دعم الناجين السوريين خلال إجراءات العدالة
المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. الصورة للأمم المتحدة
في عام 1998، أعلنت الأمم المتحدة في قرارها رقم 52/149 يوم 26 حزيران/يونيو يوماً دولياً لمساندة ضحايا التعذيب وذلك بهدف التوعية بانتشار التعذيب وحظره المطلق بموجب القانون الدولي. والآن، وبعد مرور عشرين عاماً، يستمر النضال من أجل القضاء على التعذيب، ولكن في سوريا، لا تزال هذه الممارسة شائعة ليس في نظام السجون المشين للحكومة فحسب، بل أيضاً في نقاط التفتيش، وفي المنازل، وفي العديد من الجماعات المسلحة غير التابعة للدولة والتي تشكّلت منذ بدء الصراع. ويقوم المركز السوري للعدالة والمساءلة بتوثيق التعذيب ويناصر تحقيق العدالة للناجين؛ ولكن الناجين يحتاجون إلى مجموعة كاملة من المساندة، بما في ذلك الرعاية الطبية والنفسية الاجتماعية، غير أن الجهات الفاعلة في مجال العدالة غير مهيّأة لتقديمها. وفي ضوء الأنباء الأخيرة عن مذكّرة التوقيف التي أصدرتها ألمانيا بحقّ المسؤول الأمني السوري جميل الحسن، والتي اعتمدت على شهادات ناجين سوريين من التعذيب، من الضروري النظر في كيف يمكن للجهود المبذولة لتحقيق العدالة للسوريين في المحاكم الأوروبية أن تتضمن الاحتياجات المتنوعة للناجين الذين هم بمثابة مقدّمي شكاوي وشهود، ورفع الوعي في أوساط اللاجئين حول أنواع الخدمات المتاحة في البلدان التي تستضيفهم.
ويمكن أن تكون القدرة على المشاركة المباشرة في عمليات العدالة، في حد ذاتها، جانباً مهماً من جوانب التعافي للناجين، مما يتيح لهم اكتساب شعور بالتحكم بتجاربهم وتحقيق الانتصاف. ومع ذلك، فإن مشاركة التجارب حول الفظائع المروّعة أثناء التوثيق أو في إطار إجراءات العدالة يمكن أن يكون صعباً ومن المحتمل أن يعيد الشعور الصدمة. حيث يعاني العديد من الناجين من التعذيب من آثار نفسية طويلة الأجل، بما في ذلك الاضطراب النفسي ما بعد الصدمة (PTSD) والاكتئاب والقلق وكلها يمكن أن تتفاقم من خلال معاودة تذكّر الصدمة النفسية. وبالنسبة للمليون لاجئ سوري الذين أعادوا بناء حياتهم في أوروبا، تتفاقم الصدمات النفسية الناتجة عن الحرب بتجربة الهجرة وصعوبة العيش في بلد أجنبي. حيث يعاني اللاجئون في أوروبا بسبب فقدان الثقافة واللغة والانفصال عن أحبائهم وصعوبة الاندماج في مجتمعاتهم الجديدة. وما يضاعف من هذه المعاناة، هو عدم امتلاك العديد من اللاجئين المعرفة المحلية أو المهارات اللغوية للوصول إلى الخدمات النفسية الاجتماعية. وبالنسبة للبعض، يصبح التفاعل مع سلطات إنفاذ القانون فيما يتعلق بالقضايا الجنائية الدولية مصدراً إضافياً للإجهاد والتوتر. ويوجد لدى العديد من السوريين انعدام ثقة عميق في سلطات إنفاذ القانون ويشعرون بالقلق من أن المشاركة في قضايا قضائية قد تؤثر على وضعهم كمهاجرين.
ويقع على عاتق أولئك الذين يعملون مع الناجين أن يحدّوا من مخاطر التعرّض لمزيد من الضرر والنظر في آثار أفعالهم على رفاه الناجين خلال عمليات العدالة، وهي فلسفة تم التعبير عنها في مبدأ “لا ضرر ولا ضرار”. وبالنسبة للمنظمات المختصة بالتوثيق مثل المركز السوري للعدالة والمساءلة، فإن مبدأ “لا ضرر ولا ضرار” يعني تنفيذ سياسات الحصول على الموافقة المستنيرة، وإجراء مقابلات تراعي الصدمة النفسية، وإحالة الناجين إلى الخدمات الطبية والنفسية الاجتماعية ذات الصلة. وفي حين أن الموافقة المستنيرة وممارسات المقابلات التي تراعي الصدمة النفسية تبقى متشابهة بغض النظر عن مكان وجود الضحية، فإن مسارات الإحالة معقّدة بسبب الهجرة. وعلى الرغم من أن الدول الأوروبية المضيفة تتمتع في الغالب بخدمات دعم أكثر مما هو متوفر في سوريا أو الدول المجاورة لسوريا، إلا أن المزاولين الأوروبيين قد لا يكونون بالضرورة مدرَّبين على معالجة الصدمات النفسية المرتبطة بالصراع، وعلى الأرجح أنهم لا يتحدثون العربية، وقد لا يكونون على دراية بالمواقف الثقافية التي تؤثر على التوتر والإجهاد الذي يشعر به اللاجئون السوريون وقدرتهم على التحمّل.
ومع الأخذ في الاعتبار الضغوطات الإضافية في أوساط مجتمعات اللاجئين في أوروبا، ينبغي على مجموعات التوثيق والجهات الفاعلة في مجال العدالة أن تضع بروتوكولات إضافية لدعم مجتمعات اللاجئين، بدءاً ببرامج التوعية التي تُثقِّف اللاجئين بشأن إمكانية تطبيق العدالة ضمن الولاية القضائية التي يعيشون فيها وبتوافر خدمات المساندة في المنطقة. وللقيام بالأمر الأخير، ينبغي على منظمات المجتمع المدني ومكاتب الادعاء العام الذين يعملون على قضايا في أوروبا أن يقوموا بالتواصل مع مستشارين نفسيين ومهنيين طبيين يتمتعون بالمهارات والخبرات اللازمة لعلاج السوريين الناجين من الصدمات النفسية. ويجب أن يُنظر إلى هؤلاء المهنيين كحلفاء في تقديم مساندة شاملة للناجين. وعلى غرار ذلك، ينبغي أن يكون لدى مقدّمي الخدمات الذين يعملون مع مجتمعات اللاجئين في أوروبا المعرفة والموارد لإبلاغ عملائهم بشأن الاتصال بسلطات إنفاذ القانون إذا كان لديهم سبب للاعتقاد بأن ذلك الشخص قد وقع ضحية جريمة خطيرة.
وبالنسبة للناجين من التعذيب الذين هم شهود في إجراءات جنائية في أوروبا، يجب أن يتم دمج الدعم النفسي المستمر في العملية بأكملها، حيث قد يُطلب من الناجي أن يعيد سرد قصته مراراً وتكراراً خلال مجرى التحقيق والمحاكمة. وهناك عدد من البرامج القائمة التي يمكن أن توفّر أطر عمل محتملة، بما في ذلك برنامج في المحكمة الجنائية الدولية (ICC)، والتي كان لدى شهودها، وفقاً لتقرير عام 2014، تجارب إيجابية بشكل عام مع الرعاية النفسية التي تلقّوها.
لقد أصبح الاستخدام واسع النطاق للتعذيب أحد السمات المميّزة للصراع السوري. وإن إنهاء هذه الممارسة اللاإنسانية، ومحاسبة الجناة، وتوفير الدعم للناجين كلها خطوات متكاملة في خلق مستقبل ينعم بالسلم والعدل للسوريين. وبما أن اليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب يسير على خطى اليوم العالمي للاجئين، دعونا لا ننسى الدور الهام الذي يمكن أن يلعبه أولئك الذين يعملون من أجل العدالة في تقديم مساندة شاملة للناجين السوريين الذين أجبروا على الفرار والانتقال إلى أماكن مختلفة في العالم.
لمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected].