1 min read

تعزيز مجلس حقوق الإنسان وليس التخلي عنه

مجلس حقوق الإنسان في جنيف. الصورة للأمم المتحدة في جنيف

في الشهر الماضي، انسحبت الولايات المتحدة رسمياً من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، واصفةً المجلس بأنه “حامي منتهكي حقوق الإنسان وبؤرة للتحيّز السياسي”. وعلى الرغم من أن قلة من الناس فقط قد يعلقون بأن الإصلاحات ليست ضرورية، إلا أن توجيه الانتقادات جزافاً لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة يتجاهل بأن المجلس قد وفّر واحدة من المساحات الوحيدة للتفاعل المباشر بين المدافعين عن حقوق الإنسان والأمم المتحدة، وأنه على مدى السنوات السبع الماضية ما فتئ المجلس يسلّط الضوء باستمرار على الفظائع المرتكبة في سوريا، في حين كان مجلس الأمن يتخبّط في مأزق سياسي. وينبغي للدول الأعضاء أن تواصل جهودها لتمكين مجلس حقوق الإنسان من خلال تعزيز علاقته مع المجتمع المدني وضمان أن يرتبط عمله بشكل أفضل بعمل الجمعية العامة ومجلس الأمن.

تم إنشاء مجلس حقوق الإنسان في عام 2006 وتم تكليفه بحماية حقوق الإنسان والحفاظ عليها. ولدى المجلس عدد من السُّبل التي يمكن من خلالها تحقيق هذه الولاية، بما في ذلك عن طريق وضع إجراءات خاصة (مثل لجان التحقيق) للتحقيق في حالات انتهاكات حقوق الإنسان واستضافة الاستعراض الدوري الشامل (UPR) لتقييم سجل حقوق الإنسان لجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة كل أربع سنوات ونصف. وعلى الرغم من النجاحات التي حققها المجلس، فإنه يعاني أيضاً من عددٍ من أوجه القصور التي قام خبراء آخرون بتغطيتها بالكامل في تقارير أكثر شمولاً. ولغرض هذا المقال، سيركز المركز السوري للعدالة والمساءلة على مجالين محدّدين بحاجة إلى إصلاح ولهما أهمية خاصة لسوريا:

إشراك المجتمع المدني: تمثّل مشاركة المجتمع المدني، لاسيما خلال الاستعراض الدوري الشامل ومن خلال إجراءات الشكاوى، حجر الزاوية في عمل المجلس. وفي حين أن مقرّ الأمم المتحدة في نيويورك نادراً ما يهتم بمشاركة مُجدية من قبل المجتمع المدني، فقد أوجد مجلس حقوق الإنسان باستمرار مساحة للمدافعين عن حقوق الإنسان. ولا يقتصر دور هذه المشاركة على استرشاد عمل المجلس بها، بل إنها تمكِّن المجتمع المدني من تعزيز الشبكات المهنية وتوفير فرص لبناء القدرات والمناصرة والتمويل. ولكن هناك حاجز أمام دخول العديد من الجماعات والناشطين. إذ غالباً ما لا يكون لمنظمات المجتمع المدني المهمة، لكن الأقل شهرة، نقطة دخول إلى المجلس ما لم يتم إجراء الربط من خلال وسيط والذي عادة ما يكون عبارة عن منظمات حقوق إنسان دولية أكبر حجماً. بالإضافة إلى ذلك، لطالما تعرّض نشطاء حقوق الإنسان لأعمال انتقامية لتعاونهم مع المجلس، مثل الاعتقال الشائن للمدافع عن حقوق الإنسان المصري إبراهيم متولي وهو في طريقه إلى جنيف. ويجب أن يعمل المجلس مباشرة مع الجمعية العامة لضمان حماية أولئك الذين يتعاملون مع الأمم المتحدة، وبأي صفة، من التعرّض للانتقام في بلادهم. وبالرغم من أن المجلس اقترح في السابق تعيين مسؤول رفيع المستوى ليكون بمثابة مسؤول ارتباط للرد على الأعمال الانتقامية، إلا أن هذه الجهود قد عرقلتها الجمعية العامة. ويجب على المجلس والدول الأعضاء اتخاذ إجراءات أكثر تضافراً لإحياء هذا الجهد وضمان سلامة المدافعين عن حقوق الإنسان الذين تشكّل جهودهم جزءاً لا يتجزأ من عمل المجلس.

عزل حقوق الإنسان: عند إنشاء مجلس حقوق الإنسان، أكدت الأمم المتحدة من جديد أن السلام والأمن والتنمية وحقوق الإنسان مرتبطة ارتباطاً وثيقاً، ولا يمكن تحقيق أحدها دون الآخر. ومع ذلك، فإن المجلس، الذي يتّخذ من جنيف مقراً له، كان تاريخياً قد عزل عن المشاركة في الأنشطة السياسية في مدينة نيويورك، حيث توجد فرص أكبر لاتّخاذ إجراء في مجلس الأمن والجمعية العامة. ونتيجة لذلك، لم يتمكن المجلس من الإحاطة بالشؤون المتعلقة بحقوق الإنسان بفعالية، كما اتضح في الجهود التي يبذلها في سوريا. فبعد أشهر قليلة من اندلاع النزاع، أنشأ المجلس لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الجمهورية العربية السورية (COI)، وعلى مدار السنوات السبع الماضية، يقدّم بانتظام إحاطات وينشر تقارير معمّقة عن انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا. ورغم أن المجلس شدّد على عمل اللجنة من خلال جلسات استماع منتظمة، إلا أن هذه النتائج لم تُترجم إلى تغييرات في السياسات في مجلس الأمن. وفي الواقع، غالباً ما تكون النقاشات السياسية في الأمم المتحدة في نيويورك تتعارض مباشرة مع نتائج لجنة التحقيق الدولية، كما أشار المركز السوري للعدالة والمساءلة إلى ذلك في وقت سابق. حيث لا تُقدَّم إحاطات لجنة التحقيق الدولية إلى مجلس الأمن إلا بطلب من أعضاء مجلس الأمن ويتم عقدها عموماً وفقاً لصيغة أريا، مما يعني أنها ليست جلسات رسمية ولا تتطلّب حضور جميع الأعضاء. ومن شأن الإحاطات المنتظمة، الرسمية، سواء من جانب المجلس عموماً أو من خلال إجراءات خاصة فردية، أن تضمن أن العمل التحقيقي المهم الذي يجري في جنيف يصل إلى أكثر الأطراف قدرة على التصرف بناء عليه. والأهم من ذلك، أنه سيعيد التأكيد على مركزية حقوق الإنسان في عمل مجلس الأمن.

وإن العمل الذي تقوم به لجنة التحقيق الدولية ومجلس حقوق الإنسان بشكل عام يُبقي سورية في طليعة الضمير العالمي. وينبغي ألا تسمح الولايات المتحدة لمخاوفها من عمل المجلس بأن تلقي بظلالها على الدور الهام الذي يضطلع به المجلس في تعزيز حقوق الإنسان على الصعيد العالمي. وبصفتها عضواً في كل من مجلس حقوق الإنسان ومجلس الأمن، كان بوسع الولايات المتحدة استخدام موقفها للتصدّي لتحديات المجلس. ولكن بعد قيام الولايات المتحدة بالتخلي عن هذا الموقف، يتعيّن على دول أخرى ملء الفراغ وإعادة تكريس نفسها لإصلاح وتعزيز مجلس حقوق الإنسان. وفي حين أن هناك مجموعة من التحسينات التي يمكن، بل وينبغي، إجراؤها على عمل المجلس، فإن ضمان وصول المجتمع المدني إلى المجلس، وأن يتم الاستماع لأعمال المجلس في الجمعية العامة ومجلس الأمن، يُعتبر مهماً لتحسين نوعية أعمال المجلس، وزيادة فرصة أن يكون له تأثير حقيقي.

لمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected].