1 min read

توثيق الاعتداءات على المرافق الطبية في سوريا

المستشفى الذي تدعمه منظمة أطباء بلا حدود والذي تم قصفه في معرة النعمان يوم الاثنين 15 فبراير. الصورة لـ La Veu del País Valencià

في 15 شباط/فبراير، أفاد متحدث باسم الأمم المتحدة أن 50 شخصاً على الأقل قُتِلوا في هجمات صاروخية أصابت أربعة مشافي في محافظتي حلب وإدلب ومدرسة تُستخدم لإيواء النازحين داخلياً في شمال سوريا. ووفقاً للعديد من الناشطين والمراقبين، كانت الطائرات المقاتلة الروسية هي المسؤولة عن هذه الهجمات. وكانت منظمة “أطباء بلا حدود” تدير أحد المشافي التي تم استهدافها. وقال رئيس بعثة أطباء بلا حدود أن الحادث على ما يبدو هو بمثابة “هجوم متعمد على مرفق صحي” و”تمخّض عنه حرمان حوالي 40,000 من السكان المحليين من الخدمات الطبية في منطقة صراع نشط.”

ومنذ عام 2012، ما انفكّت الهجمات تستهدف المنشآت الطبية في سوريا. ووفقاً لمفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فإن هذه الهجمات (وغالبيتها ارتكبتها القوات الحكومية السورية) تحرم عمداً وصول المساعدة الطبية لأولئك الذين أصيبوا بجروح نتيجة الحرب. ووفقا للأمم المتحدة، فإن هذه الاعتداءات المتواصلة ضد المدنيين السوريين تشكّل انتهاكاً للقانون الإنساني الدولي وهذا يمكن أن يرقى إلى مستوى جرائم الحرب. وتُعتبر البيانات الصادرة عن الامم المتحدة هامة لأنها تُبرز أن الهجمات على المرافق الطبية والحرمان من الرعاية الصحية الأساسية للمدنيين السوريين تشكّل توجّهاً مقلقاً ومتّسقاً، الأمر الذي ينتهك القانون الدولي.

وتحظر المادة 18 من اتفاقية جنيف الرابعة الهجمات المتعمدة على المشافي المدنيّة. وبحسب تفسير اللجنة الدولية للصليب الأحمر، فإن المادة 18 تقتضي من القوات العسكرية “اتخاذ احتياطات خاصة لاستثناء المشافي من هجماتها بالقدر الإنساني الممكن” عند القيام بأي عمليات عسكرية. وإن نظام روما الأساسي، الذي يمنح للمحكمة الجنائية الدولية اختصاصاً للنظر في الانتهاكات الخطيرة لاتفاقيات جنيف، يصف بوضوح الهجمات المتعمدة ضد السكان المدنيين والمشافي على أنها أنماط من جرائم الحرب.

ويُعتبر التوثيق عالي الجودة أمراً حاسماً لوضع مرتكبي الهجمات على المرافق الطبية موضع مساءلة. وتُقدّم اللجنة الدولية للصليب الأحمر عدّة اعتبارات يمكن أن تساعد المدافعين عن حقوق الإنسان في صقل استراتيجياتهم عند توثيق الهجمات التي تستهدف المشافي. على سبيل المثال، تشير اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن المرافق التي تحمل رموزاً وعلامات طبية خارجية (مثل رمز الصليب الأحمر أو الهلال الأحمر) ينبغي ألا تكون هدفاً للهجوم. وهكذا، يمكن للموثّقين جمع المعلومات والصور والمقابلات التي تساعد على إثبات أن المرفق كان يحمل علامة واضحة وأن مرتكب الجريمة كان على علم، أو كان يُفترض أن يكون على علم، بأن ذلك المرفق مخصص لمهام طبية. وهناك اعتبار آخر ألا وهو ما إذا كان المشفى المدني بعيداً عن الأهداف العسكرية ولم يكن يُستخدم لأغراض عسكرية. ويستطيع الموثقون أن يجمعوا المقابلات والحقائق لإثبات المسافة التي تفصل بين الأهداف العسكرية المشروعة والمشفى وكذلك الاستخدام المدني وليس العسكري للمنشأة لمعالجة المرضى والجرحى.

غير أن الطبيعة الحضرية للحروب الحديثة، وخاصة في السياق السوري، تفرض تحديات خطيرة لتوثيق هذه الأنواع من الهجمات. وعادة ما تجري عمليات القتال في المقام الأول في المدن والبلدات المأهولة بالسكان حيث يكون الخط الفاصل بين ما هو مدني وما هو عسكري غير واضح إلى حد كبير. وعلاوة على ذلك، لم تلتزم الحكومة السورية بمبادئ اتفاقيات جنيف أو المبادئ التوجيهية للجنة الدولية للصليب الأحمر أثناء قيامها بشن هجماتها. وفي المقابل، يبدو أن الحكومة وحلفاءها يستهدفون بشكل متعمّد المشافي كسياسة لبث الخوف وترويع المدنيين وعمال الإغاثة الإنسانية. وبالتالي، تتجنّب العديد من المشافي عمداً استخدام الرموز الطبية وتعمل “بشكل سري” من أجل تجنب مثل هذه الهجمات. ونتيجة لذلك، قد لا يكون المدافعون عن حقوق الإنسان قادرين على أن يبرهنوا بسهولة أن الجناة كانوا على علم، أو كان يجب أن يكونوا على علم، بأن ذلك المرفق كان منشأة طبية وقت وقوع الهجوم.

يجب على آليات العدالة الانتقالية المقبلة تكريس اهتمام خاص لمعالجة المسألة المعقدة لتدمير المشافي والأضرار التي تلحق بها منذ عام 2011. وبالإضافة إلى السماح بالمحاكمات الجنائية، يجب على الحكومة أو هيئة الحكم الانتقالية في مرحلة ما بعد الصراع أن تعيد بناء البُنية التحتية الطبية وأن تعطي الأولوية لتوفير الرعاية الصحية للضحايا الذين يحتاجون لعلاج للإصابات الجسدية والنفسية على المدى الطويل. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن اتّخاذ خطوات لتخليد ذكرى جهود العاملين في مجال الرعاية الصحية السوريين والدوليين الذين خاطروا بحياتهم لعلاج ومساعدة المرضى والجرحى في وقت الحاجة. ودون بذل جهود متضافرة لمعالجة شمولية لهذه المسألة، فإن التدمير واسع النطاق للمشافي سيكون له آثار مدمرة على السوريين وقدرتهم على الوصول الى الرعاية الصحية الكافية لسنوات عديدة بعد انتهاء الصراع.

لمزيد من المعلومات وتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إرسال بريد إلكتروني إلى المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected].