1 min read

التعذيب يغدو جزءاً اعتيادياً من الحرب السورية


في الوقت الذي يدخل فيه الصراع في سوريا عامه السادس، تبقى الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان واحدة من السمات الرئيسية في الصراع. وعلى الرغم من تزامن الذكرى السنوية للثورة هذا العام مع اتفاق “وقف الأعمال العدائية” الذي تم التوصل إليه برعاية أمريكية – روسية، والذي صمد منذ 26 شباط/فبراير، خلافاً لتوقعات كثير من المراقبين، إلا أن الصورة الكبيرة في سوريا تبدو قاتمة.

ما فتئت قوات الحكومة السورية وجماعات الثوار المسلحة ترتكب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان على نطاق مثير للقلق، مما جرّ البلاد إلى دوامة لا نهاية لها من العنف والهجمات الانتقامية. وكان التعذيب، على وجه الخصوص، أحد أكثر أعمال العنف انتشاراً على نطاق واسع وأكثرها توثيقاً في الصراع الحالي.

لممارسة التعذيب تاريخ طويل في سوريا، حيث كان التعذيب شائعاً خلال ثلاثة عقود من حكم الرئيس السابق حافظ الأسد. وقد تشارك السوريون بآلاف الإفادات حول التعذيب وإساءة معاملة السجناء السياسيين في المعتقلات. وقد كُتبت روايات عديدة عن الانتهاكات في سجن تدمر وحده. ولم يتم إجراء أية تغييرات حقيقية على قوات الأمن أو ظروف الاعتقال أو حتى قطاع العدالة بعد تولي بشار الأسد، ابن حافظ، السلطة في سوريا. واستمرت ممارسة التعذيب- الأمر الذي واجهتُه وشهدتُه بنفسي خلال الأشهر القليلة التي قضيتها في سجن صيدنايا العسكري في عام 2006.

ومع اندلاع الثورة الأخيرة عام 2011، أصبحت الأجهزة الأمنية، بناءً على عقود من الخبرة في الاعتقالات التعسفية والتعذيب والخوف، أكثر وحشية من أي وقت مضى. وتحوّل الهدف من التعذيب من استخراج المعلومات إلى مجرّد قتل للمعتقلين. وقد هزّ نطاق الوحشية العالم، لا سيما بعد أن قام مصوّر الشرطة العسكرية، الذي أصبح يُعرف الآن ب “قيصر”، بالانشقاق ومغادرة سوريا، وعرض صور التعذيب ليراها الجميع.

ولكن كيف أثرت زيادة العنف الذي تمارسه الحكومة على السوريين في المعارضة؟ فبدلاً من النضال ضد استخدام التعذيب، سرعان ما تعلمت جماعات معينة من الثوار، بما في ذلك فصائل من الجيش السوري الحر وجبهة النصرة، من ممارسات الأسد وبدأت هذه الفصائل بارتكاب أعمال تعذيب مروعة. واستحدثت تلك الفصائل مراكز اعتقال سرية تسيطر عليها المعارضة، وبدأت قصص ومقاطع الفيديو للفظائع التي يرتكبونها تظهر على الانترنت.

وبالنسبة لكثير من السوريين، أصبح التعذيب جزءاً من الحياة اليومية، سواء ما يُبثّ على الأخبار أو من مقاطع الفيديو على اليوتيوب أو من معرفتهم بمعاناة صديق أو قريب من سوء المعاملة أو موته بسببها. ومع ذلك، لا تجد غالبية السوريين يحشدون ضدّ هذه الممارسة. وعلى الرغم من أن هذا قد يكون بسبب أن السوريين في الداخل يخشون على سلامتهم، إلا أن السوريين في الشتات أيضاً يغضون الطرف عن هذه الممارسات.

ومن خلال عملي على موضوع حقوق الإنسان في سوريا، قابلت مئات الناجين من التعذيب على مدى عقد من الزمن، وشهدتُ التعذيب بأمّ عيني في سجن صيدنايا العسكري، ومؤخراً، أتولى إدارة المركز السوري للعدالة والمساءلة. على مر السنين، أتيحت لي الفرصة لتحديد التوجهات التالية فيما يتعلق بالتعذيب في السياق السوري:

1. ممارسة التعذيب آخذة في الازدياد: في بداية الثورة، استخدم الأسد وقواته التعذيب لقمع المعارضة السياسية، ولكن الآن تورّطت جميع الأطراف تقريباً في اقتراف هذه الممارسة.

