بعد ثلاثين عاماً: كيف أخفق إرث حلبجة في حماية الشعب السوري
تم بناء نصب شهداء حلبجة في عام 2003 ، في مدينة ما زالت مدمرة إلى حد كبير. الصورة من ويكيبيديا
في آذار قبل ثلاثين سنة، هاجمت قوات صدام حسين بلدة حلبجة الكردية في شمال شرق العراق. حيث شنّت القوات العراقية أولاً هجوماً تقليدياً، ممّا أجبر المدنيين على الاختباء في الأقبية والملاجئ المحصورة. ثم أسقط سلاح الجو ما يُعتقد أنه مزيج من غاز الأعصاب المميت (السارين) وغاز الخردل، مما أدى فعلياً إلى تحويل ملاجئ المدنيين إلى غرف إعدام بالغاز ومقتل ما يقدّر بخمسة آلاف شخص، معظمهم من النساء والأطفال. وكان هذا الهجوم هو الاستخدام الأكثر فتكاً للأسلحة الكيميائية ضد سكان مدنيين في التاريخ وأصبح رمزاً لأهوال الحرب الكيميائية.
وخلال العقود الثلاثة التي تلت الهجوم، خطا المجتمع الدولي خطوات كبيرة في منع استخدام الأسلحة الكيميائية. ولكن الصراع في سوريا يشكّل وصمة عار في ذلك السجل. ولتخليد ذكرى فظائع حلبجة، ينظر المركز السوري للعدالة والمساءلة في السبب وراء فشل التقدم الكبير الذي تم إحرازه في حظر الأسلحة الكيميائية على مدى الثلاثين سنة الماضية في حماية السوريين من الأسلحة الكيميائية.
وفي حين تم حظر استخدام الأسلحة الكيميائية بالفعل بموجب بروتوكول جنيف لعام 1925 ومعاهدة حظر الأسلحة البيولوجية لعام 1975، أدى هجوم حلبجة إلى حشد المجتمع الدولي وتشجيع مؤتمر الأمم المتحدة لنزع السلاح على السعي إلى فرض حظر شامل على هذه الأسلحة. وقد أفضى هذا الجهد إلى إبرام معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية (CWC) في عام 1997 التي ألزمت الدول الموقعة بتدمير أسلحتها الكيميائية والسماح لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية (OPCW) المنشأة حديثاً بإجراء التحقّق من قيام الدول بذلك. وقد أشرفت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية منذ إنشائها على التخلص من حوالي 96 في المائة من الأسلحة الكيميائية المعلنة في جميع أنحاء العالم.
وقبل الصراع في سوريا، لم يسبق أن انتهكت أي دولة معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية. وبالتالي، كانت سوريا أول اختبار حقيقي لإنفاذ معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية. ومنذ كانون الأول/ديسمبر 2012، أبلغ السوريون بانتظام عن وقوع هجمات بالأسلحة الكيميائية. وفي عام 2013، رداً على استخدام غاز السارين في الغوطة، اقترحت كل من المملكة المتحدة والولايات المتحدة إمكانية القيام بِرَدّ عسكري، مما دفع روسيا إلى اقتراح اتفاق توقّع بموجبه سوريا على اتفاقية الأسلحة الكيماوية وتسليم مخزونها من الأسلحة الكيميائية إلى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية لتدميرها. وأقرّ مجلس الأمن الدولي الاتفاق في القرار 2118، حيث اتّفق أنه “في حالة عدم الامتثال. . . سيتم فرض تدابير بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة”. ونجح الاتفاق في البداية، حيث قدمت الحكومة السورية لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية معلومات عن مخزونها من الأسلحة، مما أدى إلى تدمير 1200 طن من الأسلحة الكيميائية.
ومنذ ذلك الحين، كانت الحكومة السورية في حالة عدم امتثال للقرار 2118. وفي آب/أغسطس 2015، بعد تقارير عن هجمات بغاز الكلور ضد المدنيين، أنشأ مجلس الأمن الدولي آلية جديدة، آلية التحقيق المشتركة (JIM) بين الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، المكلفة بالتحقيق في الهجمات الكيميائية وتحديد هوية مرتكبيها. وفي آب/أغسطس 2016، أصدرت آلية التحقيق المشتركة بين الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية نتائجها التي تفيد بأن الحكومة السورية كانت وراء هجومين كيميائيين، مما يمثل المرة الأولى التي تعتبر فيها دولة طرف في معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية مسؤولة عن استخدام أسلحة كيميائية.
ويطرح هذا الانتهاك، الذي تكرر منذ ذلك الحين، سؤالين خطيرين. أولاً، كيف احتفظت الحكومة السورية بالأسلحة الكيميائية أو أعادت إنتاجها في أعقاب عمل منظمة حظر الأسلحة الكيميائية؟ وثانياً، كيف يمكن للمجتمع الدولي أن يستجيب بفعالية؟
فيما يتعلق بالسؤال الأول، تعود الصعوبة في المقام الأول إلى تصنيف الكلور. وبالرغم من حظر استخدام الكلور في الحرب، فإنه يستخدم على نطاق واسع لأغراض مدنية غير محظورة، ولم تصنفه منظمة حظر الأسلحة الكيماوية كسلاح كيميائي أثناء تدمير مخزون الأسلحة السورية. ولكن بالإضافة إلى الكلور، أكدت آلية التحقيق المشتركة أيضاً استخدام الحكومة لغاز السارين في نيسان/أبريل 2017 في خان شيخون، إدلب، وهو سلاح غير قانوني لسوريا سواء من حيث امتلاكه أو استخدامه وفقاً لالتزاماتها بموجب معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية، مما يوحي بأن الحكومة إما لم تُبلغ عن جميع مخازن السارين أثناء التحقيقات التي أجرتها منظمة حظر الأسلحة الكيميائية أو أنها قامت بتصنيع المزيد من السارين في أعقاب التحقيقات. وأشارت تقارير حديثة إلى أن سوريا قد تكون بصدد إعادة بناء منشآتها الخاصة بالأسلحة الكيميائية بإمدادات من كوريا الشمالية.
ويصعب الإجابة على السؤال الثاني بشأن استجابة المجتمع الدولي لأن روسيا منعت بشكل فعال اتخاذ أي إجراء في مجلس الأمن. وعلى الرغم من تعنّت روسيا، لا تزال هناك إجراءات ملموسة يمكن أن ينظر فيها بقية المجتمع الدولي ما بعد الإدانة. أولاً، في ضوء استخدام روسيا لحقّ النقض ضد تجديد ولايتها، يجب أن تستمر ولاية آلية التحقيق المشتركة للتحقيق في الهجمات وتحديد مرتكبيها من خلال آلية أخرى. وقد يتمثل أحد الحلول الممكنة في توسيع ولاية لجنة التحقيق التابعة لمجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة، التي ستحتاج إلى شمول الوصول إلى البيانات العلمية لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية حول مخزون سوريا قبل 2013، الأمر الذي يُعد أساسياً للتحقيق في المسؤولية عن الهجمات.
ثانياً، يجب أن يدين النقاش الحالي حول انتهاكات سوريا هجمات الكلور بأشدّ العبارات. وفي حين أن السيطرة على الكلور أكثر صعوبة من السارين، وهو أقل فتكًا، إلا أنه لا يزال من الأسلحة العشوائية ويسبب الرعب النفسي بين الضحايا. وإن تمييز الكلور عن الأسلحة الكيميائية الأخرى يمنح الحكومة السورية رخصة لترويع سكانها بهذا العامل الكيميائي دون خوف من أي رد.
ثالثاً، يجب أن يكون أي ردّ عسكري موجهاً وجزءاً من استراتيجية شاملة لتعزيز المفاوضات في جنيف. وكان الردّ الأكثر صرامة على انتهاكات الأسلحة الكيميائية حتى الآن هو الضربة الصاروخية التي شنّتها الولايات المتحدة في نيسان/أبريل الماضي بعد الإبلاغ عن استخدام الحكومة السورية لغاز السارين. وبعد إطلاق الصواريخ، لم تمارس الولايات المتحدة أي ضغوط دبلوماسية على سوريا ولم تشرح كيف يتوافق ذلك الهجوم مع استراتيجيتها بالنسبة لسوريا. واقترحت كل من الولايات المتحدة وفرنسا مؤخراً إمكانية شنّ هجمات إضافية إذا ثبتت صحة الاتهامات الأخيرة المتعلقة باستخدام غاز السارين. وفي حال نُفّذت تلك الضربات، فيجب أن تركّز على منشآت عسكرية محددة مرتبطة بإنتاج الأسلحة الكيميائية واستخدامها، وينبغي استخدامها للضغط على سورية وروسيا للعودة إلى طاولة المفاوضات، للسماح بتجديد التعاون مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية. وبدون هذه الغايات، ستكون الضربات متهورة وغير متناسقة بدلاً من أن تكون وسيلة لحماية المدنيين.
وينبغي اعتبار ما قامت به منظمة حظر الأسلحة الكيميائية من تدمير في السابق للكثير من الأسلحة الكيميائية الحكومية، إن لم يكن كلها، إنجازاً، ويمكن أن تغدوا تحقيقاتها الدقيقة ذات قيمة كبيرة بالنسبة للملاحقات الجنائية في المستقبل. ولكنّ هذه النجاحات لا تغفر حقيقة أنه بعد ثلاثين عاماً من فشل المجتمع الدولي في حماية أهالي حلبجة، فإنه يقف مرة أخرى موقف المتفرّج بينما تقوم الحكومة السورية بضرب شعبها بالغازات. وإن أفضل طريقة لتكريم المجتمع الدولي لذكرى أولئك الذين ماتوا قبل ثلاثين عاماً هي إنفاذ القانون الدولي وإنهاء استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا.
بإمكان أولئك الذين يرغبون في معرفة المزيد عن إرث الهجوم على حلبجة، ومكافحة الحرب الكيميائية في سوريا، أن يشاهدوا البث المباشر لفعالية الذكرى السنوية التي تنظمها ممثلية حكومة إقليم كردستان في الولايات المتحدة الأمريكية، “حلبجة: أصداء الإبادة الجماعية في كردستان”، بما في ذلك جلسة نقاش حول استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا والعراق.
لمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى المشاركة بتعليق أدناه أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected].