الجدل حول المجلس الاستشاري النسائي
المبعوث الخاص للأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا يجتمع مع المجلس الاستشاري النسائي، 22 آذار/مارس، 2016.
المصدر الأمم المتحدة، جنيف
في شباط/فبراير، اتخذت الأمم المتحدة خطوة تاريخية عندما عقد المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا المجلس الاستشاري النسائي، حيث جرى للمرة الأولى إنشاء مثل هذا المجلس لتقديم المشورة والنصح إلى أحد مبعوثي الأمم المتحدة الخاصين خلال مفاوضات سلام. وشاركت عضوات المجلس الاستشاري في مؤتمر صحفي عقب اجتماع عُقد مؤخراً مع دي ميستورا للتعبير عن مطالبهن الرئيسية التي شملت الإفراج عن النشطاء السلميين ونشر المعلومات عن مصير المفقودين ورفع العقوبات المفروضة من الغرب بحيث يتسنّى للمساعدات الإنسانية أن تصل إلى السوريين. وعلى الرغم من الطبيعة التاريخية للاجتماع، انتقد العديد من الناشطين السوريين المجلس الاستشاري بوصفه غير ممثِّل ومحاولة فاشلة لشمول الجميع. بل وذهبت بعض الجهات، مثل شبكة المرأة السورية الناشطة في مجال حقوق المرأة في سوريا منذ تأسيسها في عام 2013، إلى تعليق مشاركتها في “مبادرة نساء سوريا من أجل السلام والديمقراطية”، والتي تشارك بدورها في المجلس الاستشاري النسائي.
لطالما تعرضت مفاوضات جنيف، في جميع جولاتها لانتقادات بسبب فشلها في شمول النساء في المحادثات بشكل أساسي. وعلى الرغم من مشاركة النساء في جهود بناء السلام وحقوق الإنسان على مستوى القواعد الشعبية، إلا أن جميع الصور تقريباً التي التقطت في اجتماعات رفيعة المستوى في جنيف يظهر فيها مائدة مستديرة مليئة بالرجال. وبما أن النساء كنّ على الدوام ضحية الاعتقال ومداهمات المنازل والنزوح الجماعي، فضلاً عن الأعباء الاجتماعية والاقتصادية التي تُلقى على عاتقهن عندما يختفي أو يموت الأزواج والآباء والأشقاء، فإن لهن مصلحة كبيرة في نتائج المحادثات. وعلاوة على ذلك، هناك جرائم معينة من العنف القائم على الجنس والعنف القائم على النوع الاجتماعي، بما في ذلك الاغتصاب والزواج القسري والاستعباد الجنسي، استهدفت النساء على وجه التحديد. ولضمان أن تتم معالجة هذه المظالم وسماع أصوات جميع السوريين، يجب على المرأة السورية، وتحديدا الناجيات من الانتهاكات، أن يشاركن في أي تسوية يتم التفاوض عليها.
ولا يُعتبر شمول النساء مجرد مبدأ أخلاقي نظري. فقد أظهرت البحوث أن عمليات السلام التي تشمل النساء تؤدي إلى السلام والاستقرار على المدى الطويل. وفي دراسة أجريت على 40 عملية سلام، وجد معهد الدراسات العليا في جنيف أنه عندما تشارك المرأة، تزيد احتمالية أن تدوم اتفاقات السلام لمدة 15 سنة على الأقل بنسبة 35 بالمائة. وبما أن الصراع يؤثر على النساء والرجال بشكل مختلف، فإن إشراك المرأة في محادثات السلام يساعد على معالجة مخاوف وهموم نصف السكان. وعندما يشعر نصف سكان بأنهم أكثر أمناً، تزداد فرص السلام الناجح. وكذلك في حين يركز الرجال عموماً على قضايا السلطة والأمن أكثر، تميل النساء إلى توسيع قائمة الأولويات لتشمل حقوق الضحايا والعدالة الانتقالية وغيرها من القضايا الاجتماعية الهامة التي تسهم في المصالحة واستدامة اتفاق السلام.