2. إنتشار تبرير التعذيب: إن الطائفية في كلٍ من سوريا والعراق آخذة في الازدياد. ولا تعمل الأحقاد الطائفية على زيادة وحشية التعذيب فحسب ولكنها كذلك تعطي السوريين والعراقيين سبباً للصفح عن الجناة – طالما أن الجاني ينتمي إلى طائفتهم. وينسحب هذا حتى على أوساط السوريين المثقّفين.

3. التعذيب لم يعد مسألة سرية: تاريخياً، ارتُكب التعذيب في سوريا في مراكز الاعتقال، بعيداً عن أعين الجمهور. وكانت أحياناً تتسرب مقاطع فيديو، ولكن عموماً كان التعذيب بمثابة السر القذر للحكومة. أما في سوريا اليوم، فقد أصبح التعذيب فعلاً علنياً، مما طبّع ممارسته في الشارع ونقاط التفتيش وعلى جبهات القتال. بل ويمكن للمتفرجين أن يهتفوا للجناة، ويظهروا دعمهم العلني لممارسة التعذيب.

4. يتم ارتكاب التعذيب في مجموعات: أحد أكثر التوجهات مدعاة للقلق هو ارتكاب التعذيب من قبل مجموعات من الجناة. حيث يمكن فهم الشر المتأتي من جاني واحد يُلحِق هذا النوع من الضرر بإنسان آخر، لكن يصعب فهم ما يحصل عندما يحدث ذلك في مجموعة. وبدلاً من التعبير عن اعتراضهم أو إظهار بعض التعاطف، تجدهم يتكالبون ويشجعون بعضهم البعض، وكأنهم يتنافسون لمعرفة من هو الجاني الأكثر وحشية.

5. السوريين في الشتات يدعمون التعذيب: في كثير من الأحيان، رأيت لاجئين سوريين ينشرون مقاطع فيديو تُظهر حالات التعذيب وينشرون شعارات تدعو للانتقام على وسائل التواصل الاجتماعي. وندّد السوريون في الشتات بإدانة مقاتل سابق في الجيش السوري الحر في السويد بعد أن نشر شريط فيديو لنفسه وهو يقوم بتعذيب سجين في سوريا في عام 2012. حيث وجد المحققون السويديون مقطع الفيديو، وحكمت عليه إحدى المحاكم بالسجن لمدة خمس سنوات. وعلى الرغم من الأدلة الواضحة، إلا أن كثيراً من السوريين لا يعتقدون أن العقوبة مبررة “لمجرّد التعامل مع جنود الأسد بنفس الطريقة التي عاملونا فيها”.

6. العدالة فقط ستساعد على ردع مرتكبي التعذيب: عمل نشطاء حقوق الإنسان في سوريا والمحامون ومواطنون سوريون دون كلل أو ملل، معرّضين حياتهم لخطر داهم، لتوثيق الانتهاكات التي تحدث في النزاع وفضح الجناة دولياً. ولكن، بعد مرور خمس سنوات، من الواضح أن التوثيق وحده لا يردع هذه الممارسة، أو حتى يفتح نقاشاً داخل المجتمع السوري عن خطأ التعذيب. ولكي يكون التوثيق فعالاً حقاً، يجب أن يكون مصحوباً بعمليات المساءلة التي يمكن أن تبدأ الآن من خلال السلطة القضائية للمحاكم في أوروبا وأميركا الشمالية، وينبغي أن تستمر في المستقبل.

وتهدّد ممارسة التعذيب بزيادة تمزيق النسيج الاجتماعي السوري وزيادة الطائفية. ويحتاج السوريون إلى فهم أفضل أن التعذيب يؤثر على كل مجتمع، بغض النظر عن العرق أو الدين. وعلى المدى الطويل، سوف يستمر التعذيب بلعب دور مدمر في سوريا، حتى بعد انتهاء الصراع، إلا إذا قام المجتمع السوري بشكل موحّد بإدانة ذلك وعمل على إصلاح الممارسات الحالية والمستقبلية. والأهم من ذلك، يجب على المباحثات الجارية حالياً في جنيف أن تمنح الأولوية للعدالة والمساءلة عن التعذيب وغيره من انتهاكات حقوق الإنسان وأن تشمل تحقيقات في حالات التعذيب وإدانة لها في اتفاق السلام النهائي.

للحصول على مزيد من المعلومات وتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على العنوان التالي: [email protected]

المقالة نشرت لأول مرة في الهافينغتون بوست؟ يمكنك العثور على المادة هنا.