1 min read

اللامركزية أم الفيدرالية، أم أياً مما ذُكر أعلاه؟ تحليل خيارات الحكم الممكنة في م?

حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وحلفائه يعلنون عن إقامة نظام فيدرالي في شمال سوريا. المصدر: قناة الميادين على يوتيوب

في شهر آذار/مارس 2016، أعلن الأكراد السوريون إنشاء فيدرالية كأمر واقع في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد في شمال سوريا، وذلك بتوحيد ثلاث مناطق حكم ذاتي كردية (الجزيرة وكوباني وعفرين) تحت منطقة فيدرالية واحدة، (روج آفا). وأصدر حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري وحلفاؤه من الجماعات العربية والآشورية بياناً أكدوا فيه أنه على الرغم من الحكم الذاتي للمنطقة الفيدرالية، إلا أنها ستبقى جزءاً من سوريا. ودافع القادة الأكراد عن الإعلان، قائلين إن المجتمعات المعنية لديها “حق شرعي” في الحكم الذاتي وإن الإعلان هو بمثابة مخطط أولي لإقامة دولة سورية لامركزية في المستقبل. ولكن الإعلان الكردي لاقى ردّ فعل كبير من أطراف عديدة، بما في ذلك الأنصار الدوليين لحزب الاتحاد الديمقراطي والحكومة السورية (التي قالت إنه لا يوجد أي أساس قانوني لهذا الإعلان)، والمعارضة السورية. وينظر بعض السوريين إلى الفيدرالية باعتبارها كلمة قذرة وخيار سيئ لسوريا، نظراً لفشل التجربة العراقية. وبينما تحرز المناقشات حول الدستور الجديد وهيكل الحكم تقدماً، يجب على السوريين أن يقرروا مقدار لامركزية دولتهم في المستقبل، الأمر الذي يتطلب أولاً فهماً أفضل لخيارات مختلفة.

قد تتراوح أنظمة الحكم بين نظم شديدة المركزية ونظم شديدة اللامركزية. وتشير اللامركزية عموماً إلى نقل السلطة من الحكومة المركزية إلى كيانات أخرى مثل المحافظات أو البلديات أو حتى المؤسسات الخاصة. وإن الحكومة اللا مركزية هي أية حكومة يمكن فيها اتخاذ أي إجراءات سياسية و/أو إدارية و/أو مالية للدولة من قبل الكيانات الفرعية التي توجد تحت الحكومة المركزية. وتميل النظم اللامركزية الناجحة إلى الجمع بين الخبرة التقنية من الحكومة المركزية مع المعرفة  بالواقع المحلي من الكيانات الفرعية من أجل توفير خدمات أكثر فعالية مما يمكن أن يحقّقه مستوى واحد من الحكومة من تلقاء نفسه.

وتشمل اللامركزية مجموعة من الخيارات. فهناك عدم التركيز الإداري وهو أضعف شكل من أشكال اللامركزية، وينطوي على توزيع بعض واجبات السلطة والإدارة المالية بين أجزاء مختلفة من الحكومة المركزية. ويأخذ تفويض السلطات هذا الأمر إلى أبعد من ذلك، عن طريق نقل المسؤوليات إلى مؤسسات تتمتع بحكم شبه ذاتي (مثل المناطق التعليمية أو سلطات الإسكان) التي يمكن أن يكون لها قدر كبير من حرية التصرف في اتخاذ القرارات، ولكنها تظل خاضعة لمساءلة الحكومة المركزية. أما نقل السلطات فهو خطوة إضافية في طيف اللامركزية ويحدث عندما تنقل الحكومات مسؤوليات وسلطة اتخاذ القرار إلى الحكومة المحلية، مثل تقديم الخدمات داخل البلدية. الفيدرالية، التي يمكن العثور عليها في الجزء الأقل تركيزاً من المقياس، هي نظام حكم من طبقات تتمتع بموجبه الكيانات الحكومية الفرعية بقدر كبير من الحكم الذاتي مع الحفاظ على قدر من المساءلة من قبل الحكومة المركزية. ويشترك نقل السلطات بالعديد من أوجه التشابه، ولكن في هذا النظام، تمارس الحكومة المركزية عادةً سيطرة كاملة على مدى الصلاحيات التي تتمتع بها الكيانات الفرعية، بينما في النظام الفدرالي، لا يمكن للحكومة المركزية أن تقوم بشكل أحادي بسحب صلاحيات الكيانات الفرعية.

