دي ميستورا: صمتك كان أفضل!
متظاهر في إدلب يحمل لافتة كتب عليها “دي مستورا: صمتك كان أفضل”. الصورة لـ مركز المعرة الإعلامي
على الرغم من تحذيرات المجتمع الدولي، يبدو أن الحكومة السورية وحليفتها روسيا ماضيتان في تنفيذ تهديداتهما لاستعادة السيطرة على إدلب. ففي يوم الثلاثاء الماضي، شنّت طائرات سورية وروسية غارات جوية بالقرب من جسر الشغور على مشارف المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، مما أسفر عن مقتل اثني عشر مدنياً. ولا يزال الوضع في إدلب متردّياً. حيث أدّت عمليات تهجير السكان إلى تجمع قرابة ثلاثة ملايين شخص في إدلب، نصفهم نازحون من مناطق أخرى. وإن الكثافة السكانية العالية والافتقار إلى البنية التحتية في مخيمات النازحين بشكل خاص تترك مناطق شاسعة من المحافظة عُرضة للهجوم بشكل خاص.
وكان ردّ المبعوث الخاص للأمم المتحدة ستافان دي ميستورا على الكارثة الإنسانية الوشيكة في إدلب ضعيف بشكلٍ يبعث على الأسى. حيث أصدر دي ميستورا بياناً في 30 آب/أغسطس أعلن فيه “أنا مستعد مرة أخرى…شخصياً وجسدياً، للمشاركة بنفسي…لضمان أن هذا الممر المؤقت سيكون مجدياً ومضموناً للشعب حتى يتمكنوا من العودة إلى ديارهم حال انتهاء هذا الأمر”. إن عرض دي ميستورا الواضح لوضع نفسه جسدياً على الأرض في إدلب يشير إلى فهم منقوص لدوره وتأثيره على اللاعبين الرئيسيين في النزاع؛ إذ أن فكرة وجوده بمفرده سيضمن المرور الآمن للمدنيين هي فكرة ساذجة. ففي غياب مراقبين للأمم المتحدة على الأرض في سوريا والإقرار برفض تركيا المستمر لفتح الحدود، لا ينبغي للمبعوث الخاص أن يقدّم تطمينات لسكان إدلب هو غير قادر على الوفاء بها.
وردّاً على بيان دي ميستورا في 30 آب/أغسطس، خرج المتظاهرون إلى الشوارع في أكثر من 20 بلدة في إدلب للتنديد بالعدوان الروسي على المنطقة وردّ المبعوث عليه. حيث أفادت الشعارات التي رفعت في الاحتجاجات بأن المظاهرات “تهدف إلى أن تثبت للعالم بأسره أن الشمال السوري…سيقف ضد أولئك الذين يريدون إيذاءهم”. ويدرك السوريون في إدلب أنهم إذا غادروا، فإن الحكومة ستستعيد السيطرة على المنطقة وستدمّر منازلهم وسُبل عيشهم. وحمل المحتجون رسائل مثل “إدلب أرضنا سنحيا عليها ونموت من أجلها”. وحمل العديد من المتظاهرين لافتات موجهة خصيصاً إلى دي مستورا، مثل “دي ميستورا: صمتك كان أفضل“.
إن انتقاد بيان المبعوث الخاص من جانب المحتجين مبرّر، إذ يقترح المبعوث الخاص تهجير السكان بدلاً من اقتراح حل لتجنّب أي هجوم. ولقد فشل دي مستورا من قبل في الاعتراف بالأخطار الحقيقية والوشيكة التي تصاحب عمليات تهجير السكان. ففي إحاطة لمجلس الأمن في نيسان/أبريل 2017، لم يذكر دي مستورا أي ضرر لحق بالمدنيين أثناء عمليات التهجير الناتجة عن اتفاقات خفض التصعيد في حمص والغوطة، في حين أقرّ التقرير الصادر عن لجنة التحقيق الدولية المستقلة بأن عمليات التهجير كانت قسرية. وعلى غرار ذلك، وصف تقرير لجنة التحقيق الدولية النزوح القسري للمدنيين من خلال اتفاق بوساطة الأمم المتحدة في حلب بأنه جريمة حرب. ولدى المبعوث الخاص تاريخ في تقديم تحديثات للأمم المتحدة لا تتطابق مع الواقع على الأرض في سوريا، بما في ذلك تجنّب إلقاء اللوم على الحكومة السورية لتعطيل محادثات السلام، واستخدام وصف “ميزة عسكرية” بدلاً من “جرائم حرب”، وتقديم تقييمات إيجابية بشكل مبالغ فيه للتقدّم المُحرز في أستانا. وفي الآونة الأخيرة، خرج المبعوث الخاص عن آلية التحقيق المشتركة بين منظمة حظر الأسلحة الكيميائية والأمم المتحدة في إلقاء اللوم على الجانبين في شن هجمات بالأسلحة الكيميائية. وإذا كان دي ميستورا غير مستعد للاعتراف بواقع الوضع على الأرض، وكذلك الأضرار التي قد يتسبب فيها تهجير السكان، فإن آفاق التوصّل إلى تسوية سلمية في إدلب تبقى غير محتملة.
وإذا لم يتم التوصل إلى حل في إدلب وتم تشريد الملايين، يجب أن تكون الأمم المتحدة مستعدة لانهيار عملية جنيف للسلام. وسوف تتعرض عملية أستانا للتهديد كذلك، حيث يرجّح أن تعلق تركيا مشاركتها إذا أجبر الهجوم مئات الآلاف من المدنيين على عبور حدودها. وإذا كان تهجير السكان هو فعلاً أفضل حلّ يمكن أن يقدّمه دي ميستورا، فعليه أن يهدّد بالاستقالة بدلاً من قبول حتمية المزيد من النزوح. ويجب أن يفهم دي ميستورا أن عمليات الإخلاء هذه ليست سلمية ولا طوعية، ويمكن أن ترقى إلى جرائم حرب.
ويجب أن يركّز حلّ الوضع في إدلب على وقف الأعمال العدائية والدعوة إلى مفاوضات حقيقية. وإن استمرار التركيز على ملف الدستور في أستانا يشير إلى أن دي ميستورا يتجاهل حقيقة الوضع على الأرض مرة أخرى ويسمح بإجراء مفاوضات دون أخذ نوايا الحكومة السورية بعين الاعتبار. وينبغي أن يفهم المبعوث الخاص أنه لا يمكن للجنة دستورية أن تنجح في ظل حملة عسكرية مستمرة تحدث في الخلفية. وإن وقف إطلاق النار في إدلب والوقف الشامل للأعمال القتالية شرط أساسي لنجاح المفاوضات، ويجب ألا يكون مجرد فكرة ثانوية.
ويراقب المركز السوري للعدالة والمساءلة وغيره من منظمات حقوق الإنسان الوضع في إدلب وأعربوا عن قلقهم إزاء الكارثة الإنسانية المحتملة التي قد تحدث. وقد ناشد زعماء العالم، بمن فيهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والأمين العام أنطونيو غوتيريس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والبابا فرانسيس، أطراف النزاع بالسعي إلى حل دبلوماسي للنزاع وتجنب أزمة إنسانية شبه مؤكدة. وإذا اختارت الحكومة السورية القيام بحملة عسكرية كاملة في إدلب، فإن ذلك القرار قد يعرقل مفاوضات الأمم المتحدة وأمل التوصّل إلى تسوية سلمية للنزاع إلى أجلٍ غير مسمّى.
لمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر.