1 min read

المساءلة عن العنف الطائفي والعرقي في الحملة ضد تنظيم داعش

الجيش العراقي والميليشيات الشيعية تستعيد السيطرة على مدينة الفلوجة في 28 حزيران/يونيو. الصورة لـ محمد حسيني

في 28 حزيران/يونيو،  أعلنت الحكومة العراقية النصر على تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) في مدينة الفلوجة. وكان تنظيم داعش قد احتل الفلوجة، وتم استعادة المدينة من قبل الجيش العراقي بمساعدة الميليشيات الشيعية العراقية، وتم تحرير المدنيين الذين حوصروا تحت سيطرة التنظيم. غير أن الاحتفالات في صفوف المدنيين لم تدم طويلاً. وفقا لمجلس محافظة الأنبار، يوجد 643 مدنياً في عداد المفقودين. وهناك مزاعم بأنهم محتجزون من قبل الميليشيا الشيعية كتائب حزب الله ويُخشى بأنهم قد قُتلوا أو يواجهون أوضاعاً خطيرة. وفي مطلع شهر حزيران/يونيو، دعت منظمة العفو الدولية الحكومة العراقية إلى كبح جماح قوات الميليشيات الشيعية التي تقاتل إلى جانب الجيش بناءً على تقارير تفيد بأن الميليشيات تقوم بتعذيب والاعتداء على اللاجئين الفارّين من تنظيم داعش ومن القتال في الفلوجة. وعلى غرار ذلك، في سوريا، أفضى هجوم مدعوم من قبل الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش في منبج إلى تقارير تفيد بقيام القوات الكردية بارتكاب فظائع ضد السكان المدنيين. وتم نشر أنباء عن الفظائع التي ارتُكبت في العراق وسوريا من خلال تغطية إعلامية مشحونة عِرقياً ووسائل إعلام طائفية في المنطقة، الأمر الذي أدى إلى تصاعد مستوى التوترات المرتفع أصلاً في المنطقة ما عزز ودعم أيديولوجية تنظيم داعش “إما نحن أو هم”.

وفي كل من العراق وسوريا، كان الانعدام التام للمساءلة واضحاً على الرغم من وجود تقارير عن انتهاكات. وعلى الرغم من أن الحكومة العراقية استجابت للانتقادات الدولية المتزايدة بفتح تحقيق في مزاعم حالات الاختفاء والقتل والتعذيب في محافظة الأنبار، فإنه لم يتم معرفة ما إذا كانت التحقيقات ستؤدّي إلى اعتقال أو تغيير في السلوك. وفي الوقت نفسه، لم تسمح وحدات حماية الشعب (YPG) في سوريا بإجراء تحقيقات مستقلة أو باجراءات تأديبية. وإن الأمر المطلوب هو إجراء تدريب مناسب على حماية المدنيين وأنظمة شفافة للمساءلة عندما يكون هناك مزاعم بشأن ارتكاب انتهاكات. وإلا، فقد يلجأ المدنيون إلى جماعات متطرفة طلباً للحماية، وستستمر دوامة الهجمات الانتقامية بين الجماعات العرقية والدينية، وسيكون الخطاب الطائفي الناتج بمثابة عقبة متزايدة أمام تحقيق المصالحة والسلام.

وفي حين أن غالبية السوريين ينفون عن أنفسهم أو مجتمعاتهم صفة الطائفية، إلا أنه غالباً ما يتم استخدام وسائل الإعلام التقليدية ووسائل التواصل الاجتماعي لتأجيج الانقسامات الطائفية بشكل متعمّد. وغالباً ما تصوّر وسائل الإعلام الهجمات بأنها مدفوعة طائفياً من أجل نشر وبثّ وجهات نظر تلك الوسائل. واعتماداً على المصدر الإعلامي، يتم تصوير الأحداث في الصراع السوري إما في إطار دكتاتور علوي يضطهد الأغلبية السنية أو نظام يصد تمرداً إرهابياً يهدف إلى إبادة الأقليات الدينية. وتسير سائل الاعلام الاجتماعية في نفس الاتجاه أيضاً. وللأسف، فإن الأحداث في سوريا والدول المجاورة، مثل الانتهاكات التي ارتُكبت في الفلوجة مؤخراً، تدعم هذه الرواية. ويبدو أن التقارير الإعلامية والجماعات المسلحة تقتات على بعضها البعض، مما يخلق دورات تدقّ أسافين في المجتمع السوري.