قامت كل دولة حديثة تقريباً بتنفيذ اللامركزية إلى حد ما لأن اللامركزية تقدّم العديد من المزايا وعادة ما يُنظر إليها باعتبارها مكوناً من مكونات عملية التحول الديمقراطي في البلاد. على سبيل المثال، يمكن للنظم اللامركزية أن تسمح لسلطات أصغر بتلبية احتياجات مجتمعات معينة. وهذا يمكن أن يكون مفيداً بشكل خاص في المجتمعات الكبيرة أو المتنوعة، مثل سوريا، حيث يمكن أن تكون الحكومات المحلية أفضل جاهزية للاستجابة لسكانها. وقد تكون الحكومات اللامركزية أيضاً أفضل في تقليل وتبسيط اختناقات صنع القرار التي غالباً ما تثقل كاهل بيروقراطية الحكومة المركزية. وأخيراً، يمكن أن تؤدي اللامركزية إلى زيادة المساءلة حيث تكون المجتمعات أكثر قدرة على إخضاع صناع القرار المحليين للمساءلة، ويتيح الفصل بين الحكومة المركزية والكيانات الفرعية ممارسة الرقابة على السلطة صعوداً وهبوطاً على حد سواء.

غير أن اللامركزية لا تضمن حل جميع مشاكل الحكم. وهناك عيب واحد محتمل للامركزية ألا وهو ارتفاع التكاليف نتيجة لزيادة طبقات التعقيد. وعندما يكون هناك ضعف في تمويل السلطات المحلية الأصغر حجماً، أو عندما لا تكون مجهزة بشكل جيد، أو عندما تفتقر إلى الخبرة التقنية اللازمة لأداء مهامها، تصبح النظم اللامركزية غير فعالة. وثمة عيب آخر وهو أن النظم الفيدرالية شديدة اللامركزية المقسمة وفقاً لخلفيات دينية و/أو عرقية تؤدي في بعض الأحيان إلى مزيد من التفتيت لدول هي غير مستقرة أصلاً. ومع تقليل الاعتماد على الحكومة المركزية، قد تميل الكيانات الفرعية إلى الانفصال. في العراق، على سبيل المثال، ألمّح أعضاء حكومة اقليم كردستان عدة مرات إلى رغبتهم في الانفصال عن العراق وإقامة دولة كردية مستقلة.

ونظراً لقرب العراق من سوريا، قد يكون من الحكمة دراسة تجربة العراق مع اللامركزية كحالة دراسية. وكان الحكم الذاتي الكردي في العراق قد نشأ بعد حرب الخليج كأمر واقع بسبب منطقة حظر الطيران فوق كردستان التي فرضتها القوات الامريكية وقوات الحلفاء. وتحقق الحكم الذاتي الكامل بعد الغزو الأمريكي للعراق، الأمر الذي مهّد الطريق لأكراد العراق للمشاركة السياسية في العملية الانتقالية. وعلى الرغم من معارضة بعض العراقيين العرب، نجح الأكراد في التفاوض على حق إنشاء حكومات إقليمية تتمتع بالحكم الذاتي في محافظات دهوك وأربيل والسليمانية. وعلى الرغم من أن الاستقرار والنجاح الاقتصادي لكردستان يظهران بعض المزايا المحتملة لهيكل فدرالي، إلا أن الأكراد في العراق لم يصرفوا النظر تماماً عن فكرة الاستقلال الكردي لاسيما في ظل زيادة عدم الاستقرار في العراق في السنوات الأخيرة.

وهناك حاجة إلى فهم أفضل للحالة الدراسية العراقية فضلاً عن أمثلة لبلدان أخرى قبل أن يتم صرف النظر عن الفيدرالية أو غيرها من أشكال اللامركزية كخيارات قابلة للتطبيق في سوريا. ففي حين يقدّم العراق بعض الأدلة على نقاط قوة وضعف النظام الفدرالي، إلا أن هذا ليس حاسماً بأي حال من الأحوال، حيث تواجه سوريا مجموعة فريدة من التحديات والظروف. ومن المهم أن نتذكر أن اللامركزية تقدّم مجموعة متنوعة من الخيارات مع عدد لا نهاية له من الاحتمالات — ولا يوجد دولتان لديهما نظام لامركزي متطابق. في نهاية المطاف، ينبغي للقرار المتعلق بالكيفية التي يجب من خلالها تحديداً توزيع الصلاحيات والمسؤوليات بين الوحدات الحكومية أن يُترك للشعب السوري في سعيهم لإعادة بناء مجتمعهم في سوريا في مرحلة ما بعد الصراع.

ملاحظة: المركز السوري للعدالة والمساءلة بصدد إصدار تقرير بحثي حول الفيدرالية يستخدم أمثلة متعددة من دول مثل العراق وسريلانكا وجنوب السودان والبوسنة وكوسوفو. وتهدف مشاركة المدونة هذه إلى إعطاء لمحة موجزة عن اللامركزية والفيدرالية، وكيف يمكن أن ينطبقا على سوريا.

لمزيد من المعلومات ولتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى الاتصال مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected].