معالجة العنف الجنسي الممنهج في عملية العدالة الانتقالية في سوريا
امرأة سورية هربت لملجأ في لبنان. المصدر: The Gender Agency
في 6 حزيران/يونيو، انتخبت السلطة التشريعية السورية هدية عباس رئيسة جديدة لمجلس الشعب، لتكون المرة الأولى في تاريخ سوريا الحديث التي يتم فيها انتخاب امرأة لهذا المنصب. ويمكن لتمثيل المرأة في الحكومة أن يكون دلالة هامة على حقوق المرأة. ولكن في سوريا، لا بدّ من وضع هذا الإجراء الرمزي الذي اتّخذته الحكومة موضع مقارنة مع صراع يُستخدم فيه العنف القائم على الجنس والنوع الاجتماعي (الجندر) بشكل ممنهج كسلاح من أسلحة الحرب، الأمر الذي يؤثر على النساء تأثيراً حاداً وبدرجة كبيرة جداً. ووفقاً لتقرير صدر في نيسان/أبريل 2016 من الأمين العام للأمم المتحدة حول العنف الجنسي المرتبط بالصراع، فعلى الرغم من الجهود الدولية إلا أن الاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي قد أصبح من تكتيكات الحرب والإرهاب في صراعات عديدة بما في ذلك الصراع في سوريا. ولمعالجة النتائج الرئيسية للتقرير، هناك حاجة إلى اتخاذ إجراءات جدّية، بما في ذلك تقديم خدمات الدعم للناجين من العنف القائم على الجنس والنوع الاجتماعي، والمساءلة والإصلاح التحوّلي الذي يعالج عدم المساواة في النوع الاجتماعي. وإن لم يحدث ذلك، فستُلحِق تداعيات العنف الجنسي الممنهج ضرراً بالجهود التي ستُبذل في المستقبل في مرحلة المصالحة ما بعد الصراع بغضّ النظر عن الإجراء الهام المتمثل في تعيين عباس.
ويتناول تقرير الأمم المتحدة العنف الجنسي المرتبط بالصراع في جميع أنحاء العالم، ولكن فيما يتعلق بسوريا، فإنه ينصّ على أن الجماعات الموالية للحكومة وجماعات المعارضة على حد سواء تستخدم العنف الجنسي استخداماً ممنهجاً، وخاصة في معسكرات الاعتقال التي تديرها الحكومة ونقاط التفتيش الأمنية. ومن خلال مقابلات واسعة النطاق، يَخلُص التقرير إلى أنه في مراكز الاعتقال، يكون الرجال في موقف ضعيف جداً حيث يُستخدم العنف الجنسي لتعذيب المعتقلين وإذلالهم. وتتوافق هذه النتائج مع التوثيق الذي قام المركز السوري للعدالة والمساءلة بجمعه من معتقلين سابقين أيضاً. ورغم أن التقرير يستخدم كلمة “ممنهج” لوصف انتهاكات الحكومة، فإنه يقرّ بعدم وجود ما يكفي من التوثيق لدى الأمم المتحدة لتحديد عدد الانتهاكات، بمعنى أنه لا يزال من الصعب تحديد ما إذا كانت الانتهاكات تحدث على نطاق واسع بما يكفي لاعتبارها جريمة ضد الإنسانية.
ويؤكد التقرير أيضاً أن الجماعات الإرهابية مثل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) يعامل النساء والفتيات على أنهن سلعة باستخدام الاستعباد الجنسي لدر الإيرادات ولتجنيد المقاتلين الذين يوعدون بإعطائهم “زوجات” مقابل ولائهم. ومن خلال استهداف النساء من الأقليات الدينية مثل اليزيديين، لا يحاول تنظيم داعش سحق معتقدات الأقليات فحسب ولكن يحاول أيضاً نشر أيديولوجيته إلى جيل جديد من الأطفال الذين وُلدوا من حالات الاغتصاب. غير أن الأقليات الدينية ليست الهدف الوحيد لتنظيم داعش —حيث كانت النساء والفتيات من السُّنّة أيضاً عُرضة كثيراً لتجارة العبودية الحديثة.
وعلى الرغم من الاستنتاجات القوية للتقرير، لم تكن توصيات الأمين العام للأمم المتحدة للتصدي للعنف القائم على الجنس والنوع الاجتماعي في سوريا كافية. وكشف تقرير للمركز السوري للعدالة والمساءلة نُشر في كانون أول/ديسمبر 2015 حول المواقف الاجتماعية تجاه العنف القائم على الجنس والنوع الاجتماعي في سوريا أن ما يقرب من جميع المشاركين في الاستطلاع النوعي يعتقدون أن هناك افتقار لخدمات الدعم للناجين، وأن الناجين، رجالاً ونساءً على حدٍ سواء، يُنبَذون ويُفضَحون في مجتمعاتهم. وبدلاً من تناول القضية الأكبر المتمثلة في المصالحة، تدعو توصيات الأمم المتحدة ببساطة جميع الأطراف إلى وضع حدٍ لاستخدام العنف الجنسي كأحد تكتيكات الحرب من دون شرح لكيفية تحقيق ذلك، والأهم من ذلك، من دون الدعوة إلى توفير خدمات الدعم أو الإصلاح أو العدالة للناجين.
وفي أيار/مايو، نشرت “الرابطة النسائية الدولية للسلام والحرية” كذلك تقريراً يركّز بشكل خاص على تأثير الصراع في سوريا على النساء. وتستنتج الرابطة أن النساء مستهدفات على نحو ممنهج ومستمر في سوريا، مع أخذ خطوة إضافية بالتحذير من أن هذه الانتهاكات يمكن أن تشكّل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. ووفقاً للتقرير، فإن النساء هنّ الأكثر تأثراً بهذا النوع من العنف المتجذر في عدم المساواة في النوع الاجتماعي الذي كان سائداً في سوريا قبل وقت طويل من الصراع. وبالإضافة إلى التعرّض لاعتداءات في مراكز الاعتقال ومداهمات المنازل ونقاط التفتيش العسكرية، لا تزال المرأة عُرضة للعنف الجنسي، بما في ذلك الزواج المبكر والبغاء القسري والتحرش الجنسي، عندما تفرّ إلى البلدان المجاورة طلباً للجوء. ويؤدي عدم وجود خدمات حماية ودعم قانوني في البلدان المضيفة إلى تفاقم هذا الوضع الهش.
وبالنظر إلى أن حجم العنف القائم على الجنس والنوع الاجتماعي له علاقة مباشرة بالصراع، وكذلك ينتج بشكل غير مباشر من الصراع، يجب على أية عملية للعدالة الانتقالية أن تتناول بشكل مُجدي العنف الجنسي والنوع الاجتماعي. ويجب أن يكون هذا أكثر من مجرد تمثيل رمزي للمرأة في الحكومة. حيث سيتعيّن على المحاكمات ولجان الحقيقة أن تحقّق في هذه الفظائع على أساس كل حالة على حدة وعلى المستوى المجتمعي على حدٍ سواء. وسيتعيّن على برامج جبر الضرر أن تقيّم الاحتياجات الحالية وطويلة الأجل للناجين، بما في ذلك الحقوق الكاملة للأطفال المولودين نتيجة الاغتصاب، ويجب أن يعالج الإصلاح المؤسسي القوانين والممارسات الظالمة التي ساهمت في هذه الأوضاع الهشة. وسيكون للصدمة المرتبطة بالعنف الجنسي آثار طويلة المدى على المجتمع السوري، وتتطلب المصالحة بين الرجال والنساء والمجتمعات مقاربة تراعي النوع الاجتماعي على أساس التوثيق والمقابلات مع الناجين والناجيات. وإلا فإن هناك خطر استمرار دوامة العنف لوقت ليس بالقصير في مرحلة ما بعد الصراع.
لمزيد من المعلومات ولتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى الاتصال مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]