وبدلاً من معالجة هذه المشكلة المتفاقمة، يفضّل قادة المنطقة والمجتمع الدولي تجاهل الطبيعة الطائفية للصراع. ومع ذلك، يبدو من المستحيل تصوّر عملية مصالحة أو عدالة انتقالية لا تعالج الأضرار الناتجة عن العنف والخطاب العرقي والطائفي في سوريا. وفي الواقع، تُعتبر دولة لبنان المجاورة مثالاً صارخاً على مخاطر غضّ الطرف عن العنف العرقي والديني الذي يحدث أثناء الصراع. حيث رسّخ اتفاق الطائف الخاص بلبنان في تشرين أول/أكتوبر 1989 السياسات الطائفية (حيث يتم توزيع السلطة السياسية رسمياً وفقاً لانتماءات دينية وطائفية) وأفضى ذلك إلى صدور قانون العفو العام الذي نص على “لا غالب ولا مغلوب”.

وشجّع قانون العفو الشعب اللبناني على نسيان انقسامات الصراع على أمل أن هالة من الصمت ستؤدي إلى السلام والمصالحة بين المجتمعات. غير أن فقدان الذاكرة الذي رعته الدولة لم يستفد منه سوى النخبة السياسية فقط الذين تم العفو عن الجرائم التي ارتكبوها خلال الحرب الأهلية والذين يستمرون في لعب أدوار في الحكومة. ولا تزال بقية البلد تتكيف مع آثار الحرب، وتستمر سياسة الهوية في التسبب في صراعات على مستوى منخفض بين المجتمعات المحلية والتي شهدت تصاعداً منذ عام 2011 نتيجة للاضطرابات في سوريا. وبدلاً من أن تؤدي إلى المصالحة، لقد أدت السياسة التي اتبعها لبنان إلى الاستياء. وبسبب رؤيتها لهذا الأمر مباشرة، ناصرت منظمات المجتمع المدني اللبنانية باستمرار إجراء مساءلة جادة لمعالجة أضرار الماضي باعتبارها الخيار الوحيد لتحقيق سلام دائم.

وسواء في لبنان أو العراق أو سوريا، فإن ذكريات الصراع الأخير على أساس الانقسامات العرقية والطائفية ينشأ حتماً من الذاكرة الجماعية للقمع التاريخي والإهانات المحسوسة. وسرعان ما ستتهاوى هذه الذكريات وتزيد من الانشقاقات الطائفية ما لم يكن هناك تحول جذري عن الماضي يوفّر مساحة لتحقيق العدالة لضحايا العنف بغضّ النظر عن الهوية ويسمح للجماعات العرقية والدينية المختلفة أن تشارك في عمليات المساءلة على نحو يعالج الضرر المترابط الناجم عن دورات الانتهاكات والصراع. وبالتالي يجب على المجتمع الدولي ألّا يتسامح مع الكراهية الطائفية والعرقية في سبيل هزيمة تنظيم داعش. وينبغي ألّا يكون التركيز على الحل السهل، وإنّما على ضمان وجود نُظم معمول بها لحماية المدنيين وعمليات مساءلة داخلية ضمن التحالفات المناهضة لتنظيم داعش. ولأن مستقبل سوريا يعتمد على قدرة المجتمعات المحلية على العيش معاً في دولة مستقبلية، يفضّل ألّا تكون هذه الدولة قائمة على السياسات الطائفية التي ما فتئت تشكّل حجر عثرة في طريق كل من لبنان والعراق على حدٍ سواء.