احتدام المواجهة في مجلس الشيوخ الأميركي مرة أخرى حول برنامج السي آي إيه للتعذيب خل
متظاهرون في جلسة إستماع تثبيت ترشيح هاسبل.
الصورة للمركز السوري للعدالة والمساءلة
يتصدّر برنامج تسليم المحتجزين والاحتجاز والاستجواب (RDI) عناوين الأخبار في الولايات المتحدة من جديد مع ترشيح جينا هاسبل لتكون المدير القادم لوكالة الاستخبارات المركزية (CIA) بسبب الأسئلة المحيطة بطبيعة مشاركتها في هذا البرنامج. في يوم الأربعاء، أتيحت للجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ الأمريكي فرصة استجواب هاسبل حول سجلّها لتحديد ما إذا كانت مناسبة لتشغل منصب مديرة وكالة الاستخبارات المركزية. وسأل العديد من أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين هاسبل ما إذا كانت تنظر، بأثر رجعي، إلى ما قامت به وكالة الاستخبارات المركزية من تعذيب للمشتبه في كونهم إرهابيين على أنه عمل غير أخلاقي، ولكنّها تجنبت مراراً وتكراراً فرصة تقديم إدانة قاطعة للتعذيب. وفي حين أقرّت، مع بعض الحثّ، أن التعذيب لا ينجح، إلا أنها قالت بعد ذلك مباشرة أن برنامج الاستجواب الخاص بوكالة الاستخبارات المركزية ربما كان فعالاً، مما يوحي بأنها لا تعتبر ما يسمى بأساليب الاستجواب المعززة التي تستخدمها وكالة الاستخبارات المركزية تعذيباً. وقد أدت ردودها أثناء الجلسة إلى قيام السيناتور جون ماكين من ولاية أريزونا بإصدار البيان التالي: “إن دور السيدة هاسبل في الإشراف على استخدام التعذيب من قبل الأمريكيين مثير للقلق. وإن رفضها الاعتراف بأن التعذيب هو غير أخلاقي يُفقدها الأهلية لتولي المنصب. أعتقدُ أن مجلس الشيوخ يجب أن يمارس واجبه في تقديم المشورة والموافقة وأن يرفض هذا الترشيح”.
وبالنظر إلى قيام وكالة الاستخبارات المركزية بتسليم المشتبه بهم إلى سوريا، وهي دولة عُرف عنها أنها تستخدم التعذيب، والتوجّه المثير للقلق لجعل التعذيب يبدو أمراً عادياً على المستوى العالمي، يحثّ المركز السوري للعدالة والمساءلة أيضاً الكونغرس على رفض ترشيح هاسبل بناءً على تعنّتها في موقفها في جلسة الأربعاء. ولا يمكن أن تُؤتمن هاسبل على مسؤولية توجيه وكالة تعمل بقدر ضئيل من الإشراف، ومن شأن قبول ترشيحها أن يعرقل قدرة الولايات المتحدة على أن تكون صوتاً عالمياً للدفاع عن حقوق الإنسان والعدالة، بما في ذلك في سوريا.
وبالإضافة إلى موقفها الأخلاقي بشأن التعذيب، فقد تمحور الكثير من الجدال بشأن ترشيح هاسبل حول الشخص المسؤول في نهاية المطاف عن برنامج تسليم المحتجزين والاحتجاز والاستجواب. وفي بيانه الافتتاحي تأييداً لترشيح هاسبل، حاجج السيناتور السابق إيفان بايه بأن “المسؤولية عن هذه البرامج تقع على عاتق القائد الأعلى”. وعدا عن حقيقة أن القانون الدولي قد رفض بشكل عام الدفاع بحجّة وجود أوامر عُليا – والمعروف باسم “دفاع نورمبرج”، ليس هناك شك في أن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق أولئك الذين سمحوا بإطلاق هذا البرنامج، بما في ذلك الرئيس السابق جورج بوش الابن، ومكتب المدعي العام بوزارة العدل، الذي أصدر المذكّرات التي قدّمت التبرير القانوني لاستخدام الإيهام بالغرق. غير أن الولايات المتحدة لم تقم أبداً بإجراء تحقيقات لمحاسبة المسؤولين رفيعي المستوى أو طرد المسؤولين في وكالة الاستخبارات المركزية الذين اعتُبروا بأنهم يتحمّلون القدر الأكبر من المسؤولية؛ وبالتالي، لا يزال كل فرد شارك في البرنامج موضع شبهة.
علاوة على ذلك، وبالنظر إلى إرث هذا البرنامج، من الأهمية بمكان أن يمتلك مدير وكالة الاستخبارات المركزية قوة الإرادة لرفض الأوامر الصادرة من أحد الرؤساء لتوجيه الوكالة لسلوك نفس الطريق. وخلال برنامج تسليم المحتجزين والاحتجاز والاستجواب، لم يكن هناك أي مؤشر على أن هاسبل عارضت إجراءات وكالة الاستخبارات المركزية داخلياً، ومرة أخرى، لم تُفلح في انتقاد البرنامج علانيةً بأثر رجعي. وعلاوة على ذلك، لا يزال رأي هاسبل بشأن تسليم المشتبه بهم إلى الدول التي تمارس التعذيب غير واضح، حيث لم يُفلح أعضاء مجلس الشيوخ في الاستفسار عن هذا الجانب من برنامج تسليم المحتجزين والاحتجاز والاستجواب في جلسة الأربعاء. ولا ينبغي النظر إلى قرار منع ترشيح هاسبل على أنه محاولة لمعاقبتها، ولن يكون تصريحاً بأنها تتحمل مسؤولية أكبر من مسؤولين كبار في إدارة بوش. وفي المقابل، يجب أن يُعزى ذلك إلى افتقار البلد إلى المحاسبة عن جرائم سابقة كان من الممكن أن تطمئن الشعب الأمريكي بشأن سجلّ هاسبل، فضلاً عن سوء تقديرها سواء وقتها أو الآن فيما يتعلق بالحظر المطلق للتعذيب. ومع الخطاب الانتخابي الداعم للتعذيب الذي ينادي به الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب، فإن مثل هذا التقدير حاسم للغاية في منصب مدير وكالة الاستخبارات المركزية الذي سيخدم في هذه الإدارة.
وبغض النظر عن الإجراءات التي قد تتخذها أو لا تتخذها هاسبل كمدير لوكالة الاستخبارات المركزية، فإن قبول ترشيحها سيكون بمثابة رسالة إلى العالم مفادها أن الولايات المتحدة ما زالت ترفض التخلي عن أخطاء الماضي. وخلال التصريحات التي أدلت بها هاسبل، فقد صرّحت مراراً وتكراراً بأن الولايات المتحدة، وبالتالي وكالة الاستخبارات المركزية، قررت “إلزام نفسها بمعيار أكثر صرامة” عند اتخاذ قرار إنهاء برنامج الاستجواب. يجب عدم اعتبار الإحجام عن استخدام التعذيب “معيارًا أكثر صرامة”. حيث أنه مطلب أساسي للقانون الدولي والقانون الأمريكي، فضلاً عن القيم الأخلاقية التي تمثلها الولايات المتحدة على الساحة العالمية. وإذا ما أرادت الولايات المتحدة أن تلعب دوراً في تعزيز حقوق الإنسان والعدالة في جميع أنحاء العالم، فيجب أن تبدأ بنفسها. ومرة أخرى، يحثّ المركز السوري للعدالة والمساءلة مجلس الشيوخ الأمريكي على عدم الموافقة على ترشيح هاسبل.
لمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected].