1 min read

انهيار وقف الأعمال العدائية في حلب

الدمار الذي خلّفته الغارات الجوية في أحد أحياء حلب
المصدر: صفحة مركز حلب الإعلامي (AMC) على الفايسبوك

بينما ترتفع وتيرة العنف ويتزايد عدد الوفيات بين المدنيين في مدينة حلب التي تتعرّض لقصف مستمر، أصبح من الواضح بشكل متزايد أن اتفاق وقف الإعمال العدائية الذي تم الاتفاق عليه في شهر شباط/فبراير الماضي قد انهار تماماً. فقد اشتد القتال في حلب مع مقتل أكثر من 250 شخصاً في الأسبوعين الماضيين، حيث قُتِل قرابة 50 منهم في غارة جوية على مستشفى القدس في حلب. وقد ترك هذا الاقتتال العديد من سكان المدينة في حاجة ماسة إلى الإمدادات الإنسانية. وفي صباح يوم الخميس، أعلنت الولايات المتحدة وروسيا التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار لمدة 48 ساعة لمدينة حلب. ومع ذلك، أشارت تقارير إلى وجود انتهاكات، بما في ذلك قصف جوي من قبل الحكومة السورية. وكما كتب المركز السوري للعدالة والمساءلة في آذار/مارس، فإن أي اتفاق لوقف إطلاق النار لا يشمل مراقبة مستقلة بناءً على خرائط يتفق عليها جميع الأطراف، فضلاً عن نظام للمساءلة لأولئك الذين يخرقون الاتفاق، لن يكون فعالاً.

إن المشكلة الرئيسية في وقف الأعمال العدائية لشهر شباط/فبراير الماضي تتمحور حول جبهة النصرة. ففي حلب، على وجه الخصوص، استخدمت حكومة الأسد النصرة ككبش فداء لتبرير الضربات الجوية. وبما أن جبهة النصرة ليست طرفاً في اتفاق وقف الأعمال العدائية، لا تشكّل الهجمات على النصرة انتهاكاً. وقد دعمت تصريحات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري والعقيد في الجيش الأمريكي ستيف وارن موقف الحكومة السورية من حيث أنها أوحت بأن وجود النصرة في مدينة حلب يجعل من الصعب تحديد ما إذا وقعت انتهاكات لاتفاق وقف الأعمال العدائية. ولكن التقارير المدنية تبيّن أن الضربات الجوية قد امتدت إلى خارج المناطق الخاضعة لسيطرة جبهة النصرة، وأثرت على المدنيين على نحو فادح.

إن انفصال تصريحات القادة الدوليين عن الواقع على الأرض يتسبّب في إحباط شديد بين السوريين الذين كان لديهم بصيص أمل في أن وقف الأعمال العدائية من شأنه أن يساعد في إعادة النذر اليسير من الوضع الطبيعي إلى حياتهم اليومية. وعلى الرغم من أن جبهة النصرة لها وجود في حلب، إلا أن المدينة تخضع لتركيبة معقدة من القوات المقاتلة، وغالبية أفرادها هم من مقاتلي المعارضة وهم طرف في اتفاق وقف الأعمال العدائية. وما فتئت الغارات الجوية تستهدف هذه الجماعات، فضلا عن المدنيين الخاضعين لسيطرتها، مع وجود تقارير تفيد بوقوع العديد من الإصابات منذ 22 نيسان/أبريل. وقد بلغت هذه الهجمات على المدنيين حداً يتجاوز ما يمكن تبريره على أنه أضرار جانبية بموجب القانون الإنساني الدولي. وعلاوة على ذلك، لا يوجد ما يبرر استهداف المشافي من قبل الحكومة السورية، لا سيما بالنظر إلى عدم وجود دليل على أن جبهة النصرة قد استخدمت المرافق الطبية لأغراض عسكرية، مثل المشفى الذي تدعمه منظمة أطباء بلا حدود الذي استُهدِف الأسبوع الماضي. أما بالنسبة لاتفاق وقف الأعمال العدائية الأخير في حلب، تكشف الانتهاكات التي وقعت مؤخراً عن نفس نقاط الضعف المتأصّلة. وعلاوة على ذلك، فقد صدر عن الرئيس بشار الأسد تصريحات تدعو إلى “تحقيق الانتصار النهائي” على جميع فصائل المعارضة المسلحة، مما يدلّ على أنّه غير مستعد للتمييز ما بين النصرة والقوات المقاتلة التي تعتبر طرفاً في وقف الأعمال العدائية مما يشكّك بشكل جدّي بمدى التزامه بعملية السلام.

وقد أكد تحليل المركز السوري للعدالة والمساءلة لشهر آذار/مارس على أهمية رسم خرائط للصراع ووجود مراقبة مستقلة يوافق عليها جميع الأطراف من أجل أن يكون أي اتفاق لوقف اطلاق النار فعالاً وقابلاً للدّوام. وكانت الولايات المتحدة قد اقترحت بالفعل فكرة إنشاء خريطة مفصّلة مع روسيا من شأنها أن تحدّد “مناطق آمنة” حيث يستطيع المدنيون وأفراد جماعات المعارضة المعتدلة أن يجدوا مأوى من الهجمات المستمرة من قبل الجيش السوري وحلفائه. ومن شأن وجود خريطة واضحة للصراع أن تُظهر بوضوح كل مجموعة وما هي المناطق التي تسيطر عليها ومن شأنها أن تمنع حكومة الأسد من اختلاق أعذار لهجماتها. ويُعتبر الرصد المستقل حاسماً أيضاً، كما أقر بذلك الوزير كيري في بيان صحفي صدر مؤخراً اقترح فكرة قيام موظفين أمريكيين وروس بالعمل على مدار الساعة (24 ساعة/سبعة أيام في الأسبوع) في جنيف من أجل مراقبة وقف الأعمال العدائية. وتُعدّ المساءلة ضرورية أيضاً، ويمكن أن تكون بسيطة على شكل إعلانات موحدة تصدر عن مجلس الأمن الدولي لإدانة منتهكي الاتفاق. في الوقت الراهن، يكتنف الغموض الانتهاكات التي يمكن إنكارها بسهولة من قبل كل جانب بوصفها افتراءات مسيّسة. ومن شأن وجود آلية رصد مستقلة أن يسلّط الضوء على الخروقات، ويخلق شكلاً من أشكال المساءلة.

ودون تنفيذ مراقبة سليمة لوقف إطلاق النار ورسم خرائط يوافق عليها جميع الأطراف، فمن المؤكد أن يستمر إخفاق وقف الأعمال العدائية. ولا يمكن أن يتحقق الحل السياسي في حين يستمر استهداف وقتل المدنيين بلا هوادة. ولهذا السبب، يحثّ المركز السوري للعدالة والمساءلة المجتمع الدولي على إنشاء هذه التدابير تحت مظلة وقف الأعمال العدائية في أقرب وقت ممكن. إذ من شأن الفشل في القيام بذلك أن يوفّر غطاء لانتهاكات صارخة للاتفاق، مما سيؤدي إلى تصعيد إضافي للأعمال العدائية ويُلحق مزيداً من الدمار بالشعب السوري.

لمزيد من المعلومات ولتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى الاتصال بالمركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]