1 min read

المشاركة العامة أمر لا بد منه لصياغة الدستور القادم لسوريا

متظاهر يحمل لافتة يرفض فيها الاستفتاء على الدستور السوري لعام 2012. وتمت صياغة الدستور من قبل لجنة غير
منتخبة وطرحه للتصويت بنعم أو لا بدون مشاركة إضافية. المصدر: Syrian Free Press

في كانون الأول/ديسمبر 2015، أقر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2254 بهدف وضع خريطة طريق لتيسير عملية انتقال سياسي في سوريا. وفي الجولة الأخيرة من محادثات السلام، قام المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا بمنح الأولوية لإجراء انتخابات ووضع دستور سوري جديد كخطوات رئيسية لتنفيذ القرار. وأكدت الولايات المتحدة وروسيا هذا الرأي وأعلنتا أن شهر آب/أغسطس 2016 هو الموعد النهائي لصياغة الدستور. وتفيد تقارير أن الحكومة الروسية قدمت مسودة أولية تقوم الولايات المتحدة بمراجعتها في الوقت الراهن. وبالتخطيط للعملية الدستورية من دون إشراك السوريين، فإن الولايات المتحدة وروسيا والأمم المتحدة يمهدون الطريق لعملية دستورية مستعجلة وغير شفافة وسيئة الإعداد، والأهم من ذلك، أنها لا توفر ما يكفي من الوقت أو المساحة لللإيفاء بمطالب السوريين.

وفقاً للممارسات الفُضلى العالمية والدروس المستفادة من بلدان أخرى تمر بمرحلة ما بعد الصراع، تملك العملية الدستورية القدرة على أن تكون جزءاً هاماً من بناء السلام. وعلى الرغم من أن الدساتير عبر التاريخ تمت صياغتها من قبل النخب السياسية دون مساهمة من الشعوب، فقد أظهرت الممارسة الحديثة بأن العملية الشاملة للعامة تؤدي إلى منتجات نهائية تتمتع بقدر أكبر من الشرعية والقبول المحلي — وهما عنصران حاسمان لتعزيز الاستقرار في المستقبل. وفي عام 2003، أصدر المعهد الأمريكي للسلام (USIP) تقريراً عن صياغة الدستور يؤكد على أهمية “المشاركة السياسية الحقيقية” التي تُعرف بأنها عملية تسمح بالإدماج الاجتماعي والأمن الشخصي وحرية التعبير والتجمّع. ووفقاً لهذا النموذج، تكون عملية الصياغة في كثير من الأحيان طويلة وتتطلب موارداً كبيرة لتحقيق النجاح. ويؤكد التقرير كذلك أن الدساتير الديمقراطية لا يمكن أن تكون مكتوبة من قبل جهات خارجية نيابة عن الأمة لأنها لن تعالج مظالم السكان وليس من المرجح أن تحظى بقبول على المستوى المحلي.

كانت تونس ورواندا دولتين اتبعتا نموذجاً تشاركياً لصياغة الدستور. وعلى الرغم من أن العملية التونسية لم تخرج من رحم حرب أهلية دامية كما هو الحال مع سوريا، إلا أن تونس تضرب مثالاً على أهمية المشاركة التي تختلف بشكل ملحوظ عن العمليات الانتقالية في دول عربية أخرى. وتم تأطير الدستور الجديد لتونس في البداية بهدف التوصل إلى توافق وحماية ضد الحكم الاستبدادي. ولقد كانت عملية بطيئة تنطوي على مفاوضات وتصويت من طيف واسع من الأحزاب السياسية. حيث صوتت مجموعة متنوعة من أعضاء البرلمان المنتخبين شعبياً على كل مادة على حدة. وفي الوقت الذي استغرقت ما يقرب من ثلاث سنوات لإكمالها، ضمنت العملية الطويلة والمتكررة التي مرّ بها الدستور التونسي أكبر قدر من القبول من المجتمع التونسي، مما أعطى لوثيقة الدستور شرعية حقيقية.

كما هو حال سوريا، شهدت راوندا حرباً أهلية وحشية ولكنها مع ذلك كانت قادرة على تشكيل دستور جديد بمشاركة سياسية حقيقية. وبعد الحرب، التزم المسؤولون الراونديون بمبادئ المشاركة طوال المرحلة الانتقالية، وقامت الحكومة والمجتمع الدولي على حد سواء بتكريس موارد كبيرة — قرابة 7 ملايين دولار أمريكي — لجعل المشاركة ممكنة. وحتى قبل صياغة الوثيقة بوقت لا بأس به، كان هناك تواصل وتثقيف على المستوى المحلي بشأن العملية الدستورية. وتوّجت المشاركة بتصويت أكثر من 90٪ من الناخبين الراونديين في الاستفتاء النهائي، مع تصويت 93٪ من بين أولئك الذين صوتوا بالموافقة على مسودة الدستور. وبفضل هذه العملية الشاملة، نظر الراونديون إلى هذه الوثيقة الجديدة بمثابة استراحة مشروعة من عنف الماضي وساعدت في تأسيس إطار جديد للحكم في مجتمع ما بعد الصراع.

وفي حين تسير عمليات السلام وصياغة الدستور في كثير من الأحيان جنباً إلى جنب، وفقاً لحبيب نصار، الخبير الدستوري وعضو المجلس الاستشاري في المركز السوري للعدالة والمساءلة، عادة ما تفضي نتيجة مفاوضات السلام إلى عملية صياغة الدستور، وليس العكس. وبدلاً من ذلك في سوريا، يبدو أن صياغة الدستور توجّه المحادثات وتسير إلى جانبها بالتوازي. وهذا ليس فقط أمراً غير اعتيادي، ولكنه يهدّد عملية بناء السلام في سوريا. وفي المقابل، يمكن للمفاوضين وكذلك الجهات الدولية المساندة للمحادثات العمل على وضع دستور مؤقت أو وثيقة انتقالية وترك صياغة دستور دائم لوقت يكون من الممكن فيه إجراء عملية شاملة. فقد استخدم الراونديون، على سبيل المثال، وثائق متعددة لتوجيه العملية الانتقالية حتى تبنّت البلاد دستوراً جديداً في عام 2003. وتضمنت هذه الوثائق الدستور الرواندي لعام 1991 والبروتوكولات من اتفاق أروشا للسلام عام 1999 والبروتوكولات الإضافية التي استحدثتها الحكومة الانتقالية.

لا تلتزم المقاربة المقترحة للولايات المتحدة وروسيا بالممارسات الفُضلى، ولا يُبدي المبعوث الخاص للأمم المتحدة ولا مستشاروه أي رد فعل. وإن الإحباط بين السوريين هو أنه ما تزال هناك حاجة لتفسير الأسباب الكامنة وراء العملية الحالية. وإن الدروس المستفادة من دول مثل تونس وراوندا تثبت أنه ليس هناك حاجة للاستعجال في صياغة الدستور. ويمكن للوثائق المؤقتة أن تنوب عن الدستور حتى تجري عملية شاملة حقيقية. وفي حين أن وجود دستور مصاغ بشكل جيد هو أمر مهم للحكم الرشيد، يمكن للعملية نفسها أن تكون أكثر أهمية لبناء السلام وإرساء سيادة القانون من المنتج النهائي. وبما أن جذور الصراع الحالي في سوريا تنبع من مشاكل خطيرة في الحكم، يتطلب التصدي الوافي للصراع معالجة هذه المظالم، وليس تكرار نفس سياسة الباب الموصد والأنماط غير الدامجة في اتخاذ القرار التي كانت هي السمة السائدة في ماضي سوريا.

لمزيد من المعلومات ولتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى الاتصال بالمركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]