مأساة إنسانية تلوح في الأفق مع اقتراب معركة إدلب
الدمار الذي خلفه الهجوم على مخيم كمونة شمال إدلب في 2016. سورة من ابراهيم عمر
استعادت الحكومة السورية، على مدار العام الماضي، السيطرة على الأراضي في مختلف أنحاء البلاد، بما في ذلك تم استعادة جميع المناطق التي يُطلق عليها “مناطق خفض التصعيد” باستثناء منطقة واحدة. وبعد الاستيلاء على كل منطقة من هذه المناطق، يتم إجلاء المدنيون والثوار إلى المنطقة الوحيدة المتبقية التي تسيطر عليها المعارضة، إدلب. وبينما تتطلع الحكومة السورية إلى استعادة السيطرة على كامل البلاد، فإن احتمال شن هجوم لاستعادة إدلب يلوح في الأفق. حيث ألقت الحكومة السورية مؤخراً منشورات على مدينة إدلب تدعو المدنيين للتعاون مع الحكومة وتشير إلى أن التعاون “سيحرركم من حكم المسلحين والإرهابيين، وسيحافظ على حياتكم وحياة أسركم”. ولكن مع زيادة الضربات الجوية الأسبوع الماضي، يبدو أنه من غير المحتمل التوصل إلى حل سياسي. وقد صرّح الأسد أن إدلب أصبحت الآن أولوية. إن معركة استعادة إدلب ستؤدي إلى دمار إنساني. ومن شأن ذلك أن يعرّض حياة مليوني مدني للخطر، بما في ذلك أكثر من مليون شخص من النازحين داخلياً من الفئات الأكثر استضعافاً. وينبغي أن تستمر تركيا في الضغط على روسيا لوقف أي دعم للهجوم السوري على إدلب، وفي المقابل، ينبغي أن تدعو إلى حلٍ سياسي. وينبغي على القادة الدوليين، بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، تشجيع أطراف النزاع على العودة إلى عملية سلام تقودها الأمم المتحدة، ودعوة تركيا إلى ضمان وصول مراقبي الأمم المتحدة إلى نقاط المراقبة المتقدّمة في إدلب، وصياغة خطط بشأن أفضل طريقة لدعم المدنيين والفئات الأكثر ضعفاً إذا بدأت عملية الاجتياح.
ومنذ آب/أغسطس 2016، أدت سلسلة من 15 اتفاق مصالحة على الأقل بين الحكومة ومجموعات الثوار إلى نقل المقاتلين والمدنيين إلى إدلب. حيث وصل أكثر من 80 ألف منهم خلال الأشهر الستة الماضية من الغوطة الشرقية ودمشق وحمص. ومؤخراً، نتج عن اتفاق درعا نقل آلاف الأشخاص إلى إدلب، وما زالت الحافلات تصل إلى المدينة حتى نهاية الأسبوع الماضي. تعد عمليات النقل هذه غير طوعية إلى حدٍ كبير، حيث لم يكن لدى السكان سوى خيار النقل أو التعرّض لقصف متواصل. وبعد مرور عامين منذ بدء عمليات التهجير القسري، يعيش الآن أكثر من مليون نازح في محافظة إدلب، وجميعهم يتعرّضون الآن لتهديد من الحكومة ذاتها التي أشرفت على تهجيرهم.
ويعاني هؤلاء النازحون بالفعل من نقص في الدعم الإنساني والخدمات الصحية والتشغيل. وهم أيضاً عُرضة للهجوم بشكل كبير. وقد سبق أن أظهرت الحكومة السورية وروسيا استعدادهما لاستهداف مخيمات النازحين واللاجئين (مثل حمّاد الشامي ومخيم يمادي على سبيل المثال لا الحصر). ويعيش العديد من النازحين في إدلب في مدن من الخيام البدائية التي تفتقر حتى إلى أبسط احتياطات السلامة. إن الكثافة السكانية العالية لهذه المخيمات تعني أنه حتى طلقة ذخيرة واحدة يمكن أن تكون شديدة الفتك، ولا توفّر الخيام نفس القدر من الحماية المادية التي توفرها البنية التحتية الدائمة للمدينة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن المسافة الصغيرة بين الخيام تزيد من احتمال انتشار حريق ناجم عن الهجوم، مما قد يدمّر مساكن وإمدادات مئات الأشخاص. وقام شركاء المركز السوري للعدالة والمساءلة بجمع مقابلات في مخيمات النازحين في إدلب حيث لا تتوفر خدمات طبية، مما يُبقي النازحين بلا رعاية طبية في حالة التعرّض لهجوم. وبالإضافة إلى جميع نقاط الضعف هذه، لم يبقَ لدى الأشخاص النازحين والسكان المحليين أي أماكن يفرّون إليها، حيث أغلقت تركيا حدودها أمام اللاجئين، وإدلب هي المنطقة الوحيدة المتبقية تحت سيطرة الثوار. وتحذّر الأمم المتحدة من أن أي هجوم سوري يمكن أن يسفر عن أسوأ مأساة إنسانية، مشيرة إلى أن الظروف القاسية أصلاً يمكن أن تصبح أسوأ 100 مرة.
وإن المعركة العسكرية لاستعادة إدلب ليست حتمية بعد، وينبغي على أولئك الذين يشاركون بشكل مباشر في المفاوضات، بما في ذلك روسيا وتركيا، مواصلة الضغط على حكومة الأسد لممارسة ضبط النفس في إدلب. حيث أن تركيا ستخسر الكثير في حالة أي هجوم سوري، وفي المقابل ستتحسّن سمعة روسيا إذا أمكن تجنّب معركة دامية. واستعداداً لهجوم محتمل، يتعيّن على الأمم المتحدة أن تطلب إمكانية الوصول الفوري والكامل عبر تركيا إلى شمال غرب سوريا من أجل قوافل المساعدات الإنسانية للتأهب للاحتياجات التي ستظهر. وبالإضافة إلى ذلك، يجب على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ممارسة مزيد من الضغط على أطراف النزاع للعودة إلى عملية السلام بقيادة الأمم المتحدة، مع التركيز على حل سياسي لإدلب. وفي حالة الهجوم، يجب على الأمم المتحدة أن تطلب الوصول إلى نقاط المراقبة التركية الاثنتي عشرة في إدلب للضغط على القوات الروسية والسورية لتجنب انتهاكات القانون الإنساني. وبالإضافة إلى ذلك، يجب على مجلس الأمن دعوة تركيا لفتح حدودها في حالة الهجوم السوري لتوفير ملاذ آمن للمدنيين الفارّين من الهجوم. وفي الوقت الذي يلوح فيه هجوم على إدلب في الأفق، يجب أن يستخدم المجتمع الدولي جميع الخيارات المتاحة تحت تصرّفه لتشجيع حماية السكان الأكثر ضعفاً في إدلب ومنع وقوع أزمة إنسانية أخرى.
لمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر.