جميل الحسن والتحديات المرتبطة بالاختصاص القضائي العالمي
نافورة العدالة في فرانكفورت. الصورة من ويكيبيديا
نشرت مجلة دير شبيغل الألمانية في عددها الجمعة 8 يونيو خبراً يفيد بأن المدّعي العام الألماني أصدر مذكرة اعتقال بحق جميل الحسن، مدير إدارة المخابرات الجوية السورية، والذي توجه إليه أصابع الاتهام حول تنفيذ حملة قتل وتعذيب داخل مراكز الاحتجاز التابعة للإدارة. وتأتي هذه المذكرة ثمرة عمل استمر سنوات من قبل فريق سوري من محامين ونشطاء وناجين من التعذيب والذين تعاونوا مع ثلاث منظمات غير ربحية على تقديم شكاوى جزائية ضد مسؤولين كبار في الحكومة السورية، ومن ضمنهم جميل الحسن، في العام 2017. وتشكل هذه المذكرة إشارةً رمزيةً هامةً لالتزام المجتمع الدولي تجاه المساءلة ويمكن أن تمثل حافزاً لمزيد من السوريين للانخراط في عمليات العدالة. رغم ذلك، لا تشكل هذه المذكرة سوى الخطوة الأولى، ولا يزال الطريق للوصول إلى إدانة جزائية محفوفاً بالتحديات.
ومنذ العام 2015، قام المركز السوري للعدالة والمساءلة بتشجيع عمليات الملاحقة القضائية أمام المحاكم الوطنية في الدول الأجنبية باعتبار ذلك المسار الأقصر الذي يمكن أن يسلكه الضحايا السوريون للوصول إلى العدالة. وتندرج مثل هذه الملاحقات القضائية تحت مبدأ الولاية القضائية خارج حدود الدولة، والذي يسمح للدول بمحاكمة المتهمين عن جرائمهم إذا وقعت خارج الحدود الإقليمية لبلدانهم. ولغاية هذا التاريخ، تم تطبيق هذا المبدأ من قبل عدد من الدول الأوروبية لإدانة جناة سوريين ليسوا رفيعي المستوى هاجروا إلى أوروبا. وتمثل المذكرة الصادرة بحق الحسن سابقةً على هذا الصعيد، كونه مسؤول حكومي رفيع المستوى، ولا يقيم حالياً في أوروبا. ويتوقع أن تتابع ألمانيا على وجه الخصوص هذه القضية بعناية، كونها أكبر دولة مستضيفة للسوريين في أوروبا، مما يتيح للمدعين العامين القدرة على التواصل مع عدد كبير من الضحايا والشهود، كما تعد ألمانيا من الدول القلائل التي تسمح بالاختصاص القضائي العالمي في قضايا لا يقيم فيها الجاني في الوقت الحالي في الولاية القضائية للدولة. رغم ذلك، يحظى المدعون العامون الألمان بتقدير رفيع المستوى عندما يختارون متابعة مثل هذه القضايا، ومن النادر تاريخياً قيامهم بالتحقيق مع مشتبه فيهم خارج ألمانيا. وقد تمثل المذكرة بحق الحسن إشارةً على استعداد مكتب المدعي العام الألماني على اتخاذ موقف أكثر حزماً في سبيل إخضاع مرتكبي الجرائم في سوريا للمساءلة.
وتشكل المذكرة الصادرة بحق الحسن انتصاراً رمزياً ضخماً، وقد أعطت هذه القضية فسحةً من الأمل للسوريين بإمكانية تحقيق العدالة. وفي هذا الصدد، قال مازن درويش، وهو أحد المشتكين في قضية الحسن: “إنها لأنباء رائعة وتشكل منجزاً رئيسياً يضمن لنا أنه لن يكون هنالك إفلات من العقاب من قبل مرتكبي الجرائم في سوريا”. وتملك قضية هامة مثل قضية الحسن إمكانية إشراك المزيد من السوريين مباشرةً في عمليات العدالة. وإذا ما تم السعي وراء المساءلة الجزائية، والعدالة الانتقالية بشكل أعم، على نطاق أوسع في المستقبل، يجب أن يكون السوريون مستعدين لرواية قصصهم أمام المنظمات التوثيقية مثل المركز السوري للعدالة والمساءلة بالإضافة إلى مؤسسات إنفاذ القانون والمدعين العامين الجزائيين. وتعتمد المذكرة بحق الحسن لوحدها على شهادة 24 ناج من التعذيب. ويشعر العديد من السوريين في الوقت الحالي بالتردد تجاه الانخراط في قضايا يعتقدون أنها لا تملك فرصاً كبيرةً للنجاح، وقد تشهد هذه العقلية تغيراً عقب الأخبار حول مذكرة الاعتقال. كما يفتقر آخرون ببساطة للمعرفة حول كيفية الانخراط في عمليات المساءلة. إذ وجدت دراسة أجريت في العام 2017 من قبل منظمة هيومان رايتس ووتش في ألمانيا أن اللاجئين الذين تمت مقابلتهم لم يكونوا على دراية بحقهم في التواصل مع مدعين عامين والحصول على استشارة قانونية مجانية حيال الانتهاكات التي تعرضوا لها في سوريا. وقد تساعد الطبيعة رفيعة المستوى لقضية الحسن المزيد من السوريين على التعرف على حقوقهم في الإبلاغ عن الانتهاكات التي تعرضوا لها والشعور بالأمان عند التعامل مباشرةً مع مكاتب الادّعاء العام.
رغم ذلك، قد يكون لتلك الحماسة أثر عكسي. حيث يجب أن يختار المحامون والعاملون في مجال حقوق الإنسان لغتهم بعناية أو قد يواجهون خطر إحباط السوريين في حال أساؤوا فهم الاحتمالات القائمة لمتابعة القضية. فمذكرة الاعتقال الصادرة بحق الحسن لن تؤدي على الأرجح إلى محاكمته، على الأقل على المدى القصير. ويتواجد الحسن حالياً في سوريا، وبمأمن عن الاعتقال، وقبل إصدار المذكرة، كان الحسن بالأصل ممنوعاً من السفر إلى دول الاتحاد الأوروبي بسبب مشاركته في “القمع ضد السكان المدنيين”.
ومع وضع التحديات المتعلقة بالاختصاص القضائي العالمي جانباً، قد يكون من الصعب على وجه التحديد متابعة قضية الحسن قضائياً، حتى وإن وصلت إلى المحاكمة. إذ تستند التهم إلى مبدأ مسؤولية القيادة، الذي ينص على إمكانية تحميل القائد المسؤولية عن الجرائم المرتكبة من قبل من يعملون تحت قيادته. وإن هذا المفهوم منصوص عليه في القانون العرفي الدولي وفي المادة 28 من نظام روما الأساسي، والذي يقتضي من القادة اتخاذ التدابير “الضرورية والمعقولة” لوقف ومنع الجرائم المرتكبة تحت نظرهم. ويعد هذا المبدأ بالغ الأهمية في إدانة العديد من الجناة رفيعي المستوى في سوريا. رغم ذلك، فإن من الصعب معرفة من تتم إدانته بموجب هذا المبدأ. ففي الأسبوع الماضي تحديداً، وفي نفس اليوم الذي انتشر فيه خبر مذكرة الاعتقال بحق الحسن، تمت تبرئة جان-بيير بمبا من تهم القتل والاغتصاب والاختلاس من قبل المحكمة الجنائية الدولية على أساس أن المحاكمة الأصلية حمّلت بمبا مستوىً غير معقول من المسؤولية، مع الإشارة إلى أنه عند محاولة وقف أو منع الإساءات، “من غير المعقول أن يتوجب على قائد استخدام كل تدبير محتمل ضمن ترسانته، بصرف النظر عن اعتبارات النسبية والجدوى”. وبينما تُعد قضيتا الحسن وبمبا مختلفتين نوعاً ما، وستتم محاكمة الحسن بموجب قانون العقوبات الألماني قياساً بالقانون الدولي، وليس نظام روما الأساسي، تظهر قضية بمبا مدى صعوبة إدانة القادة على جرائم لم يرتكبوها مباشرةً.
وستبقى هذه الصعوبات المحيطة بالولاية القضائية العالمية ومسؤولية القيادة تشكل تحدياً في إطار سعي السوريين نحو المساءلة. ومن المحتمل أن تشكل المذكرة ضد الحسن خطوةً هامةً في الاتجاه الصحيح وذلك شريطة أن يتم ضبط التوقعات بشكل ملائم، وأن يفهم السوريون هذه القضية باعتبارها مجرد جزء بسيط من السعي الأشمل نحو تحقيق العدالة.
لمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected].