ولاسيما في وقت قد يؤدي فيه احتمال وقوع هجوم جوي شامل ومعركة برّية إلى خطر حدوث المزيد من عدم الاستقرار والنزوح في إدلب.
وفي حين يُقرّ المركز السوري للعدالة والمساءلة بأن هناك العديد من القضايا التي يتعيّن على الدول مناقشتها في الأسبوع المقبل، إلا أن سوريا تظل موضوعاً بالغ الأهمية بالنسبة للمجتمع الدولي. ولهذه الغاية، يدعو المركز الدول إلى القيام بما يلي خلال الأسبوع رفيع المستوى:
1) التعبير عن التزام قوي بمفاوضات مسار جنيف بما يتماشى مع القرار 2254. وعلى غرار ذلك، ينبغي على الدول أن تضمن بألا تُلقي محادثات أستانا بظلالها على الحاجة إلى تسوية سياسية للوضع في إدلب، حيث أن اللجنة الدستورية لن تنجح بالاقتران مع حملة عسكرية مستمرة.
2) إعطاء الأولوية لحماية المدنيين في إدلب. وبدلاً من اللجوء الفوري إلى عمليات الإخلاء أو نقل السكان التي لم تكن سلمية أو طوعية في السابق، يجب على الدول الضغط على أطراف النزاع للامتناع عن استخدام الأسلحة العشوائية أو الاستهداف المتعمّد للمناطق المدنية. ويجب أن يكون للجهود الحقيقية للتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار الأسبقية على تمهيد الطريق للقيام بعمل عسكري طائش.
3) المطالبة بآلية مراقبة قوية كجزء من أي اتفاق لوقف إطلاق النار يتم التفاوض عليه لضمان الامتثال لجميع أحكام الاتفاق. ويعرف المدنيون في سوريا جيداً أن اتفاقات وقف إطلاق النار السابقة قد انتُهكت دون عواقب، مثل الاتفاقات في حلب في كانون الأول/ديسمبر 2016، ودرعا في تموز/يوليو 2017، والغوطة الشرقية في شباط/فبراير 2018.
4) الدعوة إلى مساءلة المسؤولين عن الفظائع في سوريا ومطالبة الآلية الدولية المحايدة والمستقلة (IIIM) بتقديم إحاطة عملية لأنشطتها والتقدّم الذي أحرزته خلال العام الماضي.
وسوف تتنافس العديد من القضايا على جذب الاهتمام في الأمم المتحدة الأسبوع المقبل، لكن محنة سوريا، وتحديداً المدنيين في إدلب، يجب ألا يتم تهميشها.
للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر.