1 min read

حصار الغوطة: على الأمم المتحدة التحرك للاستجابة للمجاعة والأضرار التي تصيب المدني

أطفال ينتظرون وصول قافلة تابعة للهلال الأحمر العربي السوري محمّلة بالغذاء في الغوطة الشرقية المحاصرة. | المصدر: بي بي سي عربي

في تشرين الأول/أكتوبر، أدت صور الأطفال المصابين بسوء التغذية الحاد في الغوطة الشرقية إلى تجديد الاهتمام الدولي بمحنة ما يقرب من 400 ألف من المدنيين المحاصرين في إحدى ضواحي دمشق. حيث وصل السكان إلى حافة المجاعة بعد أن شدّدت الحكومة حصارها في آذار/مارس – مما أدى إلى إغلاق جميع طرق التجارة والتهريب المؤدية إلى المنطقة والحظر المنتظم لقوافل المساعدات التي تنقلها الأمم المتحدة من إيصال السلع والخدمات الأساسية للمدنيين. وقد حدّدت الأمم المتحدة بوضوح قواعد الحصار في حالة الحرب، وإن رفضها المستمر للعمل في مواجهة الانتهاكات الصارخة والأزمة الإنسانية المُلحّة يُعرّض مئات الآلاف من المدنيين السوريين لخطر الوفاة الوشيك.

ومنذ بداية النزاع، دأبت الحكومة السورية على استخدام الحصار من أجل عزل قوات المعارضة واحتوائها واستنزافها بشكل فعال لإخضاعها دون استنفاد أفراد قواتها العسكرية الآخذة في التناقص، ولاسيما في محافظتي حمص ودمشق. وفي سعيها لتحقيق انتصار حاسم في آذار/مارس الماضي على الغوطة الشرقية– وهي آخر جيب ما زال تحت سيطرة الثوار في ضواحي دمشق– استولت القوات الحكومية على شبكة أنفاق التهريب التي تربط الغوطة بمدينة دمشق ومعبر الوافدين. وكانت هذه المعابر بمثابة الطرق الرئيسية لإمداد الغوطة بالغذاء والسلع الأساسية، وأدى النقص الناجم عن ذلك إلى زيادة كبيرة في أسعار المؤن المتبقية.

وعلى غرار ذلك، تواصل الحكومة بشكل روتيني منع قوافل المساعدات التابعة للأمم المتحدة من الوصول إلى الغوطة الشرقية على الرغم من اتفاق خفض التصعيد بين الثوار وموسكو في يوليو/تموز والذي ينص على توزيع المساعدات الغذائية والإنسانية. ولم تسمح القوات السورية بإيصال سوى 26 بالمائة من المساعدات المطلوبة من الامم المتحدة في هذه المنطقة بين كانون الثاني/يناير وأيلول/سبتمبر. وأدى هذا التحرك إلى تضاؤل ​​الإمدادات وإلى حدوث تضخم. حيث تشير التقارير إلى أن السكان قد أجبروا على أكل النباتات والعشب للبقاء على قيد الحياة، في حين تضاعف تقريباً عدد حالات سوء التغذية بين الأطفال في بعض المناطق. وتفيد تقارير بأن السكان بدؤوا في نهب مخازن الغذاء المتبقية – وهو مؤشر محتمل على تزايد الشعور باليأس. وفي أواخر تشرين الأول/أكتوبر، وصف المفوّض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة الوضع بأنه حالة طوارئ إنسانية، وذكّر جميع الأطراف بأن التجويع المتعمد للمدنيين جريمة بموجب القانون الدولي. وعلى نفس الصعيد، قام مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا ستيفان دي مستورا، في إحاطة قدّمها لمجلس الأمن، بتسليط الضوء على انعدام خفض التصعيد وانعدام إمكانية وصول المساعدات الإنسانية في الغوطة الشرقية، مشيراً إلى أن “الجهات ذات النفوذ” يجب أن تعمل على تمكين الأمم المتحدة وشركائها من توصيل المساعدات بأي وسائل وطرق متاحة.

ويأتي الوضع الحرج في الغوطة الشرقية اليوم بعد سنوات من الاستغلال المنتظم للمدنيين والذي غالباً ما وقع بالتواطؤ من قبل الحكومة وقوات الثوار كوسيلة لتمويل العمليات العسكرية. وقد سمحت القوات الحكومية لمجموعة منتقاة من رجال الأعمال مثل محيي الدين المنفوش باحتكار التجارة مقابل نسبة من الأرباح. وبما أن التاجر الوحيد الذي يتمتع بحق الوصول إلى معبر الوافدين – والذي تفيد تقارير بأنه حصل على ذلك الحق من خلال وجود صلات بأسرة الأسد – فإن المنفوش يمكن أن يتلاعب بالأسعار غير الخاضعة للرقابة ويصبح مليونيراً في هذه العملية. وعندما وصلت الأسعار إلى ذروتها في عام 2013، كان مزارع الألبان يتقاضى 19 دولاراً مقابل كيلوغرام من السكر، الذي كان سعره أقل من دولار واحد في دمشق. وكان المنفوش مع ذلك مشهوراً في الغوطة قبل يؤدي الحصار الكامل إلى إنهاء عمله التجاري في زمن الحرب لأنه، وعلى الرغم من تعامله مع الحكومة، فقد وفّر بضائع لم تكن متاحة خلال الحصار الحكومي.

واستجابة لحصار الحكومة المشدّد في عام 2013، قامت جماعات الثوار بحفر شبكة من الأنفاق بين الغوطة الشرقية ودمشق من أجل تهريب البضائع والناس من الغوطة وإليها. وسمحت هذه الأنفاق للميليشيات بالسيطرة على طرق التجارة ونقاط التفتيش وأنظمة الأسعار الخاصة بها. وقد فرضت هذه الجماعات ضرائب أو أتاوات على البضائع والأموال التي تمر عبر أنفاقها للمساعدة في تمويل العمليات العسكرية، مما أدّى إلى ارتفاع أسعار المؤن والإمدادات ذات الأسعار الفاحشة أصلاً. غير أن إمدادات الجماعات المسلحة كانت تُمنح عموماً حرية المرور. وفي أحد مقاطع الفيديو، يظهر زهران علوش القائد السابق لجيش الإسلام وهو يتجادل مع أعضاء من فصيل منافس حول حوالي 12 مليون دولار يجري نقلها عبر الأنفاق، حيث كان يدّعي بأن هذه الأموال مخصصة لأغراض عسكرية وليس مدنية، وبناء على ذلك، ينبغي ألا يخضع جيش الإسلام لدفع ضريبة على ذلك المبلغ. كما كانت المليشيات تُملي ما إذا كان يُسمح للناس بالعبور إلى دمشق وبأي ثمن. فعلى سبيل المثال، تم منع الشباب الذين هم في سنّ القتال من الخروج من الغوطة. وتمكّن بعضهم من الخروج مقابل دفع رسوم ضخمة (أكثر من 400 دولار أمريكي، وفقاً لأحد التقارير). وأما المدنيون الذين لم يستطيعوا الهروب أو دفع أسعار مرتفعة للحصول على الغذاء فقد كانوا معرضين لخطر الوفاة بسبب الجوع وسوء التغذية، في حين احتفظ المتمردون باحتياطيات كبيرة من الغذاء لمقاتليهم.

وقد تحول الوضع مما كان عليه من استغلال مكثف في الغوطة الشرقية إلى حصار شبه كامل على السكان المدنيين المحاصرين. وإن هذا النوع من استراتيجية القتال غير التقليدية محظور في القانون الدولي المعاصر. ولا يكون استخدام الحصار في حالة الحرب قانونياً إلا عندما يستهدف حصراً المقاتلين والمشاركين مباشرة في الأعمال القتالية– امتثالاً لأحكام أخرى من القانون الدولي. وعلى غرار ذلك، يكلّف القانون الدولي العرفي جميع أطراف النزاع بتيسير مرور المساعدات الإنسانية المحايدة دون عوائق إلى المدنيين المحتاجين، والسماح للمدنيين في المناطق المحاصرة بالمغادرة، ومنح حرية التنقل لموظفي المساعدات الإنسانية المخولين، وتمكين المصابين والجرحى من الحصول على العلاج. وإن ممارسة العقاب الجماعي على المدنيين بحرمانهم من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم على قيد الحياة يشكل جريمة حرب واضحة.

وفي الوقت الذي يَذكر فيه المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا المعاناة الحالية للغوطة الشرقية في خطاباته، إلا أن عمله فشل في معالجة الأزمة الإنسانية الملحّة بشكل فعال. وقد ساهمت الحكومة السورية منذ سنوات في نقص الغذاء والتلاعب في الأسعار في المنطقة، وفي نفس الوقت كانت تتقاضى أرباحاً. وقد أدى تشديد الحصار الأخير إلى زيادة تجويع المدنيين وسوء التغذية. ولقد عانى سكان الغوطة الشرقية منذ فترة طويلة من الظلم على أيدي الحكومة والجماعات المسلحة، ولكن إغلاق الحكومة لطرق التجارة ومنع وصول المساعدات الكافية من الأمم المتحدة تسبّب بوصول الوضع إلى منعطف حرج، بل وأكثر من ذلك – حيث لا بد من اتخاذ إجراءات من جانب الأمم المتحدة من أجل الحفاظ الفوري على حياة البشر. وباعتبارها مُحكّماً في القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، من الضروري أن تستجيب الأمم المتحدة للانتهاكات الفظيعة التي ترتبها الحكومة السورية ضد المدنيين في الغوطة الشرقية.

لمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى الاتصال مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected].