1 min read

استعادة الأموال وإعادتها إلى الوطن: هل يمكن لهذا الحل المستحيل أن يكون الحل المناس

كشفت أوراق بنما أن الشركات والأفراد على القائمة السوداء، بما في ذلك ابن خال بشار الأسد، رامي مخلوف، كانت تقوم بالالتفاف على العقوبات من خلال التعامل مع مكتب محاماة Mossack Franseca. حيث يمكن تجميد هذه الأصول واستخدامها للمساعدة في التعافي في مرحلة ما بعد الحرب في سوريا. | المصدر: Pixabay

بقلم إريكا رزوق

من أجل الحصول على نبذة بسيطة حول الصراع، يمكن للقارئ العَرَضي الولوج من خلال الويكيبيديا إلى البند المتعلق بموضوع “الحرب الأهلية السورية“، والذي يوجد فيه ما لا يقل عن 860 من المراجع. وقد يذهب قارئ متقدّم إلى عدد لا يحصى من التقارير التي تنتجها المنظمات الدولية لحقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني السورية، بما في ذلك المركز السوري للعدالة والمساءلة، من أجل معرفة معلومات تفصيلية حول سجل الانتهاكات التي حدثت منذ بداية النزاع.

وسيكون سجل الانتهاكات هذا حاسماً في تقييم آليات العدالة والانتصاف للناجين. وهناك الكثير من الناجين لأخذهم في الاعتبار — حيث تشير التقديرات إلى أن ما يصل إلى 470,000 شخص لقوا حتفهم، ونزح نصف السكان، والعدد الذي يصعب تخيله هو وجود أكثر من أربعة ملايين لاجئ حتى شهر يوليو من العام الماضي. ويجب أن تكون عمليات جبر الضرر للناجين، والبلد ككل، قوية وواسعة النطاق ومتعددة الأبعاد تماماً كما هو الصراع نفسه، ولتكون فعالة، تحتاج أن تشمل بشكل بارز المشاركة الفعالة للضحايا وعائلات القتلى والناجين من الصدمة النفسية. وعلى وجه الخصوص، يجب إشراك النساء، الغائبات بشكل كبير عن مفاوضات السلام، بشكل نشط.

ولكن تمويل عمليات جبر الضرر القوية والشاملة في مرحلة ما بعد الصراع في سوريا سيكون أمراً صعباً. وهذا هو المكان الذي تلتقي فيه واحدة من أكثر الحروب تعقيداً في التاريخ الحديث بنظيرها من حيث تعقيد الحل من الناحية السياسية والقانونية والاجتماعية: استعادة الأصول المسروقة وإعادتها إلى الوطن. وعلى الرغم من التعقيدات، إلا أن السوريين، بعد نجاتهم من الاضطرابات الداخلية والتدخلات العسكرية من عشرات الدول، يمكن أن يكونوا على قدر هذا التحدي.

مع الإقرار بأنها “واحدة من أكثر المشاريع تعقيداً في مجال القانون”، تشمل الاستعادة الدولية للأصول تعقّب وتجميد ومصادرة وإعادة العائدات التي تم الحصول عليها بطريقة غير مشروعة والموجودة في بلدان أجنبية. وإن تاريخ استعادة الأصول المسروقة وإعادتها إلى الوطن ليس بسيطاً. حيث يتطلب الأمر إرادة سياسية قوية للوصول إلى نقطة تحديد وتجميد أصول القادة السياسيين وشركائهم في بلدان أجنبية. وما تجميد الأصول سوى بداية لسلسلة ملتوية من المواجهات القانونية والسياسية لتحديد الملكية الحقيقية لتلك الأصول، وكيفية توزيع وتخصيص الأموال، ومن الذي يبتّ في ذلك. وسوف تؤدي هذه الأسئلة إلى إطلاق تفسيرات للقانون السوري، وكذلك القانون الدولي وقوانين السلطات القضائية حيث يتم العثور على تلك الأصول.

وفي حين، أعلنت كل من سويسرا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تجميد أرصدة الحسابات التي تحتفظ بها عائلة الأسد ومساعديه في عام 2011 و 2012، رأى العديد من المعلقين أن المبلغ الإجمالي الذي تم تجميده ( ، و78 مليون دولار أمريكي في الولايات المتحدة، و70 مليون فرنك سويسري) هو على الأرجح نسبة صغيرة جداً من الأصول الموجودة في الخارج، ومعظمها يُفترض أن تكون مخبأة في ولايات قضائية أقل عرضة لتحديد الحسابات وتجميدها، مثل روسيا أو هونغ كونغ أو دول أخرى في منطقة الشرق الأوسط / شمال أفريقيا.

حتى ضمن الجزء الصغير من الثروة التي سبق تجميدها، بدأت حجج تطفو على السطح بالفعل فيما يتعلق بملكيتها القانونية والشرعية، مع قيام كل من الحكومة والمعارضة بتقديم ادعاءات بملكية تلك الأصول. بل حتى أن أشخاصاً غير سوريين قدموا مطالبات قانونية للحصول على تلك الأموال. على سبيل المثال، قام المحامون الذين يمثلون عائلة ستيفن سوتلوف، الصحفي الأمريكي الذي قام تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) بقطع رأسه، برفع دعوى مدنية ضد الحكومة السورية، وربما يكونوا مؤهلين لاسترداد جزء من الأصول المجمدة إذا وجدت المحكمة أن ذلك في صالح الأسرة وإذا رفضت الحكومة السورية دفع التعويضات.

إن المنتدى العربي لاسترداد الأموال التابع للبنك الدولي، مبادرة أطلقت في عام 2012 لدعم استرداد الأصول من قبل الدول العربية التي تمرّ بمرحلة انتقالية، يدخل الآن عامه الخامس، ولكنه لم يثبت حتى الآن نجاحاً كبيراً في الخوض في وجهات النظر القانونية المتنافسة في دول “المنشأ” و الدول “المضيفة”، ولا في الخلاف السياسي الذي يصاحب هذه الاختلافات في وجهات النظر.

ولكن البقعة المضيئة الوحيدة في هذه الديناميكية المتشابكة هي الدور المفيد والمهم بشكل متزايد لمشاركة المجتمع المدني في المحادثات حول كيفية تحديد هوية الأصول العامة على هذا النحو وإعادتها للمستفيدين الحقيقيين — ألا وهم الشعب. ونظراً للاهتمام الدولي منقطع النظير بسوريا، يمكن للمجتمع المدني المحلي، بدعم من زملاء وحلفاء في دول “مضيفة”، وكذلك في بلدان أخرى لديها خبرات ذات صلة تتشارك فيها (مثل كازاخستان أو نيجيريا أو أنغولا أو غينيا الاستوائية أو أوكرانيا)، أن يلعب دوراً بارزاً جداً في قيادة الحوار حول احتمالات الفصل المفتوح والواضح في النزاعات حول الأصول والتصرف فيها.

وإذا كان هناك أي بارقة أمل تتلألأ بين الغيوم الرمادية الفظيعة التي تخيّم فوق سوريا طوال السنوات العديدة الماضية، فقد تتمثّل في أن هناك فضاء دولي لسماع صوت المجتمع المدني السوري، وأن هذا الفضاء قد يثبت أنه مفيد في الواقع بوصفه نقطة بداية للحوار بين المواطن والحكومة. بدءاً حتى من النذر اليسير نسبياً من موارد سوريا — مجرد بضع مئات من ملايين الدولارات — هناك إمكانات لا حصر لها ليس لتوفير سبل الانتصاف لأولئك الذين لحق بهم الدمار جرّاء العنف وإعادة بناء أنظمة الدعم الرئيسية فحسب وإنما أيضاً لبناء الثقة وحكم مستقر وتوزيع منصف للموارد.

وعلى الرغم من العقبات السياسية، ألا يستحق الأمر المحاولة على الأقل؟

إريكا رزوق هي عضو في مجلس إدارة المركز السوري للعدالة والمساءلة وهي محامية أميركية في مجال مكافحة الفساد، تنحدر من أصول سورية لبنانية، وهي مدققة معتمدة في مجال مكافحة الاحتيال وتعيش في نيويورك. وشاركت في المنتدى العربي 2014 المعني باسترداد الأصول ودعمت جهود المجتمع المدني لإعادة الأصول المسروقة إلى غينيا الاستوائية ونيجيريا وأوكرانيا في الدور السابق الذي تولّته في مؤسسات المجتمع المفتوح، بما في ذلك التنسيق لفعالية قادها المجتمع المدني حول هذا الموضوع في مؤتمر الأمم المتحدة حول تمويل التنمية عام 2015 في أديس أبابا.

لمزيد من المعلومات ولتقديم الآراء وردود الأفعال، يرجى التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]