إن المجلس الاستشاري النسائي هو محاولة من قبل الأمم المتحدة لتكون أكثر شمولاً. فلماذا إذاً فشل المجلس الاستشاري في تلبية مطالب المجتمع المدني؟ أولاً، انتقد العديد من الناشطين في مجال حقوق الإنسان عملية الاختيار نظراً لافتقارها إلى الشفافية والوضوح. ففي حين لم يتم شمول العديد من النساء السوريات البارزات في المجلس، اختارت الأمم المتحدة أن تشمل عدداً قليلاً من النساء اللواتي كنّ عضوات في جماعات سياسية توجد مزاعم بأنها دافعت عن العنف الذي تدعمه الحكومة، واللواتي يُزعم بأن لديهن صلات بالتطرف، واللواتي شاركن في ممارسات الفساد، واللواتي عملن لدى منظمات ساعدت في انتهاكات حقوق الإنسان التي تقودها الحكومة. وفي حين أن المركز السوري للعدالة والمساءلة ليس في موضع يُمَكّنه من تأكيد أو نفي هذه المزاعم، تشير الاتهامات إلى أن فريق دي ميستورا لم يدقّق العضوات كما ينبغي، الأمر الذي أثار غضب العديد من السوريين، ومن بينهم ناشطات حقوق المرأة المتمرسات في هذا المجال.
المصدر: مشاركة على الفيسبوك من قبل الناشطة في حقوق المرأة السورية علا رمضان.
ثانياً، تشير مطالب المجلس الاستشاري النهائية إلى أن النساء فاوضن لأهداف سياسية، وليس لمبادئ حقوق المرأة. وأبرز مثال على ذلك هو طلب المجلس رفع العقوبات لتتمكن المساعدات الغذائية والطبية من الوصول إلى السوريين. وفي حين أن العقوبات تؤثر على العديد من السوريين من خلال منع سوريي الشتات من إرسال الأموال إلى ذويهم وخلق صعوبات في تأمين البضائع من الخارج، إلا أنه لا يمكن أن تكون العقوبات كبش فداء لنقص الغذاء والمساعدات في أجزاء كثيرة من سوريا. حيث أن عدم قدرة المساعدات الإنسانية من الوصول الى مضايا وغيرها من المدن المحاصرة، على سبيل المثال، ليس خطأ العقوبات، وإنما خطأ السياسة المتعمدة التي يتبعها الجيش السوري لتجويع وقمع البلدات التي تسيطر عليها المعارضة. وإن أي بيان يلقي باللوم على العقوبات هو بيان مسيّس بشكل واضح، مما يعكس تركيبة المجلس نفسه.
ثالثاً، يشعر المجتمع المدني السوري بالقلق ممّا إذا كان سيُسمح للمجلس الاستشاري بتقديم مساهمات مفيدة لعملية التفاوض. ونادراً ما تم التشاور مع المجتمع المدني في محادثات جنيف حتى الآن. وفي الواقع، يبدو أن المفاوضين السوريين يتم تغييبهم تماماً حيث أن العديد من الاتفاقات لا تتم إلا خلال محادثات رفيعة المستوى بين الولايات المتحدة وروسيا. ويبقى من غير الواضح تماماً كيف سيطرح المبعوث الخاص مطالب المجلس الاستشاري في المناقشات بين المعارضة والحكومة أو بين وزير الخارجية جون كيري ونظيره سيرغي لافروف. وبالتالي لا يكفي إنشاء مجلس استشاري أو عقد اجتماع واحد مع المجتمع المدني — إذا يجب أن تساهم المشاركة بشكل فعال في هذه العملية وفي الاتفاق النهائي.
يدعم المركز السوري للعدالة والمساءلة محاولة الأمم المتحدة لتوسيع شمولية عملية التفاوض. ويجب أن تكون النساء جزءاً من المفاوضات من أجل معالجة تظلماتهن المحدّدة وليكون للاتفاق النهائي تأثير دائم على أرض الواقع. ولكن يجب أن يكون لإنشاء المجلس الاستشاري عملية تدقيق واختيار واضحة، وينبغي أن يهدف إلى التعبير عن المبادئ بدلاً من التصريحات السياسية، ولن يكون فعالاً إلا إذا كان بالإمكان أن يشارك المجلس مشاركة فعالة في صياغة الاتفاق الإطاري النهائي. ولقد قصّر المجلس الاستشاري الحالي في أداء عمله، ونتيجة لذلك، لم يتقبله السوريون.
لمزيد من المعلومات وتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى الاتصال بالمركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected].