1 min read

باريس وبيروت والتصنيف المتضارب للمدنيين

صبي في براغ في وقفة تضامنية مع ضحايا هجمات باريس 2015  | الصورة لـ بلانكا ديغاتي

في أعقاب مأسآتي باريس وبيروت، تزايد النقاش العام حول الاستجابة المناسبة لوحشية تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) والسياسات المتعلقة باللاجئين والحصص الأوربية لاستقبالهم، ومعاملة المسلمين في الدول الغربية. على وسائل التواصل الاجتماعين انتقد كثيرون شركة فايس بوك ووسائل الإعلام ومستخدمين آخرين بسبب إبدائهم اهتماماً أكبر لحالات القتل الوحشية التي ارتُكبت في باريس في حين أنهم تجاهلوا إلى حد كبير أحداث مماثلة وقعت في بيروت. وما لبث السوريون كذلك أن سارعوا إلى وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن تعاطفهم وغضبهم الشديد، غير أن ردة فعلهم إزاء هجمات باريس وبيروت جاءت متباينة، تماماً على غرار ما حدث في أوروبا وأمريكا الشمالية، بل وبطريقة تثير قلقاً أكبر.

على الرغم من استنكار العديد من السوريين لكلا الهجومين على قدم المساواة، إلا أن العديد الآخرين، بما فيهم بعض النشطاء، هلّلوا لحالات الوفاة التي وقعت في الضاحية الشيعية في جنوب بيروت، معقل حزب الله. حيث قالوا إن حزب الله حليف حكومة الأسد ومسؤول عن مقتل ومعاناة سوريين أبرياء. وبالتالي فإن مقتل ومعاناة أشخاص أبرياء يعيشون في الحي الذي يهيمن عليه حزب الله ما هو إلا قصاص عادل. وبعد يومين من ذلك الحادث، عبّر نفس الأفراد عن تعازيهم لحالات الوفاة التي وقعت في باريس، وشجبوا الإرهاب واستهداف المدنيين، وكأنّ تعريف “المدنيين” قد تغير بين عشية وضحاها.

وليس النفاق في هذه التصريحات بالأمر الجديد. فقبل أسبوع فقط من هجمات باريس، تم توثيق قيام جيش الإسلام، أحد الجماعات التي أصدرت بياناً إنسانياً محركاً للمشاعر تشجب فيه هجمات باريس على المدنيين، بوضع سجناء مدنيين بما فيهم نساء من أنصار النظام في أقفاص حديدية واستعراضهم في الشارع في دوما في ريف دمشق، ووضعهم على أسطح المباني لردع الغارات الجوية التي يقوم بها النظام السوري. من شأن استخدام المدنيين كدروع بشرية أن يعرّض حياتهم للخطر ويشكّل انتهاكاً واضحاً للقانون الدولي. وفي سياق مماثل، قبل تفجير بيروت، قام أنصار حزب الله بالاحتفال وتوزيع البقلاوة في الشوارع عند سقوط حمص في يد الحكومة السورية في عام 2014، ومقتل العديد من المدنيين وقتها.

وكما يظهر من هذه الأمثلة وغيرها، فإن هناك تنامي لوجهة النظر القائلة بأنه عندما يدعم مدنيون العدو فإنهم يفقدون وضعهم كمدنيين ومن العدل استهدافهم وقتلهم. وهو رأي خاطئ بالمطلق، حيث يحظر القانون الدولي الإنساني الاعتداءات على المدنيين، الذين يُعرّفون بأنهم أشخاص ليسوا أعضاء في قوات مسلحة أو مجموعات مسلحة منظمة أخرى. ولا تسقط هذه الحماية إلا في الحالات التي يشارك فيها المدني مشاركة مباشرة في عمليات عدائية. وعادة ما تُفهم المشاركة المباشرة في عمليات عدائية بأنها تشمل “أعمال عنف من شأنها أن تشكل تهديداً مباشراً بإلحاق ضرر فعلي بالخصم”. وبالتالي فإن مجرد العيش في أحد معاقل المعارضة أو إظهار تأييد لموقف طرف خصم أو جهد عسكري لا يرقى إلى هذا المستوى ولا يفقد المدني الحماية المناطة به وفق القانون الدولي.

وفي غياب آليات العدالة الحقيقية التي تحمّل الجناة المسؤولية عن جرائمهم ضد المدنيين، انخفض مستوى التعاطف مع معاناة الآخرين وأصبحت الهجمات الانتقامية أكثر شيوعاً. وترتكب بعض مجموعات الثوار، بما فيها فصائل الجيش السوري الحر وجبهة النصرة، أعمالاً مروعة هي الأخرى، بما في ذلك الاعتقال السري وممارسات التعذيب التي تشبه إلى حد كبير إجراءات الحكومة السورية. ومما يزيد من دائرة الإفلات من العقاب هو ازدياد الطائفية التي أدت إلى ميل أكبر بين السوريين للتغاضي عن هذه التجاوزات عندما يرتكبها أبناء طائفتهم — ممن يفضّلون تحقيق العدالة بأي شكل، حتى لو كان ذلك على حساب كرامة الإنسان.

إن هذا التحول لا يبشّر بالخير لمبادرات العدالة الانتقالية في المستقبل. إذ يجب على كل من سوريا والمجتمع الدولي أن يضعوا المساءلة عن الهجمات ضد المدنيين على سلّم الأولويات من أجل مكافحة الإفلات من العقاب وضمان تحقيق العدالة لجميع الضحايا.

لمزيد من المعلومات ولتقديم الآراء وردود الأفعال، يرجى إرسال بريد إلكتروني إلى المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]