1 min read

المساءلة عن الجرائم المرتكبة في سوريا: دروس مستفادة من مجال العدالة الدولية

تقرير المركز السوري للعدالة والمساءلة بعنوان “خطوة نحو العدالة”

في 12 أيار/مايو، استضاف المركز السوري للعدالة والمساءلة جلسة نقاش لإطلاق تقرير بعنوان “خطوة نحو العدالة: خيارات المساءلة الحالية عن الجرائم المرتكبة في سوريا في إطار القانون الدولي”. حيث كتبت جنيفر تراهان، إحدى الأعضاء المشاركين في جلسة النقاش من مركز جامعة نيويورك للشؤون العالمية، ورقة مؤتمر كاملة تبين فيها الحجج التي ساقتها، ويمكن إيجاد هذه الورقة في مكتبة العدالة الانتقالية للمركز السوري للعدالة والمساءلة.

  1. يجب محاكمة جميع أطراف الصراع

لا يمكن أن يقتصر إنشاء محكمة مستقبلية في سوريا بولاية قضائية على جرائم تنظيم داعش أو نظام الأسد فحسب. على سبيل المثال، قامت المحكمة الخاصة بسيراليون بزيادة شرعيتها عندما قامت بمقاضاة الجناة من جميع الفصائل المتحاربة الرئيسية الثلاثة من الحرب الأهلية في سيراليون. وليست المحاكم المختلطة بطبيعتها أحادية الجانب، ومن مسؤولية المجتمع الدولي أن يضمن بأن الآلية تحاكم جميع الجناة الرئيسيين.

  1. علينا أن نبدأ من مكان ما

أنا أتفق مع تقرير المركز السوري للعدالة والمساءلة الذي يفيد بأن إنشاء محكمة لسوريا هو أمر قد يكون على بُعد عدة سنوات. ولكن في الوقت الحالي، هناك جيوب للولاية القضائية ينبغي الاستفادة منها، بما في ذلك، المحكمة الجنائية الدولية التي لديها ولاية محدودة على “المقاتلين الأجانب” الذين يأتون من دول أطراف في نظام روما الأساسي. وهنا أختلف بعض الشيء مع تقرير المركز. أعتقد أنه سيكون بياناً قوياً أن تقوم المحكمة الجنائية الدولية بمحاكمة مقاتلين أجانب. وحتى الجناة الأدنى مستوى قد يكونون سبباً في زيادة جاذبية المحكمة.

  1. لا تنتظروا السلام للشروع في المساءلة

يقول تقرير المركز: “يستوجب بشكل ملحّ السعي نحو تحقيق أحد أشكال العدالة قبل انتهاء الصراع”. إذا انتظر المرء حتى انتهاء جميع الجرائم قبل أن يحاول السعي نحو تحقيق العدالة، عندئذ لن توجد إمكانية لتحقيق الردع. وفي حين أنه من الصعب فعلاً إثبات أن العدالة الدولية تؤدي إلى الردع، لن يكون بوسع المجتمع الدولي أن يستخدم سوى الأدوات المتاحة تحت تصرفه.

  1. ظهور العدل يحظى بالأولوية

تقدّم المحكمة الجنائية العراقية العليا العديد من الدروس حول سبب كون النزاهة أمراً حيوياً. وقد تقوضت عدالة المحكمة الجنائية العراقية العليا بسبب سلوك طرق مختصرة في اتباع الإجراءات القانونية وبسبب التدخل السياسي، ولكن إدراج عقوبة الإعدام في نظام المحكمة الجنائية العراقية العليا هو الذي أدى إلى توقف تعاون الأوروبيين مع المحكمة. ولم يكن ذلك هو النهج الدولي الذي يود المرء أن يراه، وأوحى كذلك بمنظور يفيد بأن الولايات المتحدة، الدولة الوحيدة التي بقيت تقدم المساعدات، كانت في وضع يسمح لها بالسيطرة على تلك المحاكمات. وعلى الرغم من أن الغالبية العظمى من العراقيين كانوا يؤيدون عقوبة الإعدام إلا أن هذه المسألة في نهاية المطاف قوّضت ما كانت المحكمة الجنائية العراقية العليا لتنجزه بخلاف ذلك.

  1. قد تكون العدالة المنقوصة أفضل من عدمها

في هذا السياق، تأتي ملاحظاتي مرة أخرى مختلفة بعض الشيء عن الاستنتاجات التي توصل إليها التقرير الصادر عن المركز. حيث كانت المفاوضات التي جرت من أجل الدوائر الاستثنائية في محاكم كمبوديا طويلة جداً وكان هناك دوماً قلق من أن المحكمة التي سيتم إنشاؤها ستكون عرضة للتلاعب من قبل الحكومة الكمبودية. ولربما كان يشوب هذه المحكمة بعض النقص، ولكن لو أصرّ المجتمع الدولي على وجوب أن تكون الدوائر الاستثنائية في محاكم كمبوديا كاملة بدون أي نقص، لخسر على الأرجح ما يقرب من مليوني ضحية حقهم في المساءلة والمحاسبة.

  1. يجب تناول جرائم الفظائع الجماعية بحل متعدد المستويات

يوجد لدى المحكمة الجنائية الدولية قدرات محدودة ولن تكون كافية لمحاكمة جميع الجناة في سوريا. وينطبق الشيء نفسه على أي محكمة مختصة أو مختلطة. وعلى المستوى الوطني، ستحتاج المحاكم السورية إلى زيادة القدرات للفصل في جرائم الحرب. وينبغي أن يشمل الحل في نهاية المطاف، كما يشير التقرير الصادر عن المركز، مقاربة متعددة المستويات تضم لجان الحقيقة وجبر الضرر وتخليد الذكرى والتدقيق والتمحيص وإصلاح قطاع الأمن.

  1. إبراز المساءلة التي تلوح في الأفق أمر مهم للردع

في السنوات الأخيرة، سافرت المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إلى كل من كينيا وغينيا لتعلن بأن أي شخص يحرّض على العنف سيخضع لتحقيق من قبل المحكمة الجنائية الدولية. ويتعين على المدعي العام للمحكمة أيضاً أن تبثّ رسالة قوية مفادها بأنها تراقب بشكل مستمر وتقيّم الوضع في سوريا لأنه من المهم بالنسبة للمجتمع الدولي أن يعلن بأن المحاكمات يمكن أن تحدث، بل وستحدث. ومن خلال هذه الأنواع من الإجراءات يمكن للمرء أن يأمل بحدوث الردع.

  1. على طاولة المفاوضات، يجب عدم المساومة على التخلّي عن العدالة

في حال إجراء مفاوضات سلام لسوريا، كما جرت المحاولة سابقاً في مونترو، سويسرا، يجب أن يُترَك الباب مفتوحاً أمام إمكانية حدوث المساءلة. ومن الناحية المثالية، سيكون هناك التزام واضح بالملاحقات القضائية. وأما ثاني أفضل شيء فهو ضمان عدم منع حدوث المساءلة في المستقبل.

  1. نريد أن يبقى التفاؤل حتى نهاية المطاف

لم يكن واضحاً لسنوات ما إذا كان رادوفان كراديتش وراتكو ملاديتش بالإضافة إلى المتّهمين الآخرين في المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة سينتهي بهم المطاف في لاهاي. ومع ذلك، هذا كان مصيرهم في النهاية. ويعرض تقرير المركز عدداً من الأسباب لعدم نجاح خيار المحاكم المختلطة أو المحكمة الجنائية الدولية. نعم، تأتي هذه المحاكم بتكلفة مرتفعة، ولكن في حال عدم فعل أي شيء ستكون التكلفة أعلى. وعندما يكون لدى المرء أهداف سامية، يجب على المرء كذلك أن يتحلى بالتفاؤل.

الخاتمة

في حين أن الملاحقة القضائية هي ثاني أفضل بديل بعد المرتبة الأولى المتمثلة في الوقاية من الجرائم، فإن مجال العدالة الدولية قد قطع شوطاً طويلاً جداً يحول دون تراجعه عن ضمان رد قوي من المجتمع الدولي على جرائم الفظائع الوحشية التي تُرتكب في سوريا اليوم. وتلتزم كل دولة بمسؤولية ضمان أن يتحقق ذلك.

لمزيد من المعلومات ولتقديم الآراء وردود الأفعال، يرجى إرسال بريد إلكتروني إلى المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected].