جميع الرسائل الخاطئة
وزير الخارجية الامريكية جون كيري يستضيف اجتماعا حول سوريا على هامش الدورة العادية الـ 70 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، في 28 سبتمبر 2015. ويظهر في الصورة أيضا وزير الخارجية الاردني ناصر جودة وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس. الصورة من ويكيميديا
منذ هجمات باريس الشهر الماضي، تركّزت النقاشات الدائرة حول سورياً حصراً على تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) وأزمة اللاجئين المتزايدة. وفي محاولة لمواجهة داعش والحد من تدفّق اللاجئين، استمرت أوروبا والولايات المتحدة بإرسال رسائل خاطئة للسوريين. قام المركز السوري للعدالة والمساءلة بجمع وتلخيص عدد قليل من الرسائل الأكثر إشكالية على مدى الأسابيع الثلاثة الماضية:
- الأمن القومي يحظى بأولوية على حساب المعاناة الإنسانية الجماعية
في أعقاب هجوم منسّق وواسع النطاق كالذي ضرب باريس، يغدو مفهوماً بأن يصبح الأمن القومي أولوية قصوى بالنسبة لأوروبا. فواجب الدولة أن تحمي مواطنيها، وهذا ما دأبت على فعله الحكومات الأوروبية. غير أن قضية اللاجئين أصبحت متشابكة كثيراً في النقاش الدائر حول الأمن القومي إلى درجة بات فيها الموضوعان المختلفان يكتنفهما حالة من عدم الوضوح في وسائل الإعلام والخطاب السياسي. منذ بداية النزاع في سوريا، ما انفك الرئيس السوري بشار الأسد يبرر وحشيته بالادعاء بأن أولئك الذين يعارضونه هم إرهابيون ويجب التعامل معهم على أنهم يشكلون تهديداً. وبدلاً من النظر إلى أزمة اللاجئين على أنها مشكلة إنسانية وإخفاق على صعيد حقوق الإنسان، فقد عزّز النقاش الدولي الجاري حالياً مبررات الأسد بتصوير اللاجئين على أنهم مشكلة أمن قومي، مع تجاهل المعاناة الإنسانية الجماعية التي يشهدها السوريون عقب أربع سنوات من القتال.
- الحاجة إلى محاربة داعش تمنح عذراً للأسد
في الأسابيع الأخيرة، توحّد العالم ضد داعش. ففي الأسبوع الماضي قررت المملكة المتحدة، التي كانت قد صوتت في السابق ضد المشاركة العسكرية، أن توسّع الضربات الجوية في سوريا. وقالت ألمانيا إنها سترسل 1,200 من القوات البرية، بينما تواصل فرنسا قصفها العنيف لسوريا منذ هجمات باريس. ورحّبت روسيا، حليفة الحكومة السورية، بهذه الجهود مما أدى إلى تجنيب الأسد النقد إلى حد كبير. وبالإضافة إلى هذا، هناك تزايد في التوافق ما بين أعضاء التحالف المناهض لداعش يفيد بوجود حاجة لمشاركة الأسد في المفاوضات وفي المرحلة الانتقالية في المستقبل في سوريا. ونتيجة لذلك، تضاءل الضغط الذي كان يُمارس على الأسد. وبالنسبة للسوريين، يبدو كما لو أن الغرب مستعد لأن يغض الطرف عن جرائم الأسد من أجل الوقوف صفاً واحداً ضد داعش، الذي يُعتبر بدون شك مجموعة متطرفة وحشية، ولكنه ليس السبب الجذري للصراع السوري.
- انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي يتمحور حول إبقاء اللاجئين خارج الاتحاد، وليس حول الديمقراطية
على مدى السنوات القليلة الماضية، كانت تركيا في دوامة فيما يتعلق بالديمقراطية وحرية التعبير. حيث يتم استهداف الصحفيين ونشطاء وسائل التواصل الاجتماعي بمعدّل غير مسبوق، وهناك ازدياد في العنف والخطاب الموجهين ضد الأكراد، وانتقد كثير من المراقبين التلاعب السياسي في الجولة الأخيرة من الانتخابات. وقبل خمس سنوات، عندما أوقفت أوربا مفاوضات الانضمام، كانت تركيا في وضع أفضل بكثير مما هي عليه الآن للانضمام؛ ولكن على الرغم من التراجع الديمقراطي، فقد وافق الاتحاد الأوروبي مؤخراً على إعادة إطلاق محادثات الانضمام في حال اتخاذ تركيا تدابيراً تحول دون هجرة اللاجئين إلى أوروبا. وفي سياق التوصل إلى هذا القرار، يبدو بأن الاتحاد الأوروبي قد قرر أن يتجاهل المعيار الأول في محادثات الانضمام — ألا وهو ضمانات “الديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان واحترام الأقليات وحمايتها”. وهذه رسالة مفادها بأن الاتحاد الأوروبي مستعد للتضحية بقيم الديمقراطية لقاء ضمانات بمنع المهاجرين من الوصول إلى أوروبا، مما يبدد مصداقية العديد من المبادئ التي قام على أساسها الاتحاد الأوروبي.
- لا صوت للسوريين فيما يتعلق بمستقبلهم
يبدو بأن الكثير من الحوارات حول المرحلة الانتقالية في سوريا في المستقبل تجري خلف أبواب موصدة بين مسؤولين رفيعي المستوى من غير السوريين. مؤخراً، صرّح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إنه أجرى نقاشاً مثمراً حول معايير المرحلة الانتقالية في سوريا مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما على هامش محادثات التغير المناخي في فرنسا. وحتى في محادثات فيينا الأخيرة حول سوريا، لم يحضر سوى وزراء خارجية المجموعة الدولية لدعم سوريا (بما في ذلك روسيا والولايات المتحدة والعديد من دول الاتحاد الأوروبي وإيران وتركيا والسعودية). وغاب عن المحادثات الممثلون السوريون — سواء من الحكومة أو المعارضة. وعلى الرغم من الشعار الذي يتردد غالباً بأن السوريين هم من يجب أن يقرروا مستقبلهم، إلا أن المسار الواسع لخطة سلام ومرحلة انتقالية يتم التفاوض عليه دون مشاركة سورية، ويشعر العديد من السوريين على الأرض بأنهم في حيرة وجهل حول العملية.
- المساومة السياسية لا تأخذ في الاعتبار حقوق الإنسان
ستشمل المحادثات المقررة في فيينا بعد رأس السنة الجديدة مشاركة سورية في نهاية المطاف، حيث من المتوقع أن تبدأ الحكومة السورية ووفد من المعارضة السورية التفاوض على نهاية لصراع دام أربع سنوات. وبالإضافة إلى الائتلاف الوطني السوري، سيشمل الوفد قادة المعارضة المسلحة. وبالفعل، فقد دعت السعودية أعضاء محتملين من الوفد إلى حضور لقاء في الرياض للاستعداد. وقد تم تكليف الأردن بتحديد أي من الجماعات والفصائل ذات الصلة ينبغي استبعادها من محادثات فيينا بسبب صلتها بالإرهاب، ولكن غاب من بين عوامل تحديد الأهلية وجود سجل حقوق إنسان مرضٍ. ومن المرجح أن يشارك ممثلون من جيش الإسلام وأحرار الشام في كل من الاجتماع التحضيري في السعودية ومفاوضات فيينا. ولئن كان صحيحاً أن هناك حاجة لتحصيل قبول من المقاتلين لضمان نجاح أي اتفاق في المستقبل، إلا أن كثيراً من هذه الجماعات المسلحة مسؤولة عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. وبما أن المحادثات ستشمل مساومة سياسية واسعة، إلا أنه سيكون من العار أن يكون لقادة جيش الإسلام دور في الحكومة الانتقالية السورية ببساطة لأنهم حظوا بمقعد على الطاولة. وهو ما يقودنا إلى آخر النقاط المقلقة…
- الأسلحة وليس “الخيار السلمي” هو ما سيؤمن لكم مقعداً على الطاولة
لقد تم إنفاق مليارات اليورو والجنيهات الاسترلينية والدولارات الأمريكية على بناء قدرات المجتمع المدني السوري على معايير حقوق الإنسان الدولية والمقاومة السلمية والتحولات الديمقراطية. ولكن النشطاء السوريين الذين كرّسوا حياتهم، غالباً كمتطوعين، لهذه المُثُل العليا لم تتم دعوتهم إلى الرياض وعلى الأرجح لن يكون لديهم مقعد على الطاولة في فيينا. وعلى الرغم من أن ثلة قليلة من “الشخصيات الوطنية” السورية ستحضر اجتماع الرياض، إلا أن هؤلاء الأفراد لا يعتبرون ممثلين يتمتعون بالمصداقية والحياد للمجتمع المدني الأكبر. وبحسب علم المركز السوري للعدالة والمساءلة، لن تشارك أي منظمة من منظمات المجتمع المدني. وفي المقابل، كما هو مذكور أعلاه، سيكون من بين الحضور قادة مجموعات مسلحة من ذوي سجلات حقوق الإنسان الهشة. ويرسل هذا رسائل مختلطة للسوريين حول الأهمية الفعلية للإطار الدولي لحقوق الإنسان واللاعنف عندما يتعلق الأمر بالسلطة والسياسة.
على الأرجح ليست هذه هي الرسائل التي تريد أوروبا والولايات المتحدة أن تبرزها. غير أن العديد من السوريين بدؤوا بالإشارة إلى القضايا المذكورة أعلاه وتسليط الضوء على تناقض البيانات الصادرة عن الولايات المتحدة وأوروبا. ثمة حاجة للوضوح، ولاسيما فيما يتعلق بدور العدالة فضلاً عن القيم والمُثُل العليا التي تشكل الأساس للعملية الانتقالية لسوريا، وذلك لأن المفاوضات والمساومات السياسية التي تحدث اليوم ستؤثر على أسس الاستقرار والديمقراطية لسوريا الغد.
لمزيد من المعلومات ولتقديم الآراء وردود الأفعال، يرجى إرسال بريد إلكتروني إلى المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]