1 min read
الإقصاء المالي: معاناة اللاجئين السوريين في أوروبا
Avij - Wikipedia

الإقصاء المالي: معاناة اللاجئين السوريين في أوروبا

تواجه مروة* اللاجئة السورية المقيمة في بلجيكا عقبة تحول دون اندماجها في المجتمع بشكل كامل، تتلخص في عدم السماح لها بفتح حساب مصرفي (بنكي)، وهو متطلب أوروبي محوري للانخراط في النشاط الاقتصادي المحلي. فلا غنى عن الحساب المصرفي لتحويل الأجور والرواتب فضلا عن أن القوانين الأوروبية تقيد سداد الأجور نقدا، ناهيك عن أهمية وجود حساب لإتمام معاملات شراء الحاجيات أو السلع والخدمات. وكانت مروة موظفة فعلا لحظة وصولها إلى بلجيكا، فهي كانت في واقع الأمر إحدى موظفات المركز السوري للعدالة والمساءلة حينها، ولكن كان لا بد من فتح حساب مصرفي كي يتم تحويل راتبها إليه.

وبموجب أحكام التوجيه (القانون) الصادر عام 2014 بخصوص حسابات الدفع في الاتحاد الأوروبي، يحق لمن يقيم على أراضي الاتحاد بشكل قانوني "فتح حساب عادي للمدفوعات"، وهو حساب يتيح إجراء عمليات السحب والإيداع للمبالغ المالية. ويمنح هذا القانون (التوجيه) اللاجئين وطالبي اللجوء الحق في فتح حسابات مصرفية. ولكن البنوك (المصارف التجارية) تتقاعس في الغالب عن الإذعان لأحكام هذا القانون، وتميز ضد السوريين بهذا الخصوص. وأورد معهد سياسات الهجرة في تقريرله التوقف عن تطبيق أحكام هذا القانون النافذ في عموم أنحاء الاتحاد الأوروبي اعتبارا من كانون الأول/ ديسمبر 2023.

وسرعان ما واجهت مروة بمجرد وصولها بلجيكا عقبات حالت دون تمكنها من فتح حساب مصرفي جراء رفض عدد من البنوك تقديم هذه الخدمة. لا بل ورفض موظفو اثنين من تلك المصارف فتح حساب لها من دون إبداء الأسباب. وعقب محاولات عدة، تمكنت مروة من فتح حساب لدى "بنك بيلفيوس"، وهو مصرف حكومي بلجيكي.

ولم تنته الصعوبات التي اعترضت طريق مروة في هذا السياق، حيث واجهت إشكاليات في استلام راتبها. وأخبرها أحد موظفي البنك أنه يستحيل على أي مواطن سوري أن يستلم أموالا من منظمات غير حكومية مقرها الولايات المتحدة؛ لما يمثله ذلك من مخاطر كبيرة بالنسبة للبنك المعني. وعندما أعربت مروة عن احتجاجها، طلب منها الموظف الحصول على اسم تلك المنظمة غير الحكومية. وبمجرد أن سمع كلمة "السوري" في اسم المنظمة، رفض على الفور بزعم أن النظام المحوسب في البنك سوف يجمِّد الحساب تلقائيا. وبما أنه ما من سبيل آخر لاستلام الراتب، اضطُرت مروة لترك عملها مع المركز السوري للعدالة والمساءلة أملًا في أن تحصل على وظيفة في بلجيكا عوضا عن ذلك.

وليست قصة مروة بالاستثناء على القاعدة، إذ تمثل تفاصيلها العرف السائد في التعامل مع اللاجئين السوريين في أوروبا. ووصل طارق الموظف في إحدى المنظمات غير الحكومية إلى بلجيكا بصفة لاجئ سياسي. وقوبل طلبه بفتح حساب مصرفي بالرفض من عدد من البنوك في بلجيكا، واضطُر للتوجه إلى فرنسا وهولندا بحثا عن بنك يقبل أن يزوده بالخدمات المصرفية الأساسية. وعلى غرار ما حصل مع مروة، واجه طارق صعوبات في استلام راتبه المحول من منظمة غير حكومة مقرها الولايات المتحدة. وعلى الرغم من مرور عقد من الزمان على مغادرة طارق لسوريا، فإن الجنسية السورية التي يحملها حالت دون استلامه أي مبالغ من الولايات المتحدة عن طريق الشبكة المصرفية وفقا لما أفاد به موظفو البنك.

وبادر طارق إلى تعديل أسلوبه في التعامل مع الوضع، وافتتح شركة خاصة كي يستلم راتبه من خلالها، وهي خطوة كلفته مبلغا قدره 10 آلاف دولار أمريكي تقريبا. ومع ذلك، مُنع من فتح حساب مصرفي باسم الشركة المسجلة كي يستلم راتبه من المنظمة غير الحكومية التي توظفه.

وثمة سوري آخر، اسمه أحمد، وصل ألمانيا، ومُنح جنسيتها في 2023. وأورد بدوره كيف رفضت المصارف الاعتراف بوثيقة السفر التي كان يحملها، والتي كانت الوثيقة الوحيدة لإثبات هويته قبيل حصوله على الجنسية الألمانية، وهو ما شكل انتهاكات لأحكام قانون حسابات الدفع في الاتحاد الأوروبي لعام 2014.

وفي 2019، أُحيلت قضية مشابهة إلى المحكمة في إيرلندا بعد منع لاجئ سوري وصل البلاد أصوليا ضمن البرنامج الإيرلندي لحماية اللاجئين من فتح حساب مصرفي، إذ أخبره موظف البنك حينها أن البنك يرفض فتح حسابات مصرفية للسوريين. وأُحيلت القضية إلى مفوضية علاقات العمل الإيرلندية، وحكمت بأن القضية تنطوي على التمييز ضد ذلك الشخص بشكل مباشر.

ويُعزى الكثير من تلك الحالات إلى لوائح وتعليمات سياسة "اعرف عميلك/ KYC" المطبقة في الاتحاد الأوروبي، والتي تلزم المصارف التجارية بالتحقق من هوية العميل المحتمل قبيل فتح الحساب، والتأكد من عدم ضلوعه في ارتكاب جرائم مالية من قبيل غسل الأموال أو تمويل الإرهاب. وفي هذا السياق، يميل أكثر البنوك إلى الامتثال لتلك الشروط بما يحمل موظفيها على رفض فتح حسابات مصرفية لأفراد من بلدان مدرجة على قوائم العقوبات، وبصرف النظر عما إذا كان الشخص الراغب بفتح الحساب قد ارتكب جرائم مالية، أو إذا كان أرسل أموالا إلى سوريا أو تسلم مبالغ محولة منها. وتشيع هذه الممارسات على الرغم من توفر خدمات زهيدة التكلفة وفي المتناول تتيح التحقق من هوية العملاء، والتأكد من عدم إدراج أسمائهم على قوائم العقوبات الدولية.

وتشكل هذه الممارسات التمييزية تناقضا صارخا مع التغيرات التي طُبقت بعد تدفق اللاجئين الأوكرانيين أعقاب غزو روسيا لبلادهم في 2022، أي عندما سمح الاتحاد الأوروبي لمصارف الاتحاد بتخفيف القيود المطبقة في مجال مكافحة غسل الأموال عند التعامل مع اللاجئين من أوكرانيا بما يكفل تمكينهم من فتح حسابات مصرفية في دول الاتحاد. وفي واقع الحال، علَّقت المصارف الأوروبية مؤقتا تطبيق شرط إبراز جواز السفر أو وثائق ثبوتية مماثلة على اللاجئين الأوكرانيين لفتح حساب مصرفي، وذلك تيسيرا عليهم في سياق الحصول على الخدمات المالية.

كما تتفاقم مشكلات السوريين في الولوج إلى النظام المالي في الاتحاد الأوروبي بفعل ضعف الثقافة المالية. ووفقا لدراسة مسحية أُجريت في ألمانيا عام 2018، اتضح أن 65% فقط من الألمان تمكنوا من الإجابة بشكل صحيح عن الأسئلة المتعلقة بمفاهيم مالية أساسية، مقارنة بتمكن نحو 32% من اللاجئين السوريين المستطلعة آراؤهم من الإجابة عن الأسئلة بشكل صحيح. وتعززت هذه الحقيقة من خلال المقابلات التي أُجريت في هذا السياق. وقال ياسر، هو طالب لجوء سوري مقيم في برلين: "انتقلت من دمشق للإقامة في برلين قبل نحو خمسة أشهر، ولا أزال أعاني الأمَرَّيْن في فهم النظام الضريبي، أو معرفة المزيد بخصوصه نظرا لانشغالي بإتمام المعاملات الورقية، والتعامل مع تحديات وصعوبات أخرى." وتكرر صدى ذلك الانطباع في كلام أمينة، وهي مهاجرة سورية مقيمة في ألمانيا، وقالت إنه "ينبغي توفير معلومات أفضل، وتنظيم ورش عمل، ومبادرات لتشجيع البنوك على اعتماد سياسات أكثر شمولا لغير مواطني دول الاتحاد الأوروبي".

وعلى دول الاتحاد الأوروبي المضيفة للاجئين أن تعمل على تيسير الشمول المالي للاجئين السوريين، والوصول إلى الخدمات المالية. وينبغي أولا تعديل تعليمات لائحة "اعرف عميلك" حسب الاقتضاء بما يكفل عدم مكافأة سلوك الإفراط في الامتثال المؤدي إلى التمييز. وينبغي على الأرجح التوسع في الاستثناءات الممنوحة للاجئين الأوكرانيين بحيث تشمل فئات أخرى من اللاجئين الذين يواجهون عوائق مماثلة على صعيد استصدار مختلف أشكال الأوراق الثبوتية. كما ينبغي جعل تدريب موظفي المصارف على التنفيذ الفعال للقوانين ذات الصلة إلزاميا، وإيقاع غرامات على المؤسسات المالية إذا تقاعست عن التقيد بالشروط الواردة في التوجيه الخاص بحسابات الدفع في الاتحاد الأوروبي لعام 2014. كما ينبغي فتح مسارات واضحة تتيح للسوريين تحرير شكاوى بحق المصارف التي ترفض فتح حسابات مصرفية لهم. وعلى الدول المضيفة للاجئين أن تسعى إلى توفير موارد تثقيفية للاجئين بما يرفع من مستويات ثقافتهم المالية، وزيادة إمكانية استفادتهم من خدمات القروض، وتحويلات العاملين، والتأمين، والاستثمار بما يتيح لهم المشاركة بشكل كامل في الاقتصاد والإسهام في نشاطه.

* عُدلت الأسماء والمعلومات التي يمكن من خلالها الاستدلال على هوية الشخص حمايةً لخصوصية من أُجريت المقابلات معهم.

ونورد تاليا بعض المصادر التي تمثل خطوات أولية إذا حاولتم شخصيا، أو حاول أحد من طرفكم، أن يفتح حسابا مصرفيا في بلد أوروبي:

  العربية

  العربية

  العربية

  العربية

  لماذا يتعذر على بعض اللاجئين والمهاجرين فتح حساب بنكي في ألمانيا؟

  العربية

  العربية

  العربية

  العربية

  العربية

  العربية

  العربية

  العربية